معرض بغداد الدولي للكتاب يحتفي برائدات المدرسة التاريخية العراقية
نظم قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة بالعراق، بالتعاون مع مشروع "تاء" لتعزيز دور المرأة، ندوة علمية بعنوان "نماذج من إبداعات المدرسة التاريخية العراقية خلال القرن العشرين".

رجاء حميد رشيد
العراق ـ ضمن فعاليات مشاركة بيت الحكمة في معرض بغداد الدولي للكتاب بدورته السادسة والعشرين، تم تناولت السيرة العلمية والإبداعية لرائدات عراقيات في مجالَي التاريخ والآثار، خلال ندوة علمية ترأستها الدكتورة نادية ياسين عبد.
في قلب معرض بغداد الدولي للكتاب، اجتمعت نخبة من الأكاديميين والأكاديميات والباحثين والباحثات في ندوة علمية نظمها قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة بالعاصمة العراقية بغداد، اليوم الجمعة 12 أيلول/سبتمبر، لتسليط الضوء على إرث نسوي ظل لعقود بعيداً عن الأضواء، في خطوة لتعزيز دور المرأة، لتكون بمثابة استعادة واعية لسير نساء عراقيات قدمن إسهامات نوعية في مجالات التاريخ والآثار.
مليحة رحمة الله رائدة الدراسات الاجتماعية في التاريخ العباسي
استعرضت رئيسة قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة بغداد الدكتورة وفاء عدنان حميد الزبيدي، السيرة العلمية للمؤرخة العراقية الدكتورة الراحلة مليحة رحمة الله الأعرجي مواليد بغداد عام 1925، أكملت دراستها الابتدائية والمتوسطة والثانوية في ذات المدينة، والتحقت بكلية الملكة عالية (التي أصبحت تُعرف لاحقاً بكلية التحرير للبنات بعد ثورة 14 تموز 1958)، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة لتلتحق بجامعة بنسلفانيا، حيث نالت شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي عام 1952، عن رسالتها التي حملت عنوان "المرأة في بغداد خلال القرنين التاسع والعاشر من خلال تأريخ ابن الخطيب البغدادي".
واصلت دراستها العليا لتحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم عادت إلى العراق عام 1970، صدر لها أول كتاب باللغة الإنكليزية بعنوان "المتصوفات في بغداد"، وقد نشرت أكثر من ثلاثين بحث في مجلات عراقية وعربية، تمحورت معظمها حول المجتمع العباسي، مع التركيز على أدوار المرأة، والغناء، والموسيقى.
كانت مليحة رحمة الله الأعرجي ترى أن دراسة الحياة الاجتماعية بكافة أوجهها، لأي بيئة أو مجتمع، تعكس بوضوح مدى نضج وتطور تلك البيئة، مقارنةً بالمجتمعات والحضارات الأخرى، ورغم صعوبة هذا النوع من الدراسات بسبب قلة المصادر وعزوف كثير من الباحثين عنه، فقد تمكنت من جمع شتات المعلومات المتعلقة بالحياة الاجتماعية في العراق خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين.
كما أولت اهتماماً خاصاً بالطوائف الدينية، مثل الأشراف وأهل الذمة، وأفردت فصولاً مهمة لدراسة التنظيمات الاجتماعية والمهنية والحرفية، مع تسليط الضوء على الأصناف والعامة، موضحةً خصائص كل طائفة، ومستوى معيشتها، ومكانتها داخل المجتمع العراقي.
تناولت أيضاً مظاهر البذخ والترف لدى الخلفاء وكبار رجال الدولة، مشيرةً إلى حرصهم على بناء القصور، وما تبعه من اقتداء الأمراء والوزراء ورجال الدولة بهم، الأمر الذي فاقم التفاوت الطبقي بين الحكّام وبقية فئات الشعب، وهو ما كان من عوامل سقوط الدولة.
كما شملت دراساتها العادات والتقاليد والأخلاق، واحتلت المرأة مكانة بارزة في اهتماماتها البحثية، فقد تناولت أوضاع النساء في المجتمع العربي الإسلامي، وأبرزت نماذج لنساء برزن في مجال الحديث والعلوم، وأخريات اتجهن إلى الزهد والتصوف، وقد خلصت في دراستها عن المرأة إلى أن "مكانة المرأة لم تكن تبعث على الارتياح بسبب انتشار الجواري في القصور والدور".
وبهذا الجهد العلمي الرصين، استطاعت مليحة رحمة الله الأعرجي أن تسلط الضوء على ملامح المجتمع العراقي في تلك الحقبة، وأن تقدّمه كما هو، دون تجميل أو رتوش.
