"مطلقة"... كيف يمكن لكلمة واحدة أن تحوّل امرأة إلى موضوع جنسي؟

في الثقافة الذكورية، لا يُنظر إلى الطلاق على أنه تحرر للمرأة، بل هو بداية للطرد، والإهانة، والتحول إلى طُعم، فالمرأة "المطلقة" لم تعد مقدّسة، بل أصبحت هدفاً للامتلاك والانتهاك.

نسيم أحمدي

كرماشان ـ في الثقافة الشعبية والمعتقدات السائدة داخل الذهنية المجتمعية الذكورية، تُستخدم في وصف النساء الكثير من الكلمات المركّبة أو الصفات التي تهدف في جوهرها إلى التقليل من قيمة المرأة وإبراز تفوق الرجل، مثل "الزوجة الثانية"، "الدرجة الثانية"، وغيرها من المصطلحات التي يتم تداولها يومياً لوصف النساء لأغراض معينة، وقد وصلت هذه المفاهيم إلى حد التأثير على مستقبل النساء بشكل مباشر.

في المجتمع الذكوري، تُطلق عبارة "الدرجة الثانية" لوصف المرأة المطلقة، لأن المرأة طالما شاء الرجال تُعتبر بمثابة إلهة تستحق التقديس، وقيمتها تُمنح فقط إذا كانت عذراء أو متزوجة وقد حافظت على زواجها بأي ثمن، وبالتالي، فالمتزوجات أو العذارى يُنظر إليهن كمقدسات، بينما تُعامل المطلقة كما لو أنها إلهة تم طردها من مرتبة التقديس، ويُنظر إليها كشخص أدنى مكانة، فبما أن المطلقة لم تعد عذراء وقد سبق لرجل أن ارتبط بها، ولم يعد هناك رجل "يشرف عليها"، فإن المجتمع يمنح نفسه الحق بوصفها "درجة ثانية" وإطلاق تسميات مهينة عليها.

وغالباً ما تكون عبارة "درجة ثانية" بمثابة الضوء الأخضر لبعض الرجال ليقوموا بإزعاج النساء أو تقديم عروض غير لائقة، وعلى الرغم من اختلاف تجارب النساء المطلقات، إلا أن العامل المشترك في معظم الحالات هو أن الرجال ينظرون إليهن كفرائس محتملة للاستغلال الجنسي.

 

المطلقة فريسة للصيادين الجنسيين

ساحل. ك، مطلقة منذ عامين، قالت "منذ اليوم الأول الذي دخلت فيه محكمة الطلاق، أدركت كم أن وضع المطلقة في هذا المجتمع مخيف؛ فقد حاول موظفو المحكمة أن يتقربوا مني بحجة مساعدتي في تسريع إجراءات الطلاق، إضافة إلى ذلك، بدأ بعض أقارب زوجي السابق بمحاولات التقرب مني باسم الدعم والمواساة، وكلهم كانوا يخططون للدخول في علاقة معي، عندما يُطلق المجتمع مصطلح مطلقة على امرأة ما، يبدأ الرجال برؤيتها على أنها مجرد وسيلة للمتعة المؤقتة، ويحاولون الحصول عليها لفترة قصيرة فقط".

