من سياسة الإبادة والإنكار نحو الديمقراطية والتغيير... مسيرة ثورة قادتها النساء
من واقع الإنكار والتمييز العنصري إلى إرادة تمثل ذاتها وتحميها وتحقق تطلعاتها مسيرة وحكاية نساء وشعوب قادوا ثورة التاسع عشر من تموز.
سيلفا الإبراهيم
مركز الأخبار ـ نجاح ثورة 19 تموز في تحقيق تطلعات الشعب هو نتاج فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان، وما جعل مشروع الأمة الديمقراطية في مرمى هجمات الاحتلال التركي هو تمثيله لإرادة الشعوب.
يصادف الـ 19 من تموز/يوليو الذكرى السنوية الثانية عشر لثورة روج آفا، التي انطلقت شرارتها في عام 2012 من مدينة كوباني بإقليم شمال وشرق سوريا عندما طرد الشعب الكردي عناصر حكومة دمشق من الدوائر الحكومية والخدمية في كوباني، وهذا نتيجة احتقان شعبي لسياسة الإبادة والتمييز العنصري الذي كان يمارسه حزب البعث خلال سيطرته لما يقارب الـ 5 عقود، ويحتفل سنوياً شعوب إقليم شمال شورق سوريا بهذا التاريخ إحياء لذكرى ثورتهم التي حققت تطلعاتهم، ورغم كافة التحديات التي تهدد مشروعها الديمقراطي إلا أنهم حققوا الحرية والتغيير الديمقراطي.
وأكدت إحدى النساء اللواتي واكبن مسيرة ثورة 19 تموز، على أن نجاح هذه الثورة هو نتاج فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان الذي وحد الشعوب، ولعبت خلالها النساء دوراً ريادياً على الساحة العسكرية والسياسية والاجتماعية وعرفت بثورة المرأة.
عزيمة دنيز إدارية في الساحة المدنية بإقليم شمال وشرق سوريا كانت شاهدة على أهم محطات ثورة روج آفا تقول "جميع الدول والسلطات تبني نفسها على أساس إنكار هوية وإرادة الشعوب، وفي أي مكان تمارس فيها سياسة طمس الهوية والإرادة تحاك فيها المؤامرات، وروج آفا كانت تعيش ظروف إنكار الهوية لذا جغرافيتها وشعبها كانا يتعرضان للهجمات والاستهداف، ومن مبدأ الوطنية وحب الأرض بدأت هذه الثورة كردة فعل تجاه سياسات الإبادة التي كانت تمارس ضدها، وما أنجح هذه الثورة هو تنظيم الشعب لنفسه وارتباطه بالمبدأ الذي انطلقت من أجل ثورته".
فكر القائد أوجلان السفينة التي أرسى بها الشعوب على بر الحرية
وعن فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان ودوره في إنجاح الثورة أوضحت "في الحقيقة كنا نعيش تحت ستار ولم ندرك حقيقتنا التي تم تغطيتها بأقنعة مزيفة لذلك كنا أسرى للنظام الذي كانت ترسمه لنا السلطات، ومن جعلنا نخرج من خلف هذا الستار والأقنعة هو فكر القائد أوجلان، الذي أعادنا إلى جوهرنا وحقيقتنا التي كنا مغيبين عنها"، قائلة "عندما تكون السياسة إبداع والأخلاق مقياس سيكون التحرر هدفاً، وفكر القائد كان يرسخ هذه المبادئ".
شاركت عزيمة دنيز في مقاومة كوباني في عام 2014 عندما شن داعش هجوماً عليها، وذكرت إحدى المواقف التي عاشتها أثناء المعارك الطاحنة مع مرتزقة داعش "كانت الحرب مع داعش وجهاً لوجه أي لم تبعدنا الأمتار عن المواجهة، وفي الحرب دائماً ما تحتاج وقتاً حتى تتعرف على أسلوب قتال عدوك لتضع خطط مواجهة مناسبة، وبعد التخطيط تمكن بعد مرور شهر ونصف من تحرير مدينة كوباني، لأننا كنا نتخذ كل كلمة من حديث القائد كتوجيه من أجل العمل لبلوغ الحرية، وأردنا بتحرير كوباني أن نكون كما وصفنا القائد أوجلان فدائيون من أجل وطننا ومبادئنا".
