مشاركات في ملتقى المبدعات العربيات تؤكدن على ضرورة تحرر أدب المرأة من القيود

تناول ملتقى المبدعات العربيات الذي تستضيفه تونس على مدى ثلاثة أيام من 12 أيار/مايو إلى غاية 14 منه، كسر مجموعة من التابوهات التي تقيد النساء وتجعل منهن خاضعات للتقاليد والأعراف البالية.

زهور المشرقي

تونس- ناقش ملتقى المبدعات العربيات الذي تستضيفه مدينة سوسة الساحلية بتونس، هذا الأسبوع في دورته الرابعة والعشرين "الثالوث المحرم في إبداع المرأة العربية"، بمشاركة مبدعات من مصر وسوريا والمغرب والسعودية والأردن ولبنان وليبيا.

حاول الملتقى تسليط الضوء على القضايا التي تشغل المبدعات العربيات، كما كان فرصة لتبادل الخبرات والتجارب في كافة مجالات الإبداع، خاصة ما أسموه بـ "تحرر إبداع المرأة من الرقابة الأخلاقية والاجتماعية واختراق المسكوت عنه"؛ وذلك في مختلف الميادين الثقافية من أدب وسينما ومسرح وفن تشكيلي.

وكالتنا واكبت الملتقى وتحدّثت مع مجموعة من المبدعات، اللواتي أثنين على أهمية هذه الملتقى كأول ملتقى بعد جائحة كوفيدـ 19.

وقالت رفيقة البحوري وهي جامعية وحقوقية تونسية، إنّ مشاركتها في هذا الملتقى هي بهدف الحديث عن الثالوث المحرم، واختارت أن تتحدّث عنه من خلال سيرتها الذاتية التي عنونتها  بـ "المياه المالحة".

وأضافت أن سيرتها الذاتية تجلت فيها معناتها الكبيرة التي تجاوزت المحرمات الثلاث الدين والجنس والسياسة، مشيرةً إلى أنهّ بحكم كونها ناشطة حقوقية ونقابية كان هناك جانباً كبيراً من النضال المجتمعي والسياسي في هذه السيرة.

وأوضحت "السيرة تعج بمواقفي وعلاقاتي مع الآخر، وبمشاركاتي المتعددة والنشاطات التي تجاوزت فيها "محرم السياسة"؛ على اعتبار أن العقلية الأبوية ترى أن المرأة ليس مكانها السياسة وإنما المطبخ، فانطلاقاً من تجربتي شاركت في النضال ضد الديكتاتورية وشاركت في كل أحداث الثورة".

وأضافت "كنت أشعر بنوع من الفخر والاعتزاز أنني شاركت في أحداث الثورة والتي آلت إلى الانتصار وإثارة الجدل حولها، كان لي مواقف واضحة من الإخوان، وعبرت في سيرتي عن خطورتهم على المجتمع التونسي وعن هامشيتهم، وانتقدت الكثير من الظواهر والسلوك المتخفي بالدين لدى البعض"، مشيرة إلى أن المعاناة تجلت خاصة في الأمور الشخصية في حياتي اليومية، تلك التي فيها الجانب العلائقي، والجانب الجنسي، والعوائق التي تحيط بالمرأة وتمنعها من العيش في الحياة بشكل قائم على الحرية الاجتماعية والحرية النفسية وحرية العلاقات، واحترام إنسانيتها، فلا يجبرها المجتمع على فعل أمور تراها لا تناسبها".

وعن الصعوبات التي صادفتها وهي تكتب سيرتها الذاتية وعلاقتها بالمحرمات قالت "كانت هناك صعوبة لكون أن الكثير من الجوانب التي كنت أسكت عنها وكنت أخفيها كان لابد لي من إيجاد صيغة لترجمتها إلى أفكار، وللتعبير عنها لابد من اختيار الكلمات المناسبة من أجل تبليغ الرسالة حتى لا يفهمها المتلقي فهماً خاطئاً".

وأوضحت "صنعت لنفسي قناع المرأة الناجحة المتمرسة بكل الميادين ولكن حياتي الخاصة الشخصية ظلت في الخفاء وفي هذه السيرة أردت ان أسقط الأقنعة وأتحدث بوجه عار؛ كانت هذه السيرة إضافتي في المداخلة".

وأكّدت أن للمرأة المبدعة والمثقفة دور كبير وهو الإشعاع على من حولها، لابد أن تقدم المعلومة وأن تكون شجاعة، معتبرة أنّ المرأة بصفة عامة تعيش ظروفاً صعبة تحمل موروثاً ضخماً، وهذا الموروث يكبلها ولا تجد العون، قائلةً "العائلة تكبلها، المجتمع يكبلها، الكل يشدها إلى الخلف بحكم العادات والتقاليد البالية".

واختتمت رفيقة البحوري حديثها بالقول "يبقى على المرأة المثقفة والمبدعة أن تفتح باب الأمل والوعي وأن تتقدم وتكتسب حريتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية خاصة".

 

 

من جانبها قالت الكاتبة والحقوقية الليبية وفاء البوعيسي، إنّ مشاركتها تندرج ضمن أخطر التابوهات، وهي ظاهرة لم يتحدّث عنها أحد برغم أهميتها وهي "ظاهرة العرب الأفغان الذين شكلوا لواءً عسكرياً مسلحاً للدفاع عن الإسلام في أي مكان كان وفي أي زمن كان، لافتة إلى أنّ هذه الجماعة التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين بأيديولوجيتهم الكاملة وانفرطت لاحقًا بسبب محاصرة الأنظمة العربية لها وولدت جماعات أخرى امتدت حتى وصلت إلى داعش اليوم بمعنى أن هذه الحركات قابلة للتسلسل ومستمرة في الوجود إلى أن يقضى عليها نهائياً".

