نرجس بكير: بناء سوريا جديدة ممكن باحتضان ثورة روج آفا
أكدت عضو منسقية مؤتمر ستار بحي الشيخ مقصود في مدينة حلب بسوريا نرجس بكير، أن بناء سوريا الحرة ممكن من خلال احتضان ثورة روج آفا "لا أحد يستطيع أن يمنع النضال من أجل الحرية ومقاومة المرأة، ونحن كنساء سندافع عن حريتنا".
دلباك داغ
حلب ـ يعتبر حي الشيخ مقصود أحد أكبر أحياء مدينة حلب، ويشكل الكرد غالبية سكانه، يعطي هذا الحي انطباعاً عن المدينة من حيث تعايش القوميات المختلفة، وعلى الرغم من الأزمة التي اندلعت في سوريا منذ 14 عاماً، إلا أن الحي قد قطع شوطاً كبيراً في تعزيز الروابط المنظمة بين سكانه متخذاً من إقليم شمال وشرق سوريا مثالاً.
تعيش مكونات مختلفة في ذات الحي
عند سفح جبل سِيدو يوجد مسجد بجوار المقبرة المسيحية مباشرةً، وعلى الجانب الآخر توجد مقبرة يهودية ومقبرة للجنود الألمان الذين لقوا حتفهم في الحرب العالمية الثانية، التربة المعدنية الغنية بالزراعة تكاد تكون معدومة حتى يومنا هذا، لأن الحي استقبل الكثير من المهاجرين، وبالتالي تم بناء منازل مؤقتة في الأراضي الزراعية.
ويُعرف الحي بقومياته المختلفة كالعرب والكرد والأرمن والإيزيديين والمسيحيين والعلويين وغيرهم، هذا الحي تعرض للقمع والاعتداءات من قبل نظام البعث سابقاً بسبب هويته الوطنية، واشتهر في التاريخ السوري بانتفاضته ومقاومته.
بعد المجزرة التي ارتكبها نظام البعث في قامشلو عام 2004، عملت ديناميكيات الحي على تنظيم نفسها من سبعة إلى سبعين شخصاً بعد مجزرة قامشلو، وسرعان ما بدأت البلديات والمجالس والمنظمات النسائية بتنظيم نفسها ومشاركة جميع المكونات، وبدأت في نسج مؤسساتها بطريقة يمكن أن تستجيب لجميع احتياجات المجتمع من الحكم الذاتي وتلبية احتياجاتهم والدفاع عن النفس والعنف الأسري ومشاكل الطاقة مثل الكهرباء والماء بعيداً عن نظام البعث.
وبعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام البعث التي بدأت في مدن مثل درعا والسويداء في عام 2011، انخرط حي الشيخ مقصود في العملية وكثفت من تحركاتها ضد ممارسات النظام السوري.
في 10 آذار/مارس 2012، هاجمت القوات التابعة لنظام البعث المدنيين في الحي بالرصاص الحي، وخلال هذه الهجمات قتلت كولّي سلمو، وشكلت النساء كتيبة باسمها وسلحن أنفسهن.
كولي سلمو شكلت شرارة الثورة النسائية
فتح استهداف كولي سلمو صفحة مختلفة تماماً في تاريخ مقاومة حي الشيخ مقصود، وكان رد فعل الناس والنساء على ذلك تشكيل كتيبة الشهيدة كولي سلمو وطرد نظام البعث من الحي، ومنذ ذلك الوقت بدأ الحي بحماية نفسه تحت مسمى "الدفاع عن النفس" وفي 26 تموز/يوليو 2012 أعلن مجلس الشعب عن تأسيسه في نطاق الخدمات الشعبية.
في الأشهر التالية، تعرض حي الشيخ مقصود بشكل متكرر لهجمات مختلفة منها هجمات نظام البعث، حيث تم قتل 21 شخصاً، من بينهم نساء وأطفال في شهر أيلول/سبتمبر وحده، وفي تشرين الأول/أكتوبر، تم قتل 8 مواطنين.
بعد فشل الهجمات على حي الشيخ مقصود، وجّه نظام البعث ومرتزقة الاحتلال التركي هجماتهم إلى حي الأشرفية بعد فشل الهجمات على الحي، في حين ظهرت مقاومة وحدات حماية الشعب التي أعلنت تنظيمها بمشاركة مكثفة من سكان الحي في الفترة نفسها، وفقد 7 مقاتلين من وحدات حماية الشعب أرواحهم، وقام المواطنون بتنظيم وحدات حماية الشعب وساروا على خطى المقاتلين السبعة الذين لقوا حتفهم.
المنازل تحولت إلى مواقع عسكرية
خلال هجمات مرتزقة "خالد الحياني" التي بدأت في نيسان/أبريل 2013، قام سكان الحي بتحويل منازلهم إلى مواقع عسكرية، وقد وصفوا هذه العملية بأنها "مقاومة شارع بشارع وبيت ببيت"، وأصبح حي الشيخ مقصود في حلب، الذي كان هدفاً لهجمات المرتزقة المكثفة، مأوى لعشرات الآلاف من العوائل.
وفي 28 أيار/مايو 2015 تم إنشاء "غرفة العمليات" وذلك بالتعاون بين مرتزقة شبه عسكرية تابعة للدولة التركية وهي الجبهة الكردية والجبهة الشامية وكتائب أحرار الشام وكتائب أبو عمار، وكتيبة أحفاد السلاطين بالإضافة لفيلق الشام وجيش الإسلام والقوة الأولى وكتائب الصفوة وكتائب نور الدين الزنكي وكتيبة سوار الشام ومرتزقة جبهة النصرة، وجميعها شنت هجوماً على حي الشيخ مقصود بقيادة جبهة النصرة.
