جرائم قتل النساء في تونس تفنن بالجريمة وغياب القوانين

استفاقت مدينة القيروان فجر ثاني يوم عيد الأضحى على جريمة قتل ضحيتها امرأة في مستهل عمرها وأم لطفلين على يد زوجها ذبحاً بالسكين بعد أن وجه لها عدة طعنات في أماكن متفرقة من جسدها.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ اهتز الرأي العام التونسي على وقع جريمة قتل ارتكبت ثاني أيام عيد الأضحى راحت ضحيتها أم لطلفين لم تتجاوز الثلاثين من عمرها في مدينة القيروان، حيث كانت تتعرض للعنف على يد الجاني الذي هو زوجها.

في انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات حول الجريمة التي تضاف جرائم قتل النساء في تونس، حيث ندد المجتمع المدني النسوي بما أقدم عليه زوج الضحية حيث أكدت جمعية أصوت نساء أن "مقتل انتظار أم لطفلين ذبحاً على يد زوجها في عيد الأضحى هو جريمة بشعة أخرى نضاف إلى قائمة جرائم قتل النساء في ظل تواطؤ وقصور السلطات التونسية عن حماية النساء".

وتحت عنوان "في عيد الأضحى تقتل النساء ذبحاً" أصدرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات بياناً جاء فيه "مرة أخرى تضرب ثقافة كره النساء في مدينة القيروان، فتدفع النساء ضريبة العنف، ليصل إلى أشكاله القصوى والبشعة، فيكون القتل والذبح في الأوساط العامة مرّات ومرّات، تدفع النساء ضريبة سيطرة الهيمنة الذكورية والتسلط على أجسادهن وحياتهن وتضاف انتظار ذات الثلاثين سنة والأم لطفلين إلى قائمة الضحايا ويكون القتل هو الفاجعة التي ما بعدها فاجعة وهو آخر حلقات سلسلة العنف التي تحشر فيها النساء في بلد القانون 58 لمناهضة العنف ضد المرأة".

وأضافت الجمعية في ذات البيان إنه "في كل فاجعة يهتزّ لها المجتمع القيرواني يزداد اليقين، بأنّنا لم نتقدم بما يلزم وبما يكفي في اتجاه ضمان بيئة آمنة للنساء لا في الفضاء العام ولا في بيوتهن فلم يفتأ العنف الزوجي أن يكون على رأس الآفات المهددة لأمن النساء ولتوازن المجتمع ولتنمية عادلة ومستديمة، لنفهم مرّة أخرى أنّ الدولة ومؤسساتها لم تتخذ ما يكفي من التراتيب والسياسات لمجابهتها والقضاء عليها وعلى المآسي التي تخلفها"، مضيفةً "لقد أزهقت روح الضحية على يد زوجها ذبحاً من الوريد إلى الوريد في ثاني أيام العيد بعدة طعنات في جسدها، وبعد خلافات شبت بينهما فأرداها قتيلة في الطريق العام وعلى مرأى من المارة، لقد فرت من البيت لعلّها تنقذ روحها، لتتكرر المأساة وتتكرر الصدمة فنواجه واقعا تذبح فيه النساء بما لا يليق حتى بالأضاحي بشاعة وإجراماً".

وتابعت في بيانها "أم في القبر، وزوج في السجن وطفلين مصيرهما الضياع والمصير المجهول في مجتمع لا يقوى إلا على تأثيم الضحية ووصمها، لتكشف هذه الجريمة مرّة أخرى عن واقع الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتقاطع أشكال العنف والهشاشة وعمق حالة الأزمة والاحتقان في الأحياء المهمّشة الموكلة إلى نفسها، في ظل غياب الحكومة وأجهزتها".   

وختمت بأن "جمعية النساء الديمقراطيات وهي تنتفض في كل مرّة، أمام بشاعة الجرائم التي تتعرض لها النساء، فأنّها تلفت الانتباه للتراخي والخلل الذي ما زال يرافق السياسات المتبعة من قبل الحكومة التي ترقى إلى مصاف المشاركة في الجريمة  وترقى إلى حد  تبريريها، يجب أن تتحمل الحكومة ومؤسساتها مسؤولية عدم اتخاذها التدابير اللازمة لتجاوز معضلة فقدان النساء إلى حد الآن للحصانة في ما يتعلق بأمنهنّ وحياتهن وتؤكد أنّ ادعاء مناهضة جرائم العنف ضد النساء وتحسين أوضاعهن هو من صميم الانشغال بمسألة التنمية في مستوييها الاقتصادي والاجتماعي، وعليه ألا يكون مجرد شعارات ترفع بل البوصلة التي تقود الجميع لإيجاد مأمن للنساء في هذه البلاد".  