وعن مدى تطبيق فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان خلال ثورة 19 تموز تستذكر عزيمة دنيز إحدى مقولات القائد الواردة في مرافعاته يقول فيها (فكر وذكر، وفعالية) نحن تقبلنا الفكر وذكرناه ولكن لم نبلغ للمستوى الذي نطمح إليه من الفعالية بعد "خلال ثورة 19 تموز استناداً على فلسفة القائد استطعنا توحيد الشعوب، فكما الحرية ليس لها حدود، الوحدة بين الشعوب أيضاً ليس لها حدود، لأن جميع الشعوب تعيش الظروف نفسها، فكما لا يوجد اعتراف بالقضية الكردية لا يوجد اعتراف بإرادة الشعوب العربية أيضاً وكذلك المسيحية والشركسية والإيزيدية جميعهم فاقدين لحقوقهم وهذا ما يجعل قضية الحرية تجمع الشعوب من حولها، فعندما يكون هناك سياسة إنكار وإبادة من قبل السلطة هناك تكمن حاجة التوحد بين الشعوب من أجل قضية الحرية ومناهضة هذه السياسيات"، مؤكدة أنه "بعد 12 عاماً من الثورة تسود تشاركية متينة بين الشعوب من أجل قضية الحرية على أساس الأمة الديمقراطية أكثر من أي وقت مضى".
وعن الدور الريادي للمرأة في ثورة 19 تموز قالت "الوطنية وحماية الوطن من المبادئ الأساسية التي يتم الاستناد عليها في أي ثورة، والمرأة في ثورة روج آفا تمتعت بروح وطنية وفدائية عالية وكانت دائماً صاحبة موقف وردة فعل اتجاه أي شيء يعترض أرضها، فعندما يكون هدفك الحرية لا بد من أن تقود ثورة ذهنية وهذا ما كانت تتمتع به المرأة سواء على الساحة العسكرية أو الاجتماعية التي تقود ثورة الذهنية والتغيير".
التحلي بالإرادة والارتباط بالمبادئ يضمن نجاح الثورات
وعن الأسباب التي أدت إلى نجاح الثورة وميزتها عن غيرها من الثورات التي شاركت فيها النساء عبر التاريخ تقول "مشاركة المرأة فيها بهويتها كان أحد أسباب نجاح الثورة، على عكس غيرها من الثورات والحركات النسائية التي كان لها محاولات للوصول للحرية ولكن بدون تنظيم ومبدأ وبدون المشاركة بهويتهم كامرأة، فالأهداف بدون مبدأ لا تتحقق، وأي حركة أو ثورة نسائية بفكر ذكوري أو بنظام السلطة لا تعتبر ثورة تحررية".
وأكدت على أن "ثورة روج آفا كانت مصلحة شعبها وتحريرها من أولوياتها ولا تزال كذلك وهذا ما جعل الشعب يلتف حولها، لأن في السياسة لا يوجد صديق فالتطبيع بين حكومة دمشق وتركيا هذا لا يعني بأنهم أصبحوا أصدقاء هي بداية لإبادة جديدة بحق الشعوب التي تنتفض بوجه الظلم وتسعى لإدارة نفسها، فهناك فرق بين من يطالب بحقه وبين من يفرض سلطته، فمن لا يكون صاحب هدف يصبح وسيلة لتنفيذ مآرب السلطات وأجندة لروسيا أو لإيران أو لتركيا وهذا ما قاد الواقع السوري وثورته إلى أزمة يمرر الجميع مصالح من خلالها".
وحول هجمات الاحتلال التركي المستمرة قالت "نحن كنا في حالة الإبادة وإنهاء الوجود وعندما بدأنا هذه الثورة بفكر وفلسفة القائد وتعرفنا من خلالها على تاريخنا وحقيقتنا وكيفية المحافظة على وجودنا، أصبحنا هدف للاحتلال التركي، فعندما توجد إرادة توجد مؤامرة ولا تزال هذه المؤامرة موجودة لإعاقة إدارة الشعوب لأنفسهم ليبقوا دائماً تحت سلطتهم، ففكر القائد عبد الله أوجلان يزيل جميع هذه المعوقات لتصل الشعوب لحريتها، وهذا يجعل من السلطات هوامش على حواف جدران، وهذا ما لا تتقبله السلطات والملكية الفردية والفكر الليبرالي".
وفي ختام حديثها أكدت عزيمة دنيز "علينا أن ندرك جيداً حقيقة الشرق الأوسط وتاريخه وثقافته الذي كان مهد الحضارات فأولى الفلاسفة كانوا من شرق الأوسط، والأطباء وحتى الثورات كانت من شرق الأوسط، علينا أن نحمي حقيقة شرق الأوسط ونعود إليها".