النساء يحمين البيئة من خلال البلديات الديمقراطية
في مقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، تضطلع النساء بدور فعال في العمل البلدي، حيث يسهمن في حماية البيئة والحياة عبر نموذج إداري ديمقراطي، وتعد قراراتهن محورية في تعزيز نظافة المدن وترسيخ أسس الحياة البيئية المستدامة.

رونيدا حاجي
الحسكة ـ في إقليم شمال وشرق سوريا حيث واجهت النساء الحرب والأزمات على مدار أربعة عشر عاماً، لا يقتصر دورهن على إعادة بناء الحياة، بل يمتد ليشمل حماية البيئة، ففي مقاطعة الجزيرة تتبنى البلديات نموذجاً ديمقراطياً بيئياً يحرر المرأة، مستنداً إلى فكر القائد عبد الله أوجلان.
بهذا المنطق لا تعد البلديات مؤسسات حكومية مركزية، بل فضاءات مستقلة تنبض بإرادة الشعب، والنساء، والمجتمعات، ومن خلال هذا النموذج تعيد النساء تشكيل البلديات كمراكز لحماية البيئة والحياة، مجسدات بذلك روح المقاومة والعدالة البيئية والاجتماعية.
ويشدد القائد أوجلان في تعريفه للحرية الديمقراطية على ضرورة تنظيم البلديات عبر الكومينات والمجالس، وقد تم تطبيق هذا النموذج في بلديات إقليم شمال وشرق سوريا بقيادة النساء، من خلال تمثيل متساوٍ لهن في عملية اتخاذ القرار، ولا تقدم البلديات خدمات تقنية فقط، بل تضع أيضاً السياسات التي تعزز البيئة والمجتمع وحرية المرأة.
وأكدت بيريفان عمر، نائبة الرئاسة المشتركة لاتحاد بلديات مقاطعة الجزيرة في إقليم شمال وشرق سوريا، على أهمية حماية البيئة، مشيرة إلى الدور المحوري الذي ينبغي أن يضطلع به القادة المحليون لضمان بيئة صحية ومستدامة للجميع.
ولفتت الانتباه إلى الصلة العميقة والتاريخية بين النساء والطبيعة، معتبرة أن النساء هن المدافعات الأبرز عن البيئة، وفي ظل السياسات الرأسمالية التي تواصل تدمير المدن والطبيعة، تتولى النساء قيادة مشاريع بلدية تهدف إلى بناء مدن متناغمة، نظيفة، ومستدامة.
المرأة والبيئة... قيادة محلية نحو تنمية مستدامة
وأكدت بيريفان عمر أن النظام الرأسمالي أفسد حياة الإنسان، مشيرةً إلى أن النساء يسعين إلى بناء توازن جديد بين الإنسان والطبيعة في مواجهة هذا النظام "منذ القدم ارتبطت السلطة بالسيطرة على الطبيعة والنساء، مع ذلك لا يمكن فصل المرأة عن الطبيعة، هناك علاقة عميقة بينهما ونرى النساء في المجال السياسي كأبرز المدافعات عن البيئة".
وأضافت أنهن كقيادات محلية يعملن على تحقيق انسجام بين الحياة المدنية، والتوسع العمراني والطبيعة، في ظل ما خلفته الحياة الرأسمالية والمدن الكبرى من أزمات متعددة "هذا التوجه ينعكس في جهود البلديات خاصة مكتب المرأة الذي يسعى باستمرار إلى تعزيز المساحات الخضراء، وزيادة أعمال النظافة والاهتمام بالبيئة بشكل عام".
"النساء أكثر ارتباطاً بالطبيعة وأكثر حرصاً على حمايتها"
وأشارت بيريفان عمر إلى أن "نظام الرئاسة المشتركة وتمثيل النساء في المجالس البلدية قد منح المرأة دوراً فاعلاً في اتخاذ القرار، وأن هذا التغيير ساهم في تعزيز مشاركة النساء في قضايا البيئة والزراعة والنظافة منذ عام 2012، خاصة بعد تأسيس الإدارة الذاتية".
