من كردستان إلى أوكرانيا... أزمات الشرعية وإعادة تشكيل المشهد الدولي
تصاعد التوترات في الشرق الأوسط والعالم، تتسبب في تداخل الأزمات من شمال كردستان وسوريا إلى العراق، وتأثر على أوضاع النساء، وتسبب ضعف الأحزاب القانونية، وتنامي التدخلات الدينية والجهادية، ومحاولات إعادة تشكيل المنطقة.
روجبين بلين
سلط القائد عبد الله أوجلان خلال لقاء الوفد البرلماني، الضوء على قضايا تتعلق بكيفية تطوير الاستراتيجيات والتكتيكات عبر اللغة، موضحاً أن الخطاب والمفردات تتبدل في مراحل المفاوضات المختلفة، مشيراً إلى أن الأطراف التي حاولت عرقلة تنفيذ دعوة "السلام والمجتمع الديمقراطي" في الفترات السابقة باتت واضحة.
في تركيا، أظهرت بعض القوى والأحزاب مواقفها علناً لتجنب الانخراط في المسار، بينما اكتفت بإبراز معارضتها في المقابل، هناك قوى أخرى لا تُظهر اعتراضاً مباشراً، لكنها أيضاً لا تقدم الخطوات اللازمة في الأوقات الحاسمة، على حد تعبير القائد أوجلان.
في شمال كردستان، يغيب الفهم الصحيح للسياسة اليومية، مما يعكس ارتباكاً على المشهد السياسي العام، فالنهج السياسي المرتفع لا يُترجم إلى نتائج عملية ملموسة، وهو ما يستدعي من جميع الأطراف المجتمعية صياغة سياسات خاصة بها، فالمنطقة تواجه تحديات محلية متباينة، تجعل من إبراز السياسات أمراً ضرورياً، وبشكل خاص، في مواجهة التيارات الدينية والليبرالية، كان من الضروري إطلاق مبادرات وجهود خاصة، كما أن مواجهة الصراعات تتطلب تنظيماً فعالاً للقوى المجتمعية، بما يضمن حضوراً متماسكاً واستجابة مناسبة للتحديات.
شمال كردستان بين تصاعد التدخل الديني وتراجع الدور الديمقراطي
في شمال كردستان، يشهد المشهد السياسي والاجتماعي تدخلاً دينياً متزايداً من خلال حزب "هدى بار"، حيث تُنظم في مدن مثل جوليك، آمد، وإيله مراسم للفتيات الحافظات للقرآن، تُقدَّم فيها الطفلات بطقوس مرتبطة بالحجاب. وقد تكاثرت هذه الاحتفالات مؤخراً بشكل لافت، إذ شهدت مدينة آمد وحدها مشاركة نحو 200 طفلة، في مشهد يعكس استغلال المجتمع باسم الدين ويثير مخاوف متزايدة بشأن المستقبل.
هذا الواقع يزداد خطورة مع تراجع دور الأحزاب القانونية التي تكتفي بالعمل في القاعات المغلقة، فيما تتفاقم ظواهر الانتحار وقتل العائلات بأكملها، وجعل حزب العدالة والتنمية بعد أن أعلن هذا العام "عام الأسرة"، محوراً لسياساته، مستغلاً تراجع النمو السكاني في تركيا لفرض المزيد من الضغوط على النساء، عبر تشديد السيطرة على أجسادهن، وتقليص سنوات التعليم، وتشجيع الزواج المبكر، وغيرها من السياسات ذات الطابع الديموغرافي.
أمام هذه التحديات، يصبح من الضروري بناء علاقة ديمقراطية حقيقية مع المجتمع، لكن الأحزاب القانونية ما زالت تطرح سياسات عليا لا تجد صدى لدى الناس. والمجتمع ينزلق نحو أنماط صراع خاصة، فيما تتراجع أدوات المواجهة. ومع ارتفاع معدلات الانتحار، القتل، العنف، انتشار المخدرات، وتوظيف الدين، تبدو السياسات الوقائية ضعيفة، وهو ما يستدعي تطوير استراتيجيات شاملة ودقيقة في آن واحد.
وإذا لم تُحقق المفاوضات نتائج ملموسة، فإن المقاومة ستستمر يوماً بعد يوم، فالمفاوضون يدركون أن رفع مستوى النضال هو الهدف، لكن أسلوب العمل الحالي يواجه عقبات أمام الديناميات التي أسسها القائد أوجلان.
شمال وشرق سوريا بين هيمنة الجهاديين وصراعات الشرعية وإعادة تشكيل المنطقة
في إقليم شمال وشرق سوريا تتوفر بعض المزايا والفرص، لكن لا يمكن تجاهل المخاطر القائمة. هذا العام مثّل مرحلة هيمنة جهاديي هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا، وهو ما يفرض ضرورة مناقشة جدية حول انعكاسات ذلك على النساء والشعوب هناك.
إسرائيل، عبر الاتفاقيات الإبراهيمية، تواصل الدفع برؤيتها لإعادة تشكيل المنطقة بشكل علني، مستخدمة اللغة كأداة رئيسية، وماضية بخطوات متسارعة في هذا الاتجاه.