ريا الحاج يونس سيدة الأختام السومرية في العراق
من جانبها، تناولت الدكتورة فيحاء مولود علي سيرة واحدة من العراقيات الملهمات، وهي عالمة الآثار الدكتورة ريا محسن عبد الرزاق الحاج يونس، المولودة عام 1957 في الموصل، وحصلت على شهادة الماجستير في الآثار القديمة عن رسالتها بعنوان "الكتابة على الأختام الأسطوانية غير المنشورة في المتحف العراقي"، وواصلت دراستها لتحصل على شهادة الدكتوراه بأطروحتها المعنونة بـ "فجر الحضارة السومرية في ضوء أختام عصري الوركاء وجمدة نصر".
ونظراً لكونها المتخصصة الوحيدة في العراق آنذاك في مجال دراسة الأختام، وهو من المواضيع الأثرية الدقيقة والمعقدة، تولت مسؤوليات متعددة في الهيئة العامة للآثار والتراث، حيث عملت أولاً كمسؤولة لقسم التسجيل، ثم مسؤولة عن المختبر المركزي، تلتها مسؤولية شعبة الخرائط.
وبفضل خبرتها الواسعة في مجال الآثار القديمة، شاركت في التدريس الأكاديمي، فدرّست في قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة بغداد، كما درست طلاب الدراسات العليا في عدد من الجامعات العراقية، منها واسط، البصرة، القادسية، والموصل، وتم اختيارها لاحقاً لتتولى منصب مدير متحف الموصل الحضاري، ثم انتقلت لتشغل مهامها في المتحف العراقي.
خولة صالح... مسيرة أكاديمية حافلة بالتاريخ والعطاء
وقدمت المدرسة المساعدة تمارة كريم صالح، مقررة الجلسة وممثلة عن مشروع "تاء لتعزيز دور المرأة"، الورقة البحثية الخاصة بالدكتورة جنان عبد الكاظم، التي تعذر حضورها، والتي تناولت سيرة المؤرخة العراقية الدكتورة خولة عيسى محمد صالح، المولودة في محافظة بابل عام 1948.
بدأت خولة عيسى محمد صالح مسيرتها العلمية مبكراً، حيث عُيّنت مدرّسة في ثانوية المدحتية للبنات، ثم شغلت عدة مناصب مهمة في سلك التعليم الثانوي ومعاهد إعداد المعلمات.
وبعد حصولها على شهادة الدكتوراه، نُقلت إلى جامعة بغداد في كلية التربية للبنات، حيث تدرجت في الألقاب العلمية حتى نالت لقب الأستاذية في التاريخ الإسلامي، وبفضل عطائها الأكاديمي المتميز، تقرر تمديد خدمتها بموجب أحكام قانون الخدمة الجامعية، لتستمر في التدريس حتى بلوغها سن السبعين، وفي عام 2013، أُحيلت إلى التقاعد.
كان للدكتورة خولة عيسى محمد صالح حضور علمي بارز، فقد شاركت في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية، من أبرزها إيفادها للمشاركة في المؤتمر الدولي "القدس: تاريخ وعمران" الذي عُقد في سوريا عام 2009.
وقد وافتها المنية عام 2014 بعد صراع مع مرض عضال، تاركة أثراً علمياً وإنسانياً مشرفاً في سجل التاريخ الأكاديمي العراقي.
أمل السعدي باحثة موسوعية في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي
ثم قدمت الدكتورة إنعام حسين أحمد ورقتها البحثية التي تناولت السيرة العلمية للدكتورة أمل عبد الحسين السعدي التي وُلدت في محافظة الكوت عام 1941، وأكملت دراستي الماجستير والدكتوراه في العاصمة بغداد، حصلت على لقب الأستاذية في التاريخ الإسلامي، واستمرت في التدريس في مرحلتي الدراسات الأولية والعليا حتى بلوغها سن السبعين، حيث أُحيلت إلى التقاعد عام 2012.
وظلت حاضرة بعطائها العلمي حتى وافتها المنية في عام 2022 عن عمر ناهز التسعين عاماً، تاركةً إرثاً علمياً غنياً، شمل العديد من المؤلفات والكتب، إلى جانب مقالات وبحوث أكاديمية نُشرت في مجلات محلية وعربية، من أبرزها الصيرفة والجهبذة في العراق من القرن الثاني الى نهاية القرن الرابع الهجري ،الشعوبية أهدافها ومواقفها الاقتصادية .
وقد تخللت الجلسة مداخلات من عدد من الحضور، أسهمت في إثراء النقاش وإغناء الجلسة بالكثير من المعارف والمعلومات القيّمة.