نساء إقليم شمال وشرق سوريا يحولن الفكر التحرري إلى ممارسة يومية ضد العنف

يقود مؤتمر ستار مبادرات التحرر والمشاركة المجتمعية، ومنظمة حقوق الإنسان تعزز الوعي القانوني وتوثق الانتهاكات لضمان حماية النساء وفتح الطريق أمام مجتمع أكثر عدالة ومساواة وكرامة.

أسماء محمد

قامشلو ـ مع انطلاق ثورة 19 تموز/يوليو في إقليم شمال وشرق سوريا، بدأت حملة شاملة تعيد صياغة دور المرأة في المجتمع عبر تمكينها فكرياً وقانونياً واجتماعياً واقتصادياً، وترسخ مبادئ الحرية والمساواة والعدالة من خلال برامج تدريبية ومبادرات مجتمعية وحوارات مفتوحة.

تحول الفكر التحرري من خلال ثورة المرأة في نظام الإدارة الذاتية من نظرية مجردة إلى ممارسة يومية تحدث تغييراً حقيقياً في حياة النساء وتبني مجتمعاً ديمقراطياً أكثر توازناً وكرامة.

 

الفكر التحرري ليس مجرد شعارات

أكدت عضوات مؤتمر ستار أن الفكر التحرري ليس مجرد شعارات نظرية، بل أصبح ممارسة يومية تؤثر على حياة النساء والمجتمع ككل، وأن قدرة المرأة على مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والمشاركة بفاعلية في صنع القرار المحلي، تمثل نموذجاً فريداً للتحول المجتمعي، حيث يتم دمج قيم الحرية والمساواة والعدالة في كل جانب من جوانب الحياة اليومية.

وقد أعلن مؤتمر ستار لعام 2025 عن إطلاق حملة موسعة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة وحملة الـ 16 يوماً، تهدف إلى تسليط الضوء على التحديات العميقة التي تواجه النساء في المجتمع وتعزيز حقوقهن في جميع المجالات، وتأتي هذه الحملة في إطار جهود المستمرة لتمكين المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، بعد أن أثبتت النساء في المنطقة قدرة استثنائية على مواجهة التحديات والمشاركة بفاعلية في صنع القرار السياسي والاجتماعي وبناء مجتمع متماسك ومبتكر.

 

مجموعة واسعة من الفعاليات والبرامج

بينت عضوة مؤتمر ستار في مدينة قامشلو إقليم شمال وشرق سوريا كلستان كلو أن الحملة عبارة عن مجموعة واسعة من الفعاليات والبرامج المصممة لتحويل الفكر التحرري من شعار نظري إلى ممارسة يومية ملموسة، تمكن النساء من ممارسة حياتهن بحرية واتخاذ قراراتهن بشكل مستقل، بما يسهم في بناء مجتمع حر ومستدام قائم على قيم الكومينالية والمساواة والعدالة الاجتماعية".

وأوضحت أن الحملة تشمل ورش عمل متخصصة لتطوير المهارات القيادية، وإدارة المشاريع، واتخاذ القرار، وتمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، إلى جانب تعليم أساليب التفاوض وإدارة الوقت والصراعات والمساهمة الفاعلة في المجالس والمؤسسات والكومينات.

كما تتيح الجلسات الحوارية المفتوحة للنساء فرصة اللقاء مع المجتمع المحلي، بما في ذلك الرجال والشباب، لمناقشة قضايا حساسة مثل العنف الأسري والتمييز في العمل، واستكشاف حلول مبتكرة للتغلب على هذه التحديات، مع عرض قصص نجاح حقيقية لنساء تمكن من تطبيق الفكر التحرري في حياتهن اليومية وتأثيره على مجتمعاتهن.

