رمز الصمود في وجه الظلم... زينب جلاليان تدخل عامها السابع عشر في السجن
زينب جلاليان، المعتقلة السياسية الكردية في سجن يزد بإيران، هي السجينة الوحيدة المحكوم عليها بالسجن المؤبد، حيث قضت في السجن 5844 يوماً دون يوم عطلة.
مركز الأخبار ـ دخلت اليوم الاثنين 26 شباط/فبراير، زينب جلاليان، السجينة السياسية الكردية، عامها السابع عشر في سجن يزد، فيما قضت 5844 يوماً دون يوم إجازة واحد والحصول على الخدمات على الرغم من المشاكل الجسدية العديدة التي تعاني منها ودون مبدأ الفصل بين الجرائم.
اعتقلت زينب جلاليان في 26 شباط/فبراير 2008، على الطريق الواصل بين مدينتي كامياران وكرماشان بشرق كردستان، وبعد تسعة أشهر من اعتقالها حُكم عليها من قبل الفرع الأول لمحكمة الثورة في كرماشان بالسجن لمدة عام بتهمة "الخروج غير القانوني من البلاد"، كما حُكم عليها بالإعدام بتهمة "المحاربة من خلال العضوية في الجماعات المناهضة للنظام وحمل وحفظ الأسلحة والمعدات العسكرية، وتنظيم أنشطة دعائية لصالح المعارضة".
وذلك على الرغم من أنه بحسب لائحة الاتهام الصادرة ضد زينب جلاليان من نفس المحكمة، فإنها لم تكن مسلحة عند اعتقالها ولم يتم العثور بحوزتها على أي معدات عسكرية، وبحسب اللائحة نفسها، لم يتمكن موظفو وزارة الإعلام من تقديم دليل على مشاركتها في عملية مسلحة إلى المحكمة، لكن القاضي كان قد أصدر حكم الإعدام بناء على افتراض احتمال تورطها في عمليات مسلحة.
وبحسب محاميي زينب جلاليان، فإنه بالرغم من أنها نفت مشاركتها في أي عمل مسلح ضد السلطات الإيرانية خلال جميع مراحل الاستجواب، واعتبرت أن جميع أنشطتها سياسية وتتماشى مع برامج نسوية والدعاية لحزبها، إلا أنه تم تأكيد حكم الإعدام بحقها في 6 أيار/مايو 2009 من قبل محكمة الاستئناف في كرماشان، وذلك على الرغم من أنه وفقاً لقانون العقوبات (القديم والجديد) فإن النظر في الاستئنافات في الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام هي ضمن اختصاص المحكمة العليا، وتم تخفيف هذه العقوبة إلى السجن مدى الحياة في تشرين الثاني/نوفمبر 2011.
ونُقلت زينب جلاليان فجأة من سجن كرماشان إلى العنبر 209 بسجن إيفين بالعاصمة طهران في آذار/مارس 2010، لأسباب مجهولة وبعد 5 أشهر أعيدت إلى سجن كرماشان وفي عام 2015 بعد مطالبتها المتكررة، تم نقلها إلى سجن خوي وهو أقرب سجن لمكان إقامة عائلتها في ماكو.
وخلال الـ 16 عاماً الماضية، تنقلت زينب جلاليان، بالإضافة إلى معاناتها من التعذيب النفسي والجسدي، عدة مرات بين سجون مختلفة، بما في ذلك سجون خوي وإيفين وكرماشان وقرتشك وكرمان ويزد دون سبب واضح.
ففي الثاني من أيار/مايو 2020، نُقلت إلى سجن قرتشك، ومن ثم إلى سجن كرمان في 25 حزيران/يونيو من العام ذاته، ونُقلت إلى سجن ديزيل آباد كرماشان في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2020، وفي تشرين الثاني/نوفمبر نُقلت إلى سجن يزد دون أي سبب أو إشعار مسبق لها.
كما تعرضت عائلة زينب جلاليان لضغوط من أجل التزام الصمت بشأن الوضع المعقد لابنتها خلال الأعوام الستة عشر الماضية، فبعد نشر رسالة مصورة، لجوزل حاجي زاده، والدة زينب جلاليان، طلبت فيها من منظمات حقوق الإنسان العمل من أجل إطلاق سراح ابنتها، قامت السلطات الإيرانية باعتقال والدتها وأشقائها.
وبعد نشر هذه الرسالة، تم احتجاز والدة زينب جلاليان وإخوتها باشا وإبراهيم ويوسف جلاليان في ماكو لمدة يوم وليلة، ومن ثم أطلق سراحهم لأن جوزل حاجي زاده فقدت وعيها في مركز الاحتجاز.
وعانت زينب جلاليان أثناء سجنها من أمراض مختلفة، منها مرض القلاع الفموي، والتهاب الملتحمة، وضعف الرؤية، والتهاب اللثة، ومشاكل في الكلى والجهاز الهضمي، وكورونا، ورغم حاجتها للعلاج خارج السجن، رفضت السلطات نقلها إلى المشفى إلى في حالات قليلة، ومن ثم أعادوها إلى السجن دون أن تخضع للعلاج.