من جانبها قالت الناشطة الحقوقية ومنسقة مشروع مناهضة العنف ضد النساء في شبكة الأورومتوسطية للحقوق بمدينة القيروان سوسن الجعدي إن "القتل بتلك الوحشية واللجوء فجراً للشارع هرباً من الجاني طلباً للنجدة يكشف تكرر ممارسة العنف بأنواعه في مناسبات سابقة، أن كل جرائم قتل النساء هي نتاج لتراكمات من المشاحنات والعنف بجميع أشكاله ويأتي القتل بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، بمعنى أن المرأة التي تعرضت للعنف سكتت عنه في مرات عديدة خاصة بعد أن قام الزوج بإبراز بعض الندم عن فعلته فتصمت على أمل أن يتغير".

وأضافت أنه "أحياناً الزوجة تكون بعيدة عن مسقط رأسها وليس لها مصدر رزق كما الحال في هذه الجريمة ويصعب عليها الاستنجاد بذويها طلباً للحماية أو الخروج من المنزل بسبب عدم قدرتها على توفير الحياة المناسبة لها ولأطفالها، كما يجب الإشارة إلى غياب المعلومة والجهل بوجود هياكل سواء تابعة للدولة أو المجتمع المدني تساعدها على تجاوز ما تعيشه من ضغوطات وعنف حتى تتراكم تلك المعاناة وتنتهي بالقتل ويبقى الأطفال ضحايا ذلك الوضع ويمكن أن يكونوا مشاريع للانحراف والجريمة في غياب التعهد والإحاطة النفسية".

وحول جرائم قتل النساء في تونس قالت سوسن الجعدي أنها تضاعف أربع مرات بين 2018 و2022 حسب وزارة المرأة وتم تسجيل 23 جريمة قتل بحق النساء في 2023 مقابل 15 جريمة في 2022 وأغلب الضحايا لا يملكن مصدر رزق، وتمثل الفئة العمرية بين 26 و35 سنة 27% من الضحايا ويقوم الزوج بجريمة قتل الزوجة بنسبة 71%.

وكمنسقة جهوية لمناهضة العنف ضد النساء في شبكة الأورومتوسطية للحقوق قالت "نعمل على التوعية لأن الضحية أحياناً تجهل أين تتجه عند تعرضها للعنف كما نعمل على التمكين الاقتصادي كون غياب مصدر الرزق يصعب عليها الابتعاد عن بطش الجاني".

وانتقدت السلطة وأجهزتها بسبب عدم قدرتها على تطبيق القانون عدد 58 لمناهضة العنف المسلط ضد المرأة على أرض الواقع لعدة أسباب منها العقليات لاسيما بعض رجال الأمن والقضاة وغياب التكوين للوحدات الأمنية المختصة وغياب مراكز الإيواء بالمدن إذ يوجد مركز إيواء وحيد تابع للاتحاد الوطني للمرأة التونسية يتوفر فيه 11 سريراً فقط لمدينة تشهد كثافة سكانية كبيرة وارتفاع في منسوب العنف المسلط ضد المرأة.

ودعت سوسن الجعدي النساء اللواتي تتعرضن للعنف إلى عدم التزام الصمت في كل الأحوال لأن الابتعاد عن البيئة التي تتعرض فيها للعنف يكون هو الحل "الضحية انتظار لم تبلغ السلطات الأمنية بتعرضها للعنف وسكتت عنه وثمن سكوتها كان روحها"، مطالبةً الهياكل الجهوية المعنية إلى الانفتاح على المجتمع المدني والتنسيق معه وتمكينه من الأرقام والمعطيات اللازمة لإنجاز تقاريره والمساهمة في ايجاد الحلول المناسبة.

 

من جانبها قالت رئيسة فرع النساء الديمقراطيات بالقيروان ليليا العلويني إن "المرأة تضطر من أجل أطفالها أن تتحمل العنف والسكوت عنه وعندما تكون أيضاً في وضعية هشاشة اقتصادية وتفتقر إلى مصدر رزق لذلك يقوم مركز الانصات والتوجيه فرع القيروان باستقبال النساء ضحايا العنف والتكفل بهن من خلال عملية الانصات التضامني والتوجيه القانوني ومرافقتهم النفسية ومتابعة المشكلة في حال الحاجة إلى القضاء ونساعدها خاصة من الناحية النفسية لاتخاذ قرار يتماشى مع حالتها النفسية".

وأشارت إلى أنه "في كل يوم ترد حالات يقال عنها أنها الأقوى والأعنف ولكن تأتي حالات بخصوصيات جديدة وهو ما يجعلنا نفكر خاصة في التمكين الاقتصادي لأنه لا يمكن أن تجابه المرأة العنف وهي بلا مورد أو دخل وفي غياب الأخير تضطر للعودة إلى الزوج أو المعنف وبالتالي نحن نفكر في مساعدتها على الخروج من دائرة العنف".