وأوضحت أن "النساء قدّمن دعماً كبيراً في تطوير هذه المجالات، ولا تزال جهودهن مستمرة حتى اليوم، وأن هذا النظام مكّن النساء من التأثير المباشر داخل المجالس البلدية، حيث أصبح حضورهن في النقاشات مؤثراً، لا سيما عندما يشكلن الأغلبية، مما يجعل آرائهن محط اهتمام وتفاعل من جميع الأطراف".
وأكدت على أهمية الدور الذي تلعبه النساء في صنع القرار، مبينة أن قراراتهن غالباً ما تكون ذات تأثير إيجابي ومردود فعّال، خاصة عندما تُحلل من منظور يراعي مستقبل المرأة والطفل، مما يجعلها أكثر شمولاً واستدامة".
وأضافت أن "هذا النهج يختلف عن القرارات التي يتخذها الرجال، والتي غالباً ما تركز على الجوانب التقنية للبناء والتخطيط العمراني فقط"، مشيرةً إلى أن "نظام الرئاسة المشتركة يضمن استمرار هذا التوازن، بفضل مشاركة النساء بنسبة تفوق 50% في أعمال البلديات، مما يعزز حضورهن ويضمن حماية مصالح المجتمع بشكل أوسع".
"النساء في البلديات صوت مؤثر في صنع القرار البيئي"
وأكدت بيريفان عمر على أهمية وجود مجلس النساء ومنصة بيئية خاصة بهن ضمن اتحاد البلديات، فهذا الإطار التنظيمي يهدف إلى ضمان أن تنطلق مشاريع النساء من رؤى نسائية تعبّر عن احتياجات المجتمع وتنسجم معها "تم تأسيس مجلس النساء داخل اتحاد البلديات، وتم تنظيم مكاتبه بحيث تركز المشاريع على بناء مدن نظيفة وجميلة، واتخاذ قرارات فعالة لحماية البيئة".
وبينت أن "مشاركة النساء في هذه المنصات غالباً ما تنبع من إيمانهن العميق بأهمية حماية البيئة، وبضرورة التعايش بين جميع الكائنات الحية، مما يعزز من فرص الحفاظ على الطبيعة بشكل مستدام".
وأشارت بيريفان عمر إلى أن البلديات تلعب دوراً محورياً في خدمة المجتمع "تأسيسها كان من أولى الخطوات في بناء نظام الإدارة الذاتية، الذي يُعد حجر الأساس في هيكلية الحكم المحلي".
ولفتت إلى أن القانون الصادر عام 2024، وتحديداً في البند الرابع، يمنح صلاحيات موسعة للمسؤولين المحليين، مما يعزز قدرتهم على تقديم خدمات أفضل للمجتمع "هذا التوسع في المهام يتطلب من البلديات عند اقتراح أي مشروع، تنظيم لقاءات تشاركية تضم كافة الجهات المعنية من بلديات، ومجالس ولجان ومنظمات لضمان تنفيذ المشروع بما يتوافق مع احتياجات المجتمع"، مؤكدةً أن "دور القيادات المحلية قد تطور بشكل ملحوظ، وأصبحت الخدمات المجتمعية أكثر فاعلية وتنظيماً، بفضل هذا النموذج التشاركي في اتخاذ القرار".
"حماية البيئة مسؤولية جماعية وضرورة"
وبيّنت بيريفان عمر أن الثقة بالقيادات المحلية تُعد أساساً لنجاح العمل البلدي، مشددةً على أهمية إشراك المجتمع في مختلف أنشطة البلديات "لا يمكننا تحقيق نتائج فعالة ما لم نحصل على دعم ومشاركة السكان في تنفيذ المشاريع، فبدون هذا التفاعل لن نستطيع تلبية احتياجات المدينة أو العمل وفق متطلباتها".
وأضافت أن بناء الثقة بين المواطنين والمسؤولين المحليين أمر ضروري، لأن الشعب هو من يقود البلدية، والعاملون فيها ينفذون القرارات التي تصدر عن المجتمع نفسه.
وفي ختام حديثها، شددت بيريفان عمر على أن حماية البيئة ليست مجرد خيار بل ضرورة أساسية لضمان صحة الإنسان وتطوير الحياة المدنية، مؤكدةً أن الحفاظ على البيئة يجب أن يكون في صميم أي مشروع تنموي أو حضري.