أشارت سيمون دي بوفوار في كتابها "الجنس الآخر" إلى أن "المرأة تصبح تابعة للرجل بالزواج"، مما يعني أن نظرة الرجل إلى المرأة في الزواج هي نظرة السيد إلى التابع، ولهذا السبب، فإن سعي المرأة للطلاق والانفصال يُشبه تمرّد العبد على سيده، أي ثورة من أجل التحرّر من الأسر، ولهذا فإن المجتمع الذكوري ينظر إلى المرأة المطلقة نظرة مهينة، ويسعى إلى طردها أو تحويلها إلى شخصية منبوذة في الفضاء العام؛ لأن طلاق المرأة، الذي غالباً ما يكون تحرراً من عبودية زوج مستبد، يمكن أن يشجّع نساء أخريات على اتخاذ خطوة الانفصال عن أزواج ظالمين، ولهذا السبب، يميل الرجال بشكل غريزي إلى إهانة المطلقات أو معاملتهن بغير إنسانية، لحرمانهن من أي مكانة في المجتمع، إذ أن كثيراً من الأفعال في المجتمعات الذكورية تُعتبر من المحرمات التي لا يجوز المساس بها، ومن بينها طلب المرأة للطلاق، وهو فعل يعتبر انتهاكاً لتعريف المجتمع الذكوري للمرأة، فحسب هذا التعريف، على المرأة أن تكون أماً مضحية وزوجة وفية، وألا تتعدى مهامها المنزلية وطاعة الزوج، والمجتمع، حتى في تعاليمه الدينية، يركّز بشكل رئيسي على زواج المرأة وحمايتها، ولهذا فإن من تطلب الطلاق تُعاني من التوبيخ اللانهائي من جميع الجهات المحيطة بها".

بدورها، قالت فريدة منصوري (اسم مستعار)، عالمة اجتماع من كرماشان، عن مشاكل التي تعانيها المطلقة "في ثقافة يهيمن عليها الذكور، فإن المرأة التي تقرّر الطلاق تدخل في حرب لا نهاية لها، غالباً ما يتم طرد المطلقة من قبل أهلها، فتُجبر على العمل لتكون مستقلة، وإن كانت تبحث عن وظيفة، فإن وصمة "مطلقة" تجعل معظم أصحاب العمل يعرضون عليها الوظيفة مقابل علاقة، وإن كانت تعمل مسبقاً، فعليها أن تتوقع عروضاً مماثلة من الزملاء أو المدراء الذكور بعد الطلاق، لأن المطلقة تُوصَف كالقلعة المنهارة التي يسهل اقتحامها ونهبها، ولهذا يتعامل الرجال مع المطلقة كما لو كانت فريسة وقعَت في الشِّرك".

 

تملّلك المرأة رغبة متأصلة في غريزة الرجال

الرغبة في تملّك المرأة متأصلة في غريزة جميع الرجال، وقد تعزّزت هذه الفكرة عبر سنوات من هيمنة الذكور، لكن هذا التملّك غالباً ما يُغلّف بكلمات مثل "الزواج" أو "الغيرة"، ويُعتبر أمراً مقدّساً لأنه وفقاً للمجتمع الذكوري يترافق مع حماية الرجل للمرأة، فالأخت ما دامت تحت غيرة والدها أو شقيقها تُعتبر "مملوكة" من رجال أسرتها، والفتاة عند الزواج تصبح "مملوكة" لزوجها، وفي الحالتين، فإن خضوع المرأة يُنظر إليه كأمر مقدّس.

لكن المطلقة، من وجهة نظر كثير من الرجال، تستحق نوعاً آخر من التملّك وهو الاستغلال، لأن المجتمع الذكوري يرى أن هذه المرأة أعلنت صراحة أنها غير جديرة بحماية أسرتها أو زوجها، وبالتالي، حسب هذا المنظور، فهي مسؤولة عن أي استغلال تتعرض له، لهذا يُنظر إليها باحتقار، وتُعامل على أنها متاحة لانتهاك خصوصيتها، ومن هنا، يمكن فهم سبب لجوء كثير من النساء بعد الطلاق إلى الانتحار، أو العودة إلى أزواجهن السابقين، أو القبول بزواج جديد دون تفكير أو قناعة.

 

الطلاق كأداة للترهيب والطاعة

كل هذه الضغوط تُستخدم كوسيلة خفية من قبل النظام الذكوري لإرسال رسالة واضحة للنساء مفادها "إذا خرجتِ من سلطة الرجل، فمصيركِ سيكون مظلماً"، الأفضل، بحسب هذا المنطلق، أن تبقى المرأة مع زوجها، حتى إن كان مدمناً، لأن وجود "ظل رجل" فوق رأسها يُعتبر حماية من انتهاكات الآخرين، رغم أن نفس الرجال هم من يصنعون هذا الظل القاتم ويبررونه.