مخرجة مغربية: النساء في المجال الفني استطعن أن تفرضن رؤيتهن وأسلوبهن الخاص

أكدت المخرجة المغربية ليلى التريكي أن النساء حضورهن قليل في مجال الإخراج المسرحي والسينمائي مقارنة بالرجال، لكن بالرغم من ذلك استطعن أن تفرضن رؤيتهن وأسلوبهن الفني الخاص، من خلال اقتحام هذا المجال، رغم التحديات التي تواجههن.

رجاء خيرات

المغرب ـ تواجه المرأة في المجال الفني العديد من التحديات والصعوبات المتمثلة في الضوابط والصور النمطية عن المرأة المخرجة والمرأة بشكل عام، الأمر الذي يحد من مشاركتهن في المجال الفني لتصبح ضعيفة.

استضاف مهرجان "جسد" للنساء المخرجات في فقرة "ماستر كلاس"، أمس الأحد 28كانون الثاني/يناير، المخرجة والمنتجة المغربية ليلى التريكي، التي أكدت أن نسبة النساء اللواتي تعملن في المسرح والسينما ضعيفة جداً، لكن ذلك لا يخص المغرب فقط، بل هي ظاهرة توجد في جميع دول العالم، خاصةً بالنسبة للنساء اللواتي تقررن التوجه نحو مجال الإخراج.

تقول ليلى تريكي أنها بدأت كممثلة ثم متخصصة في السينوغرافيا لتنتقل بعد ذلك لعالم الإخراج، الذي واجهت فيه الكثير من التحديات، وبدأت كامرأة بالتمويل الذاتي وفرض اسمها في عالم الإخراج وإشباع رغبتها في التعبير عن رؤيتها وأسلوبها الفني "يصبح أكثر تعقيداً حين تعبر المخرجة عن رؤيا خاصة وتطرح مواضيع تخص المجتمع وحالتها كامرأة وتطورها داخل المجتمع كامرأة فاعلة وزوجة وأم وغيرها من الوظائف التي تؤديها".

وأشارت إلى أن الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة المخرجة داخل مجتمعها، من خلال التعبير عن ذاتها وعن رؤيتها لما يحصل داخل مجتمعها ويتطلب منها أن تعرف كيف تسير ديناميكية الثقافة في بلدها، كما يفرض عليها أن تدرك ما معنى أن تكون امرأة في المجال الثقافي داخل مجتمع فيه الكثير من الضوابط والصور النمطية عن المرأة المخرجة والمرأة بشكل عام، وهو ما يتطلب منها نوعاً من المقاومة للدفاع عن تواجدها وفرض رؤيتها الخاصة.

وعن مسارها قالت "في الأساس أنا ابنة المسرح، كانت بداياتي في التشخيص داخل المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، قبل أن أخطو نحو السينوغرافيا، حيث بدأت مسيرتي الفنية كمتخصصة في السينوغرافيا، قبل أن ينتهي بي المطاف نحو الإخراج، وذلك بدافع الفضول الذي كان بداخلي باكتشاف عوالم أخرى، وإشباع الرغبة في اقتحام مجال آخر".

وعن التحديات والصعوبات التي تواجه المرأة المخرجة والتي تخص الأبواب المغلقة والتمويل والسلطة التي يمارسها الرجال العاملون في المجال، أوضحت أن "مرحلة التخرج بالنسبة لكل طالب وطالبة في معهد التكوين تكون مختلفة عن المراحل اللاحقة، وبالنسبة للمرأة تحديداً فهي تكون في فضاء محمي نسبياً، حيث تكون في طور التعلم والعروض وغيرها من أوجه المسرح التي تشكل دافعاً للاكتشاف والاستمرارية، بعيداً عن الصعوبات التي يمكن أن تواجهها، لكنها ما إن تخرج من هذه الدائرة نحو الواقع حتى تبدأ المشاكل".

وأكدت أن المرأة المتخرجة حديثاً لا تكون على وعي تام بما يجري داخل المجال الثقافي وسوق الفن عموماً، و بالتالي فاقتحام المجال والتحول من التعلم إلى الممارسة يتطلب نوعاً من الذكاء العاطفي حتى تتمكن من انتزاع مكان لها داخل النسيج الثقافي. 

ولفتت ليلى تريكي إلى أن البدايات في مزاولة الإخراج لم تكن سهلة، حيث يتطلب الأمر المرور عبر مراحل عديدة، بدأت بإخراج العمل وكسب نوع من المصداقية وفرض الاقتراح في الأفكار وطرق العمل فيما بعد، حيث أن المرأة المخرجة تجد أمامها الكثير من الدوائر المغلقة التي ينبغي اقتحامها، وهو أمر ليس سهلاً، ويتطلب الكثير من الصبر والإيمان بالعمل والرغبة في مواصلة ما تؤمن به وترغب في تحقيقه.