وأشارت إلى أن الحملة تركز على كسر القيود الثقافية والاجتماعية التقليدية التي حدت من حرية المرأة قبل الثورة، وإزالة الحواجز النفسية والاجتماعية أمام مشاركتها الكاملة في كل جوانب الحياة العامة، وتتضمن البرامج التدريبية تعزيز ثقة النساء بأنفسهن وتزويدهن بالمعرفة والمهارات اللازمة للتأثير في القرارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ليصبحن قوة فاعلة قادرة على قيادة التغيير داخل مجتمعاتهن.

 

مواجهة أصعب الظروف

وأكدت كلستان كلو، أن المرأة في روج آفا وإقليم شمال وشرق سوريا أثبتت قدرتها على مواجهة أصعب الظروف، بما في ذلك التحديات الأمنية والسياسية، والمشاركة في صنع القرار، وإدارة المؤسسات المحلية، وإطلاق مشاريع تنموية واجتماعية تعود بالنفع على المجتمع بأسره "لقد تحول الفكر التحرري من مجرد شعارات على الورق إلى ممارسة يومية ملموسة تؤثر على حياة كل امرأة وكل أسرة، وتعيد صياغة الطريقة التي يدار بها المجتمع بحيث تصبح قيم الحرية والمساواة والعدالة جزءاً من الواقع العملي".

وتركز الحملة على دمج الفكر التحرري في جميع جوانب الحياة اليومية من خلال مراكز دعم متخصصة تقدم المساندة النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وورش عمل متقدمة لتطوير القيادة واتخاذ القرار وإدارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعليم التخطيط الاستراتيجي وحل النزاعات، بما يمكن النساء من ممارسة أدوارهن بكفاءة وفاعلية في المؤسسات والمجالس والكومينات.

كما تعمل المراكز على نشر المعرفة بحقوق النساء وتعزيز وعي المجتمع بأهمية المساواة، وتوفير فرص لتبادل الخبرات بين النساء، مع دعم نفسي واجتماعي لمن يواجهن تحديات ثقافية أو اجتماعية "تركز الحملة أيضاً على الجيل الجديد، وخاصة الشباب، من خلال حملات توعوية وتثقيفية في المدارس والكليات لتعزيز قيم المساواة والعدالة وغرس ثقافة الحرية والمشاركة المجتمعية منذ الصغر، وتهدف المبادرات إلى إعداد أجيال قادرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية والثقافية بثقة واستقلالية، وبناء قاعدة قوية من النساء اللاتي يمتلكن المعرفة والمهارات لضمان استمرار الفكر التحرري للأجيال القادمة".

 

نتائج تبعث على التفاؤل

وترى أن النتائج التي تحققت على مدار السنوات الماضية تشكل نموذجاً رائداً يعكس قدرة المرأة في المنطقة على مواجهة التحديات وتحويل الفكر التحرري إلى واقع ملموس "المرأة اليوم ليست مجرد مستفيدة من الحقوق، بل أساس المجتمع وقاعدة تطويره، قادرة على المشاركة الفاعلة في كل مستويات الحياة، من الإدارة المحلية إلى صنع القرار السياسي والمبادرات الاقتصادية والثقافية".

والحملة كما تؤكد عضوة مؤتمر ستار في مدينة قامشلو إقليم شمال وشرق سوريا كلستان كلو التزام مؤتمر ستار الدائم بتمكين النساء وتعزيز دورهن القيادي، وتحويل الفكر التحرري إلى ممارسة مجتمعية حقيقية أصبحت جزءاً من الهوية المجتمعية، مما ينعكس إيجاباً على التنمية المستدامة، والعدالة، والمساواة، ويُلهم الأجيال الجديدة لبناء مجتمع شامل ومتوازن يحمي حقوق الجميع ويكفل للمرأة حمايتها وكرامتها في كل المجالات".