وفي إحدى رسائلها من سجن خوي في حزيران/يونيو 2018، تقول إن مسؤولي السجن وضباط الأمن جعلوا تقديم الخدمات الطبية مشروطة بقبول طلباتهم "أنا في سجون الجمهورية الإسلامية منذ أحد عشر عاماً، ورغم الأمراض التي أعاني منها، إلى أنني لم أطلب أبداً من النظام أن يأخذني إلى الطبيب. في البداية تضررت عيني، ثم الأمعاء، ثم كليتي، ثم رئتي، ثم مرض القلاع في فمي، ثم ضغط الدم، والآن تضررت لثتي ويجب أن أتحمل الكثير من الألم. كسجينة سياسية، لا أملك أبسط الحقوق. لقد تغلبت دائماً على آلامي، مثل الأم التي تهدئ طفلها المضطرب والمريض بالتهويدات".
زينب جلاليان، التي تم نقلها بعد اعتقالها إلى مركز الاعتقال السري التابع لمخابرات كرماشان، أمضت أكثر من ثلاثة أشهر في الحبس الانفرادي، وتعرضت خلالها للتعذيب الجسدي والنفسي الشديد وحتى التهديدات بالاغتصاب، والحرمان من الحق في الاتصال، وزيارة العائلة، وحرمانهم من الاتصال بمحامي.
وفي رسالة من السجن نشرت بمناسبة يوم المرأة العالمي في آذار/مارس 2018، كتبت زينب جلاليان "مزقوا ملابسي عن جسدي وعصبوا عيني وقيدوا يدي وقدمي إلى سرير حديدي وبدأوا في تعذيبي. جلدوا ساقي حتى أصبحتا منتفختين ومصابتين بكدمات شديدة. لقد عذبوني كثيراً لدرجة أنني لم أعد أشعر بأي شيء، وكان جسدي كله مخدراً ولم يعد لدي السيطرة على جسدي، وإذا قلت إن القلم يعجز عن كتابة آلامي ومعاناتي فأنا لا أبالغ لأنني أخبرتكم فقط بجزء صغير من تعذيبي".
وتحدثت عن تعذيب مثل "ضرب رأسها بالحائط بشكل أدى إلى كسر جبهتها وانتفاخ عينيها، والاستجواب معصوبة العينين ومكبلة بالأصفاد وتهديدها بالاغتصاب، وإجبارها على إجراء فحص العذرية".
وذكرت أنه في مركز الاحتجاز بمدينة كرماشان، في إحدى جلسات التحقيق الأولى، وبينما كانت جالسة معصوبة العينين ومكبلة اليدين، اقترب منها أحد المحققين وسألها عن عذريتها وقال باستهزاء "هل من الممكن أن تكوني هناك كل هذه السنوات (بين المناضلين من أجل الحرية)، ومازلتي عذراء!"، ثم حاول أن يضع خاتماً في إصبعها، وقال بابتسامة "ألا أستحقكِ؟"، لكنها رميت الخاتم عليه بغضب وركلته بقوة في بطنه من أجل أن يبتعد عنها، وعندما سقط على الأرض، هاجمها محققان آخران بالشتائم والتهديدات، ولكموها وركلوها وكسروا رأسها وعندما رأوا رأسها ينزف، توقفوا عن ضربها واضطروا لنقلها إلى المشفى لخياطة رأسها، ومن ثم أعادوها إلى مركز الاحتجاز. لاحقاً، عندما جاء الطبيب إلى مركز الاحتجاز لفحص رأسها، اضطرت للخضوع لاختبار العذرية.
وفي المحكمة الأولى التي انعقدت بعد بضعة أشهر للنظر في التهم الموجهة إليها، أبلغت زينب جلاليان القاضي بالتعذيب الجسدي وعرض أن تصبح محظية من قبل محقق المخابرات، بل وتقدمت بشكوى بهذا الخصوص لكن لا يقبل القاضي كلامها ولا تتم متابعة شكواها.
وشاهدت نرجس محمدي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان التي كانت محتجزة مع زينب جلاليان لعدة أيام في العنبر 209 في إيفين، آثار هذا الكسر العميق في رأسها، وكتبت عن لقائها مع زينب جلاليان في كتاب "التعذيب الأبيض" بأن السلطات طلبوا من زينب جلاليان عدة مرات إجراء مقابلة والاعتراف بأنها شاركت في عمليات مسلحة، إلا أنها رفضت ذلك.
وأكدت شیوا نظرآهاري، الناشطة في مجال حقوق الإنسان التي احتُجزت في نفس الزنزانة مع زينب جلاليان في مركز الاحتجاز 209 بسجن إيفين، وجود علامات كسر عميقة على رأسها "تعرضت زينب جلاليان لضغوط شديدة من قبل المحققين لإجراء مقابلة بالفيديو حتى بعد صدور الحكم بحقها، لكنها لم تستسلم".