أما أحمد الشرع "الجولاني"، فقد اتضحت نواياه من خلال مواقفه الأخيرة؛ إذ يسعى إلى اكتساب شرعية عبر إعادة هيكلة التنظيمات وتصفيتها. لكنه يواجه مشكلات تتعلق بالشرعية والاقتصاد، ما يجعله عاجزاً عن فرض نفسه بسهولة. لذلك يحاول التخلص من الجهاديين الراديكاليين وبناء علاقات مرتبطة بالاتفاقيات الإبراهيمية. ومن المعروف أن هاكان فيدان شارك أيضاً في هذه المباحثات التي جرت في الولايات المتحدة، حيث نُظر إلى دوره من زاوية قدرته على التخريب، لكن تمت معالجته ضمن هذا السياق.
في العاشر من آذار/مارس تم توقيع اتفاق، أعقبته مجازر في السويداء ضد الدروز. واليوم يواجه الوضع هناك خطورة بالغة، أشبه بحصان طروادة، حيث لا يُعرف متى وأين قد ينفجر هذا المشهد.
وفي إطار النقاش حول دمج قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، طرح أحمد الشرع "الجولاني" في مجلس الشعب رؤيته، كما جرى حوار مع الأطراف الكردية، حيث قُبلت بعض الطروحات لكن المباحثات توقفت في المرحلة الراهنة. ومع اتفاق 10 آذار، أُثيرت قضية دمج قسد.
في إقليم كردستان، تم تكليف شخصية مثل "س. ن" بمهمة خاصة لمواجهة مشروع الأمة الديمقراطية، إذ ينشط بشكل دائم ضد هذا المشروع عبر المنصات الرقمية، ويشن حملات تشويه، مستهدفاً المثقفين والأكاديميين. بينما نحن لا نولي المجال الأكاديمي الاهتمام الكافي، يستغل خصومنا هذا الجانب بفعالية كبيرة.
بهذا الأسلوب يسعى أحمد الشرع "الجولاني" إلى إضفاء الشرعية على خطه القومي في إقليم شمال وشرق سوريا وجذب الجميع إليه. ففي قامشلو، افتتح مركز نسائي من قبل بعض المنشقات عن الحركة، يعمل على دفع خط معاكس لانتفاضة Jin Jiyan Azadî""، ومن خلال هذا النهج، يسعى هؤلاء إلى الحصول على موقع داخل مجلس المرأة السوري، وأن يصبحوا جزءاً من المباحثات مع دمشق، إضافة إلى التخطيط لافتتاح مكتب لهم هناك.
العراق بين الجمود السياسي وتحديات المجتمع
شهد العراق مؤخراً انتخابات برز فيها النفوذ الشيعي بشكل قوي، كما حقق السنّة حضوراً ملحوظاً، غير أن ما أعقب الانتخابات كان حالة من الجمود السياسي بين القوى المختلفة، فيما يلتزم مقتدى الصدر الصمت، وكما في كل دورة انتخابية، لعبت القوى الخارجية دوراً مؤثراً، وتكرر التلاعب بالأصوات عبر المال.
والكرد ظهروا في هذه الانتخابات بلا سياسة موحدة، إذ بدوا مجزئين وضعفاء في المشهد العام، وفي المناطق المتنازع عليها مثل كركوك، أعادت القوى الإقليمية ترتيب مواقعها، حيث تُمارس سياسة معقدة، وتعمل أطراف مثل إيران وتركيا وبعض الدول العربية على تنفيذ مشاريع خاصة هناك، خلال السنوات الأخيرة، كان حضور الكرد في هذه المنطقة ضعيفاً، رغم إمكانية إطلاق مبادرات وحوارات خاصة، خصوصاً من جانب النساء.
وفي الآونة الأخيرة، وقع هجوم على منطقة كورمور الغنية بالغاز الطبيعي، والتي تُعد مركزاً رئيسياً لإنتاج الطاقة في العراق الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز المستخرج من هذه المنطقة، وبعد الهجوم طالبت الولايات المتحدة الأمريكية بحماية المنشآت. وقد طُرحت تحليلات عديدة حول خلفيات الهجوم، وانتهى الأمر إلى ترجيح أن أطرافاً إقليمية مجاورة كانت وراءه.
وفي العراق يدور نقاش واسع حول منصب رئاسة الجمهورية، حيث يخوض الاتحاد الوطني الكردستاني بعض المداولات الداخلية. وحتى الآن لم تُشكَّل الحكومة، وما زالت الخلافات الحزبية والصراعات على المناصب والمصالح مستمرة. القوى في إقليم كردستان تستغل هذه الفرص، فيما تشهد العشائر توترات وصراعات على الحقوق والسلطة، وتبرز خلف الأحداث الأخيرة مصالح متعددة.
