عندما يصبح جسد الأنثى ساحة معركة سياسية وثقافية وديموغرافية

إن انتقاد الزواج كأداة للهيمنة ليس مسألة ثقافية بحتة، بل هو جزء من نضال أوسع ضد الاستعمار الداخلي، والتمييز الوطني، وهياكل عدم المساواة بين الجنسين، ويتطلب تغيير هذا الوضع إعادة تعريف جذرية للعلاقة بين الجسد والأسرة والسلطة والأمة.

شيلان سقزي

الزواج كما يُعاد إنتاجه في المناطق الهامشية والقبلية، ليس مجرد رابط عاطفي أو ثقافي، بل أداة لاستمرار الهيمنة والتملك والسيطرة على أجساد النساء ومصائرهن، في مثل هذه الهياكل لا تُعتبر النساء ناشطات بل مجرد أجزاء في هندسة السكان، وحفظ الشرف، وإخفاء الاختلاف الثقافي، إن تقديس هذه الأنماط يجعل النقد الاجتماعي مستحيلاً ويُخفي العنف خلف ستار العادات والتقاليد، يسعى هذا التقرير إلى تحليل نقدي للهياكل الخفية للهيمنة على النساء في مجال الزيجات داخل الأسرة، والثقافية، والاقتصادية، ويُظهر كيف أصبحت هذه الروابط أدوات للسيطرة الاجتماعية والوراثية والسياسية في شكل التقاليد.

 

الاستعمار الداخلي

في الأدبيات السياسية النقدية لا يُمكن اعتبار مؤسسة الزواج مجرد رابطة عائلية عاطفية أو عقدية، بل يجب إعادة تفسيرها في سياق هياكل السلطة والملكية والسيطرة، للزواج وخاصةً في مجتمعات مثل إيران التي تحمل في طياتها نظاماً أبوياً ودينياً ومركزياً وظيفة تتجاوز الصيغة الدينية أو الطقوس التقليدية، هنا يُصبح الزواج أداةً لامتلاك جسد المرأة ووقتها ومكانها بل وحتى اتخاذ القرارات، وبهذا المعنى تُشبه وظيفة الزواج استعمار الأرض أي أن المرأة تُعرّف بأنها أرضٌ يجب أن "يمتلكها" الرجل ودخولها في عائلة الرجل يعني نقل السيادة، مثل ضم منطقة إلى أرض سياسية وثقافية أخرى، وكذلك تغيير اسم العائلة ونقل حقوق الإقامة أو العمل وحتى تدهور الوضع اللغوي كلها جزء من هذا الاستعمار الأسري.

في المناطق الهامشية أو التي تقطنها الأقليات يزداد هذا الاستعمار الأسري حدةً وتعقيداً، وخاصةً في الروابط العرقية أو الطبقية، يصبح الزواج مشروعاً للاندماج الثقافي والحرمان الاقتصادي وإلغاء الهوية اللغوية والسياسية للمرأة، فالفتاة من منطقة مهمشة التي تهاجر إلى عائلة مركزية أو دينية في مدينة مركزية لا تصبح مجرد زوجة فحسب، بل تُعزل أيضاً عن عالمها المعيشي ولغتها وقرابتها وتصبح "جزيرة صامتة" في البنية الجديدة.

غالباً ما يُبرَّر هذا الاستعمار بنكهة العادات والقانون والأخلاق، تتولى مؤسسة الأسرة بوجهها المُقدَّس ظاهرياً، مهمة إعادة إنتاج الخضوع، دون الحاجة إلى أدوات الدولة الرسمية، في الواقع تنتقل السلطة من الدولة إلى المنزل ومن المنزل إلى جسد المرأة لإسكات أي مقاومة، الزواج بهذا المعنى ليس مجرد خيار فردي، بل هو جزء من نظام استعماري داخلي يجعل جسد المرأة في آنٍ واحد موضوعاً للخضوع وإعادة إنتاج للسلطة وحافظًا للتسلسل الاجتماعي والسياسي.

 

الهندسة السكانية

في العديد من المناطق القومية والإثنية والقبلية في إيران، لا يُعد الزواج خياراً حراً بل أداة للتحكم في الجغرافيا الديموغرافية والتجانس الثقافي والقضاء التدريجي على الهويات العرقية، تُعتبر الاتحادات العرقية القسرية أو الموجهة خاصةً بين الأقليات والأغلبيات السياسية والثقافية جزءاً من المشاريع غير المكتوبة للهندسة السكانية الناعمة، في هذا الإطار تُحوّل الدولة ليس بالسلاح بل بالتشجيع الثقافي والضغط الاقتصادي والدعاية الإعلامية والسياسات الإقليمية غير المتكافئة بنية الزواج إلى ساحة للتكامل القسري وتفكك الهوية، وبصفتها "ناخبة محتملة للجيل القادم" تصبح النساء حاملات غير راغبات لسياسات التكامل من خلال الزواج بين الأعراق، تُهمّش لغتهن الأم في الجيل التالي وتُقطع روابطهن الاجتماعية ويُصمت عالمهن الأصلي، بالإضافة إلى ذلك يؤدي الزواج بين الأعراق في ظل الضغوط التقليدية أحياناً إلى إعادة إنتاج هياكل أبوية ومعادية للمرأة تجعل من المستحيل على النساء الهروب من دائرة الخضوع، وهكذا سواء في الروابط القسرية بين الجماعات العرقية أو في الخضوع التقليدي داخل المجموعة، يصبح جسد الأنثى ساحة معركة سياسية وثقافية وديموغرافية.