أهالي الحي يدافعون عن معقل المقاومة
لقد دافع أهالي حيّ الشيخ مقصود الذين تكاتفوا تحت قيادة وحدات حماية الشعب ثم وحدات حماية المرأة ضد شراكة مرتزقة الاحتلال التركي، عن معقل المقاومة ودفعوا ثمناً باهظاً، وقد حوصر الحي، الذي قُتل فيه عشرات المدنيين، لسنوات عديدة، وفُرض عليه حصار قاسي، وأصبحت المباني التي يقطنها المواطنون غير صالحة للسكن.
واليوم، تقوم النساء في حيي الشيخ مقصود والأشرفية بتنسيق شؤون مجتمعاتهن تحت سقف التجمعات التي شكلنها بشكل مشترك، وفي مؤتمر ستار تجتمع النساء الديناميكيات في المدينة تحت سقف منظم مشترك لمناقشة مشاكلهن وإيجاد حلول لها.
نرجس بكير: حلب قلب سوريا النابض
في معرض تقييمها للأزمة في سوريا، قالت عضوة تنسيقية مؤتمر ستار بحلب نرجس بكير، إنه "يجب اعتبار مدينة حلب قلب سوريا، كون جميع المعتقدات والأقليات التي تعيش في سوريا تنعكس في حلب"، لافتةً إلى أنه يجب الانتباه بشكل خاص إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود.
وحول مقاومة المرأة وتنظيمها على أعلى مستوى في هذه الأحياء، قالت "الكرديات هن من تقدن نضال وتحرير المرأة هنا، لقد أثبتت العملية الثورية التي بدأت بإقليم شمال وشرق سوريا وما تلاها، كما أن المرأة الكردية والعربية والأرمنية والآشورية والأيزيدية والعلوية تأخذ مكانها في التنظيم النسائي".
وأضافت "هناك ممارسة راسخة في العيش المشترك، وتجربة ثورية مشتركة، ولا يوجد اختلاف بين هذه المكونات، وهذا النموذج الحياتي المتساوي كان سارياً منذ بداية الثورة وحتى اليوم".
وأكدت أن نظام البعث ومرتزقة الاحتلال التركي لم يستطيعوا تحمل رؤية التعايش المنظم والمنسجم بين مختلف المكونات، "بالطبع، كانت هناك محاولات لخلق الفتنة بين مختلف القوميات والمعتقدات، لقد تمت محاولة تفكيك هذه الوحدة والروابط التي أوجدتها المقاومة، لقد تم استخدام نظام الإدارة الذاتية بعد تشكيله بجهود مشتركة بين الشعوب".
وأضافت أنه "في مواجهة كل الهجمات، كانت النساء دائماً في حالة تأهب، وكانت هناك مقاومة بدأت بالإجابة على أسئلة أساسية مثل كيف يمكن تمكين المرأة، وكيف يمكن للمرأة أن تنظم، وكيف يمكن أن تأخذ زمام الأمور في الشارع أو الحي الذي تعيش فيه".
"لقد حاولنا احتضان جميع النساء في الحي"
في إشارة إلى آثار عملية الفوضى في سوريا، قالت نرجس بكير "في الماضي، ربما كانت هناك فوضى حولنا، أما الآن فقد انتشرت في جميع أنحاء سوريا، النساء هن الأكثر تضرراً من الأزمة التي نمر بها، لقد هُجرت النساء وتشردن من منازلهن ونزحهن، لقد عانين من الاضطهاد والانتهاكات، نحن كنساء، وخاصةً نساء منظّمات في حلب، احتضنا النساء في مدينتنا وأحيائنا، إن حبنا لبعضنا البعض وإرادتنا هي التي تجعلنا نقف هنا".
ولفتت إلى أنه "تُقتل النساء والأطفال في سوريا اليوم، ومن واجبنا توسيع نطاق المقاومة ضد هذه الحرب بكل معنى الكلمة"، مضيفةً أنهم لن يسمحوا بتدمير المكتسبات التي حققوها، "لدينا حقوق انتزعناها وحصلنا عليها من خلال المقاومة، إن من أعظم واجباتنا أن نزيدها ونواصل ثورتنا. نسير على خطى شهدائنا الذين ضحوا باروحهم من أجل الثورة، ومن كل حلب نستطيع أن نحرر حلب، لأننا نفكر بشكل كبير ونريد أن ننمي ثورتنا إلى ما لا نهاية".
"لا نقبل بالممارسات التي تفرض العبودية"
كما قالت نرجس بكير إنهم يحاولون كسر الوضع المفروض على المرأة، مذكّرة بأن الثورة في روج آفا منذ أكثر من عشر سنوات تقودها النساء "على الرغم من عظمة المقاومة، إلا أننا بحاجة إلى القضاء على العقلية الموجودة في سوريا كتلك التي تفرض على المرأة البقاء في المنزل وتغطية رأسها وإنجاب الأطفال وخدمة الرجال والأطفال".
وأضافت "لقد حاولنا في حيّنا كسر هذه العقلية، وبالفعل تمكنا من تحقيق ذلك، وشاركت المرأة على قدم المساواة في جميع المؤسسات المعنية بإدارة المجتمع، ومع ذلك، نحن لا نقبل بالممارسات التي تفرض العبودية على المرأة".
وعن بناء سوريا الحرة ودور ثورة روج آفا في ذلك قالت "لقد استشهدت آلاف النساء من أجل هذه الثورة، لا يمكن لأحد أن يمنع النضال من أجل الحرية ومقاومة المرأة، وكنساء سنحمي حريتنا وحقوقنا وسنواصل وجودنا كحركة من أجل الحرية".