حق الأمل وقضية القائد عبد الله أوجلان بين الالتزام الدولي والتجاهل التركي

في ظل استمرار احتجاز القائد عبد الله أوجلان في السجون التركية منذ أكثر من عقدين، تتصاعد المطالب الحقوقية والدولية لتطبيق "حق الأمل" باعتباره أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي لضمان العدالة وإعادة التأهيل.

هيلين أحمد

السليمانية ـ دعت المتخصصة في القانون الدولي شادية أبو بكر، إلى تكثيف الضغط المحلي والدولي من أجل الإفراج الجسدي عن القائد عبد الله أوجلان، مؤكدة أن الفكر لا يسجن، وأن قضية السلام وحق الأمل تمثلان مكسباً تاريخياً للشعب الكردي.

يُعد "حق الأمل" من الحقوق القانونية والدولية التي يفترض أن يتمتع بها جميع السجناء، إلا أن السلطات التركية تحرم السجناء الكرد، وعلى رأسهم القائد عبد الله أوجلان، من هذا الحق، فبينما تؤكد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على ضرورة تطبيق حق الأمل على كل من تجاوزت مدة سجنه 25 عاماً، بما يقتضي الإفراج عنه، ترفض الدولة التركية اتخاذ أي خطوات نحو تنفيذ هذا الالتزام الدولي بحق القائد أوجلان، وهو ما يُعتبر خرقاً واضحاً وصريحاً للمواثيق القانونية المعتمدة دولياً.

عقب اعتقال القائد عبد الله أوجلان وصدور حكم الإعدام بحقه، امتنعت تركيا عن تنفيذ الحكم نتيجة لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وفي عام 2002 تم استبدال العقوبة بالسجن المؤبد، ليُصبح القائد أوجلان بذلك محكوماً بالسجن مدى الحياة، وفي عام 2014، صدر قرار يتعلق بحق "الأمل"، حيث أظهرت الدولة التركية التزاماً شكلياً به، لكنها امتنعت عن تطبيقه على القائد عبد الله أوجلان، مبررة ذلك بكونه سجيناً سياسياً.

رغم ذلك، جدد مجلس أوروبا دعوته لتركيا بضرورة مراجعة القرار، مؤكداً أن طبيعة السجين، سواء كان سياسياً أم لا، لا تبرر حرمانه من هذا الحق، إذ لا يجوز أن يحتجز أي شخص لأكثر من 25 عاماً دون إمكانية الإفراج، وفي الوقت الراهن، يواصل الشعب الكردي إلى جانب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المطالبة بتطبيق حق الأمل على القائد عبد الله أوجلان، باعتباره استحقاقاً قانونياً وإنسانياً لا يجوز تجاهله.

 

حق الأمل بين الالتزام الدولي والتجاهل التركي في قضية القائد أوجلان

وأوضحت الأستاذة الجامعية والمتخصصة في القانون الدولي شادية أبو بكر، أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تناولت "حق الأمل" في سياق مراجعة حقوق السجناء، وذلك عقب إلغاء عقوبة الإعدام واستبدالها بالسجن المؤبد، مشيرةً إلى أن هذا النوع من العقوبات يعد من منظور حقوق الإنسان انتهاكاً إذا لم يقرن بإمكانية إعادة التأهيل، مما يستوجب منح السجين فرصة حقيقية لاستعادة مكانته في المجتمع.

ولفتت إلى أن المحكمة الأوروبية بعد دراسة معمقة للتشريعات الحقوقية أكدت أن الهدف من السجن يجب أن يكون الإصلاح لا انتهاك الحقوق، ومن هنا ينبثق "حق الأمل" الذي يمنح السجين إمكانية الاندماج مجدداً في المجتمع بعد قضائه عشرين عاماً من العقوبة، بشرط أن يتم ذلك ضمن إطار قانوني وتحت إشراف الدولة وبناءً عليه يحق لكل سجين المطالبة بهذا الحق بعد مرور عشرين سنة على سجنه، باعتباره من الحقوق الدولية التي يجب احترامها وتطبيقها.