 

التمكين يبدأ من التوعية

ومن جانبها أشارت إدارية منظمة حقوق الإنسان أفين جمعة إلى أن تمكين المرأة في المجتمع يبدأ من التوعية بحقوقها، والتي هي حقوق محفوظة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية، إضافة إلى القوانين المحلية والدستور "بنود الاتفاقيات الدولية تدعم حرية المرأة ومشاركتها في كافة المجالات المجتمعية، والتوعية بهذه المواثيق والقوانين سواء الدولية أو المحلية، بما في ذلك قوانين الإدارة الذاتية والمبادئ الأساسية للمرأة في العقد الاجتماعي، تشكل حجر الزاوية لتمكين المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا".

ولفتت إلى أن ممارسة الحرية الشخصية تواجه إشكاليات خاصة بالنسبة للنساء، نتيجة العادات والتقاليد والموروثات المرتبطة بالشرف، وأحياناً بعض التشريعات الدينية. مؤكدة على أهمية التوعية القانونية لتعريف المرأة بحقوقها وآليات المطالبة بها، وإلى أن الجهل بالقوانين يشكل عائقاً كبيراً أمام حصول النساء على حقوقهن الأساسية وحريتهن العامة مقارنة بالرجال".

ومسألة توثيق الانتهاكات، خاصة تلك التي تتعرض لها النساء والأطفال، كما بينت أفين جمعة تشكل أولوية في عمل المنظمة، والتوثيق يشمل كافة الانتهاكات، بما في ذلك جرائم الحرب، الانتهاكات المجتمعية، حالات الانتحار، والضغوط النفسية التي قد تؤدي إلى مآسي شخصية "هذه الملفات القانونية تساعد في رفع القضايا سواء على المستوى المحلي أو الدولي، كما أن التوعية القانونية، عقد الندوات والمحاضرات، وورش العمل، تعد أدوات أساسية في تمكين المرأة".

 

متابعة أوضاع النازحات

ويشمل التمكين القانوني والمؤسساتي متابعة أوضاع النساء في المخيمات، سواء مخيمات النزوح أو اللجوء، وتوثيق الانتهاكات في حقهن والمطالبة بحقوقهن عبر دعاوى قانونية "التمكين يمتد إلى الحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح والتعبير عن الرأي، إضافة إلى دعم الصحفيات والعاملات في المجال الإنساني، ومواجهة المضايقات التي قد يتعرضن لها سواء من المجتمع أو أثناء النزاعات في المناطق الساخنة".

وشددت على التعريف بالحقوق والآليات القانونية للتوثيق والمطالبة بها، والتوعية عبر المحاضرات والندوات وإنشاء المشاريع العملية، يشكل أساس عمل المنظمة "توفير آليات تقديم الشكاوى بالتنسيق مع الجهات المختصة أمر بالغ الأهمية لدعم الضحايا وتمكين قوى الأمن الداخلي، والمنظمة تسعى دائماً لتقديم مقترحات ومشاريع قوانين وآليات تسهل هذه العملية ضمن الأسلوب العملي".

وأشارت إلى إن حرية المرأة وممارستها لحقوقها شهدت تطوراً ملموساً، وإن التوعية والتنظيم المجتمعي للنساء ساعدا في إيجاد مساحة للعمل في مختلف المجالات، بما فيها المجالات العسكرية والسياسية، والتي كانت سابقاً حكراً على الرجال، وإن هذه التجربة في إقليم شمال وشرق سوريا جعلت المرأة رمزاً للتحرر، وأن حملات التوعية الإعلامية ومناصرة الحقوق ساهمت في نشر هذا الفكر وتمكين المرأة من المشاركة الفاعلة في المجتمع.

واختتمت إدارية منظمة حقوق الإنسان أفين جمعة حديثها بالقول "بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، رسالتي موجهة لجميع النساء حول العالم، ونساء سوريا بشكل خاص، بعدم السكوت عن أي ظلم، وأن رفع الصوت والمطالبة بالحقوق، والتكاتف والتنظيم، يساهم في بناء مجتمع ديمقراطي حر، يكون للمرأة فيه دور أساسي وفاعل".