الإقليم يبتعد تدريجياً عن المشهد السياسي والوطني، بينما تتفاقم البطالة والفقر. وضع النساء هناك يزداد سوءاً وخطورة، حيث أن المنظمات المدنية أصابت المجتمع بالشلل، إذ بقيت كيانات شكلية لا تتغلغل في المجتمع، فيما الحركات النسائية لا تملك تأثيراً يُذكر. اتحاد نساء كردستان كان حاضراً، لكنه بعد مؤتمره الأخير لم يُظهر أداءً قوياً، بل تراجع بسبب تقليص الميزانيات وضعف الدعم.
أما الأحزاب في الإقليم لا ترغب في تقدم الحركات النسائية، ولذلك تعرقل كل الفرص وتضعها تحت السيطرة، بينما تكتفي بعض الأحزاب بسياسة شكلية وتنظيم لقاءات قومية في المهجر دون تبني دعم ديمقراطي حقيقي، بل تسعى لانتزاع دور من القوى الأخرى.
كما أنه في العراق، دخل قانون الأحوال الشخصية حيّز التنفيذ، وكان ذلك حدثاً مهماً. النساء في الإقليم بدأن بطرح نقاشات جادة، وهو أمر بالغ الأهمية، مثل النقاشات حول أسباب عدم نجاح النساء في الإقليم. كما تم تأسيس حزب نسائي جديد، ورغم أن تفاصيل برنامجه غير واضحة بعد، إلا أن مجرد وجوده يُعد خطوة إيجابية يمكن البناء عليها.
تصاعد التوترات والعالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة
شهد العالم هذا العام أحداثاً بارزة تركت أثراً عميقاً على المشهد الدولي. في سياق ما يُوصف بالحرب العالمية الثالثة، تتزايد التوترات وتزداد تعقيداً، من الولايات المتحدة وصولاً إلى آسيا، حيث تتصاعد الخلافات بشكل يومي. الإدارة الأمريكية صنفت الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على قائمة الإرهاب، ومع وصول ترامب إلى السلطة قدّم نفسه كرسول للسلام، لكن الحرب الروسية ـ الأوكرانية ازدادت تعقيداً بدلاً من أن تُحل، إذ تحولت إلى حرب الطائرات المسيّرة التي ألحقت أكبر الأضرار بالمدنيين.
التطورات أدت إلى ارتفاع أعداد المعتقلين والضحايا، فيما يصر الطرفان على مواصلة القتال. في روسيا، يشبه الوضع الحالي مرحلة حكم بريجنيف، حيث كان الشعب الروسي وشعوب الاتحاد السوفيتي السابق يعيشون في حالة من الاستقرار الاقتصادي والأمني.
أما في قضية أذربيجان ـ أرمينيا، فقد أُبرم اتفاق هدنة أرسى سياسة أكثر ليونة، ومع بعض الخطوات البسيطة جرى تجميد النزاع مؤقتاً. وفي القوقاز، هناك جبهات قائمة في مواجهة الضغوط السلفية، بينما الأحداث في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق لا تحظى بتغطية كافية.
في المقابل، يزداد وضع النساء في أفغانستان وجورجيا سوءاً وخطورة، ولا حلول تُطرح بسبب اقتصار النشاط على منظمات نسائية نخبوية في روسيا، أما الدول الأوروبية، فهي تستعد وفق سيناريو الحرب العالمية الثالثة؛ ألمانيا أعادت فرض الخدمة العسكرية الإلزامية، وفرنسا أعلنت لشعبها أنها ستكون جاهزة للحرب بحلول عام 2030. وبذلك، تتهيأ أوروبا لمواجهة محتملة، فيما تعمل الإدارة الأمريكية على دفع أوروبا وروسيا نحو الانخراط في صراع مباشر، وتزداد المؤشرات على ذلك وضوحاً يوماً بعد يوم.
يستمر الصراع في الشرق الأوسط، ومع مرور الوقت يبدو أنه يتجه نحو شكل أقرب إلى حرب عالمية ثالثة، قد تتجلى خطوطها في لبنان، العراق، إيران وتركيا خلال العام الجديد، حيث تزداد مؤشرات التوتر وضوحاً. من المتوقع أن تعود أنشطة حركة حماس وحزب الله إلى الواجهة مجدداً.
ففي العراق، جرت الانتخابات لكن الخلافات السياسية ازدادت حدة، ما يجعل البلاد أمام إعادة رسم نظام سياسي جديد دون استقرار واضح. أما إيران تستعد لاحتمال مواجهة جديدة، بينما في إسرائيل والولايات المتحدة صدرت تصريحات مباشرة تتعلق بالحرب.
والمبعوث الأمريكي إلى العراق وسوريا وتركيا، توم باراك، أدلى بتصريحات حول أزمة قبرص، لتصبح هذه القضية محوراً للنقاش. أما التصريحات الإسرائيلية بشأن تركيا فقد بدت أكثر وضوحًا مقارنة بالماضي.
وفي سلطنة عمان، عُقد اجتماع دولي بمشاركة ممثلين عن 17 دولة من الشرق الأوسط، خُصص لمناقشة السياسات الجديدة وإعادة تشكيل المنطقة، في إشارة إلى أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة إعادة تصميم سياسي وأمني شاملة.