وأضافت "وسائل التواصل الاجتماعي قدّمت الكثير من الأفلام الوثائقية والصور العفوية والفيديوهات المصورة في أفغانستان من قبل جماعة العرب الأفغان أو حركة طالبان التي انشقت لاحقاً عن حركة العرب الأفغان، حيث هناك تُعامل المرأة على أنها كائن غير منظور فإذا وجدت في الطريق يجب أن تعود إلى الكهف أو إلى البيت الذي خرجت منه ولا تخرج منه إلى الأبد؛ النساء تضربن بعصي وبسوط من جلد البقر، فإذا شاهدوهن في الطريق لشراء خبز لأطفالهن كانوا ينهرونهن ويرفضون حتى سماع أصواتهن، لأن أصواتهن يعتبرنها عورة؛ النساء غيبن كلياً، جسدياً وشكلياً من الفضاء العام، الآن كما نرى حتى بعد إن خرجت القوات الأمريكية من أفغانستان، شاهدنا حجم النساء الهاربات لكثرة التعتيم وظلم النساء وإخراجهن من المشهد، وهن يعتبرن مجرد خادمات للرجل".

وأوضحت "فيما يخص المرأة المبدعة بما أننا نحن تحت إطار عنوان النساء المبدعات، فما هو دورهن في تحقيق السلام والوعي؟، النساء أولاً مطالبات بالمشاركة بصراحة بعد أن يستوفين شروط معينة وهي يجب على كل امرأة أن تتواصل مع النساء اللاتي أقل درجة منهن في التعليم أو في الوضع الاجتماعي، لأن هؤلاء هن اللواتي يشكلن غالبية في مجتمعاتنا، هن محتاجات إلى الكاتبات للتواصل مع ربات البيوت والأمهات اللاتي لديهن أطفال كثر وغير متعلمات".

 

 

وبدورها قالت الدكتورة لندا عبيد، وهي ناقدة أردنية  جامعية في جامعة اليرموك، أنها تشارك بورقة نقدية، تحت عنوان "التطرف وخلق التابوه في رواية السيرة الذاتية النسوية العربية"، مشيرة إلى أنّ الجميل في مثل هذه الملتقيات أنها تستقطب جمهور متنوع، وهذا الجمهور يسلط الضوء على إبداع المرأة بوصف هذا الإبداع ويتحدث عن قضايا المرأة وعن أيدولوجية الأدب النسوي بالعموم، وهو أدب انفصالي راديكالي يحاول اعتاق المرأة من الهيمنة الذكورية على اتساع المصطلح أو ضيقه، الحقيقة جمالية الإبداع، فالإبداع يتغذى على الحرية ويعنى بتصوير القبح والجمال معاً.

وأضافت ''نحن إذا نصور القبح؛ فنحن نحاول أن نغير هذا الواقع، ومن هنا تأتي الوظيفة الأهم للإبداع بوصفه الأداء المتحضر للتغيير، وهذا يقع على عاتق المبدعات على وجه الخصوص، إذن هذا الإبداع يُسلّط الضوء على قضايا المرأة، على همومها، وتطلعاتها، وعلى طموحاتها، والأمر يتفاوت في مساحة الحرية، على اختلاف المجتمع، وعلى اختلاف طبيعة الكاتبة، فدرجة الوعي لدى كل كاتبة تختلف مع مدى تملكها لأدواتها الإبداعية، إذًا فالكتابة هي الطريقة المتحضرة للتغيير، تصور القبح وتصور الجمال وتختلف في جرأتها وفي قدرتها على خرق التابوهات المحرمة الثلاثة؛ السلطة والجنس والمؤسسة الدينية بطريقة ما". 

وقالت "الجميل في مثل هذه الملتقيات أنها ستقف عند مثل هذه النقاط؛ ما يثيره هذا الإبداع من تساؤلات، ومعلوم أن الإبداع يطرح التساؤلات وربما لا يقدم الإجابات الكاملة، بل تبقى مفتوحة للمتلقي والقارئ ليؤول الأشياء مثل ما يشاء، درجة التطرف في خرق هذه التابوهات ربما تتفاوت من كاتبة إلى أخرى، إلا أنها تلتقي كلها في نقطة؛ هو البحث عن نقطة التنوير ومحاولة الانعتاق، ومن هنا تأتي أهمية تناول الأعمال الإبداعية النسوية في مثل هذه الملتقيات".

 

 

وبدورها لفتت ليلى نسيمي وهي شاعرة مغربية، إلى أن دور المرأة المبدعة يتجلى في نشر قيم السلام، حيث لديها ثقل كبير يجب إيصاله للرأي العام، حيث لديها مسؤولية المطالبة بالعديد من الحقوق من أجل نشر الفكر التنويري التحرّري وفتح آفاق التفكير ومعالجة القضايا المصيرية المسكوت عنها للعربيات اللواتي لم يسعفهن الحظ ويتعلمن، وليست لهن الجرأة أو القدرة على التعبير.

وقالت بأنّ المرأة المغاربية تعمل كثيراً من أجل التحرّر من الرقابة الأخلاقية والاجتماعية واختراق المسكوت عنه في مختلف الميادين الثقافية من أدب ومسرح وسينما وفن تشكيلي، مشيرة إلى أنّ العمل مستمر من أجل النهوض بواقع النساء وتحسينه.