 

الزواج داخل الأسرة

من ناحية أخرى وفي وضعٍ متناقض لا يُعدّ الزواج داخل الأسرة، أو القبيلة، أو المدينة مجرد عادةٍ تقليدية أو خيارٍ ثقافي، بل يُعدّ في الكثير من المناطق وسيلةً لترسيخ السلطة وترسيخ الملكية وإخضاع المرأة وعرقلة الحراك الاجتماعي، وتتجذّر هذه الأنواع من الزيجات في سياقٍ من النظام الأبوي وملكية الأسرة والخوف من الاختلاط الثقافي أو الاجتماعي، إلا أن عواقبها تتجاوز المستوى الفردي وتؤدي إلى أزماتٍ هيكلية.

من منظور اجتماعي وسياسي غالباً ما تؤدي هذه الروابط إلى رتابة ثقافية وإعادة إنتاج قيم منغلقة ومحافظة، إن حجب التجارب الخارجية والانفصال عن عوالم الحياة المختلفة، وإلغاء إمكانية الاختلاف يُخمد خطاب التنوع والمقاومة في بداياته، في مثل هذه الهياكل غالباً ما تكون المرأة مجرد وسيلة "للحفاظ على أصالة الأسرة" أو "لربط سلالتين" وليست شخصاً يتمتع بحق الاختيار.

من ناحية أخرى من منظور طبي وبيولوجي تزيد زواج الأقارب من خطر الإصابة بالأمراض الوراثية والعيوب الخلقية والاضطرابات النفسية الجسدية، ولكن في غياب التربية الجنسية والحقوق الصحية يتم تطبيع هذه الأضرار وبدلاً من تحليلها هيكلياً يتم إلقاء اللوم على الضحايا، لذلك من منظور سياسي واقتصادي غالباً ما يتم تصميم مثل هذه الزيجات للحفاظ على الممتلكات داخل الأسرة، والسيطرة على جسد المرأة ومنع نقل الملكية إلى "الغرباء" وبالتالي يعمل جسد المرأة كأصل عائلي وفي الوقت نفسه كأداة للسيطرة والتقييد الاجتماعي، هذه الزيجات جزء من آلية للسيطرة على السلطة وإدامة الهيمنة الداخلية، حيث يتم اضطهاد النساء ليس فقط من الخارج (الدولة أو المؤسسة الدينية) ولكن أيضاً من داخل الأسرة والثقافة والجينات، هذا العرقلة هي شكل "ناعم" من الاستعمار الداخلي ليس عن طريق القمع المباشر ولكن عن طريق إعادة إنتاج الخضوع باسم التقاليد، والحفاظ على الأصالة والولاء "للجذور".

 أخيراً يمكن الإقرار بأن الزواج داخل الأسرة أو داخل القبيلة أو داخل العرق، عندما يُمارس كوسيلة للحفاظ على "النقاء الثقافي" أو ترسيخ الأنظمة التقليدية، ليس سوى آلية للعنف الهيكلي والاستعمار داخل الإقليم، تُحوّل هذه الأنواع من الروابط جسد الأنثى إلى ساحة معركة تُستبدل فيها مفاهيم مثل "الشرف" و"الأصالة" و"الولاء العرقي" بقمع التميز والحرية والاختيار، في ظل هذا النظام، لا يُعد الزواج ساحة للسيطرة الاجتماعية وعرقلة التغيير الاجتماعي والثقافي فحسب، بل يُعد على مستوى أعمق وسيلة لإعادة إنتاج النظام الأبوي والسيطرة الملكية على جسد الأنثى وتحييد إمكانية المقاومة الجماعية، وفي المناطق العرقية تحديداً تتخذ هذه الآليات أبعاداً سياسية أي أنه باستخدام الزواج لهندسة السكان والتحكم في الجغرافيا الثقافية وعرقلة الروابط بين الأعراق، تُساعد الدول القمعية على ترسيخ حدود الهيمنة والتجانس الثقافي.

ومن هذا المنظور فإن نقد الزواج كأداة للهيمنة ليس مسألة ثقافية بحتة، بل هو جزء من نضال أوسع ضد الاستعمار الداخلي والتمييز الوطني، وهياكل عدم المساواة بين الجنسين، ويتطلب تغيير هذا الوضع إعادة تعريف جذرية للعلاقة بين الجسد والأسرة والسلطة والأمة.