وعن انتقالها من السينوغرافيا إلى الإخراج، بينت أن الفضاءات التي كانت تبدع فيها كامرأة سينوغرافية (فن تصوير المشاهد) لم تكن تكفيها، ولم تشبع رغبتها في التعبير على عدة مستويات، سواء الفضاء، أو الإحساس، أو المعنى، أو الدراماتيرجا (صانع العمل المسرحي) والتقاسم كذلك مع الأخر، هذا الآخر الذي ليس إلا الممثل والسيناريست والتقني وكل الطاقم الذي يعمل معها لخلق عمل ما. 

وبشأن السلطة التي ينبغي أن تحصل عليها المخرجة، سواء في إدارة الممثلين الرجال أو البحث عن التمويل، أوضحت أن هذه المرحلة أخذت منها وقتا طويلاً لكي تنضج، لأن الأمر لا يتعلق فقط بفكرة وتصور إخراجي وركح وانتهى الأمر، بل يتعداه إلى ما هو أوسع وأشمل من كل ذلك، حيث أن إدارة الممثل هي الإحساس بسيكولوجية الآخر، وهذا دفعها لأن تجالس الممثلين وتتواصل معهم، بعيداً عن الشخصيات التي سيلعبونها في العمل، أن تنصت لهم ولأسلوبهم في التعبير الشفهي والجسدي معاً، حتى تخلق تلك الألفة معهم وتفهم جيداً تركيباتهم السيكولوجية وأسلوب عملهم.

كما أكدت أن المخرجة ينبغي أن تعطي مساحة لكل الطاقم الذي يعمل معها في إخراج عمل إبداعي، حيث أن لكل واحد من فريق العمل حساسيته ونظرته الخاصة التي تختلف عن الآخر، وهو ما لا يتسنى للمخرجة حين تكون هي كاتبة السيناريو في نفس الوقت، لأنها تكون في صلب العمل، وبالتالي هذا يجردها من أخد مسافة معينة مع ما تقوم به، وتصبح غير قادرة على الرؤية النقدية للعمل، وهنا يأتي دور الممثل الذي قد يملك هذه المسافة التي يجب أن تفصل المخرج عن العمل.

وعن الصعوبات التي تواجه المنتجة، كشفت أنها ترتبط بنوع المشروع الذي تقدمه، وأحياناً بالقوانين التي تتغير، خاصةً بالنسبة لقوانين طلبات العروض داخل القنوات التلفزيونية وغيرها من التحديات الخارجية التي تستوجب منها البحث عن حلول للاستمرار والنجاح، مشيرة إلى أن العمل في مجال الإنتاج، خاصةً في المشاريع  يستوجب تمويلات ضخمة، يتطلب بعض المهارات في اختيار الطاقم، لأن المنتجة أو المنتج، يجب أن يكونوا محاطين بأشخاص يثقون بهم، لأن هناك الكثير من الإكراهات التقنية والمادية التي ستواجههم.

وحول الحضور الضعيف للمخرجات المغربيات من حيث الكم وحصدهن لأكبر عدد من الجوائز، قالت إن تصورها حول هذه المسألة تغير 23 عاماً حين دخلت في هذا المجال لأول مرة، لافتةً إلى أن الحضور النسوي في مجال الإخراج كان ضعيف جداً، لكن مع إنشاء عدة مدارس في السينما، تخرجت العديد من المخرجات والمنتجات والتقنيات، واقتحمت النساء المجال بقوة رغم أن الرجال لازالوا يستحوذون عليه من حيث العدد.

وأوضحت أن العقلية الذكورية في المجال حصل فيه تطور وبدأت تندثر نسبياً، والعلاقة ما بين الجنسين داخل فرق العمل تغيرت وتحسنت، وهو ما شجع النساء على العمل في هذا الميدان، لافتةً إلى أنها ترفض تسميات من قبيل "الرؤية الأنثوية" و"الرؤية الذكورية" وغيرها من التصنيفات التي ترى أنها بلا فائدة، خاصةً وأن فيلم منزوع من "الجينيريك" لا يمكن لأي كان أن يعرف ما إذا كان لمخرجة أم لمخرج.

وأكدت ليلى تريكي أن النساء والرجال يعيشون بحساسيات وتجارب إنسانية مختلفة، لكن هذا لا يعني أن تكون هناك أعمال سينمائية أو مسرحية بنظرة أنثوية وأخرى بنظرة ذكورية، معتبرةً أن المبدعين رجالاً ونساء يجب أن يسروا جنباً إلى جنب في كل المجالات.