وأشارت إلى أنه قد طرحت مسألة الإفراج الجسدي عن القائد عبد الله أوجلان، في إطار تطبيق "حق الأمل" منذ عام 2003، حين كان قد أمضى خمس سنوات من عقوبة السجن المؤبد، وقدم المدافعون عنه طلباً رسمياً إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الدولة التركية، استناداً إلى هذا الحق، إلا أن تركيا رفضت الطلب في عام 2014، رغم أن الفقرة الخامسة من المادة 95 من دستورها تنص على ضرورة تطبيق القانون الدولي في حال تعارضه مع التشريعات المحلية.

ورغم هذا الالتزام الدستوري، لم تظهر الدولة التركية أي استعداد لتطبيق القوانين الدولية ذات الصلة، بل اعتبرت قضية القائد عبد الله أوجلان شأناً داخلياً بحسب شادية أبو بكر، ما حال دون تدخل أي جهة خارجية فيها، وبموجب القانون التركي الخاص بالعقوبات، يمنع أي طرف من الوصول إلى ملف القضية أو التأثير عليه، ومع ذلك يبقى "حق الأمل" واجب التنفيذ كونه يمثل أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي لضمان العدالة وإعادة التأهيل.

 

قضية السلام وحق الأمل من أبرز مكاسب الشعب الكردي

وأوضحت أن الفقرة الخامسة من المادة 95 من الدستور التركي تُشكل الأساس القانوني لحق الأمل، وبموجبها يجب إعادة النظر في ملف القائد عبد الله أوجلان، مؤكدةً أن القائد أوجلان كأي سجين آخر يحق لمحاميه المطالبة بهذا الحق وإعادة تقييم العقوبة المفروضة عليه، إلا أن امتناع الدولة التركية عن تنفيذ هذا الحق يعد انتهاكاً صارخاً للقوانين، ويعكس رغبتها في سجن فكره وجسده.

وأشارت إلى أن الواقع يثبت أن الفكر لا يسجن، فقد تجاوزت أفكار وأيديولوجية القائد أوجلان حدود الزنازين وانتشرت عالمياً لأكثر من نصف قرن، ومن داخل السجن، يواصل نضاله عبر كتاباته التي تحمل رؤى متكاملة تدعو إلى الوحدة والمساواة والسلام في الشرق الأوسط، وتسهم في تشكيل جيل جديد في مجال التربية والتعليم.

وبحسب شادية أبو بكر فإن فلسفة القائد عبد الله أوجلان دفع بتركيا إلى فرض مزيد من القيود ومنع تطبيق حق الأمل، وفي هذا السياق، أصبحت قضية السلام مصدراً لتصاعد تطلعات الشعب الكردي، حيث يعد الانخراط في عملية السلام بحد ذاته إنجازاً مهماً.

ولفتت إلى أنه عقب انطلاق عملية السلام وتنفيذ خطوات بناء الثقة، بدأت الدولة التركية بالإشارة إلى الكرد في خطاباتها الرسمية، وهو تطور يعد مكسباً سياسياً للشعب الكردي، كما شهد البرلمان التركي مناقشات حول تعديل الدستور والمبادئ، وهي خطوات تبشر بمرحلة جديدة في مسار الحقوق الكردية داخل تركيا.

 

"لا بد من تكثيف الضغط للإفراج عن القائد أوجلان جسدياً"

وأكدت على أن الوصول إلى حق الأمل يتطلب تحركاً فعالاً من قبل الحقوقيين والمحامين والمواطنين، عبر تقديم مذكرات وإنشاء لوبيات ضغط تستهدف الدولة التركية، وترى أن تنظيم الاحتجاجات وتكثيف الضغط الشعبي يمكن أن يحدث تأثيراً مباشراً في دفع تركيا نحو تنفيذ هذا الحق.

وأشارت إلى ضرورة توجيه هذا الضغط أيضاً نحو المؤسسات الإعلامية والدولية، بهدف تحفيز تركيا على الالتزام بحق الأمل، بما يفضي إلى إطلاق سراح القائد عبد الله أوجلان من سجونها، داعيةً إلى إعادة ترتيب الأولويات بما يتماشى مع المبادئ القانونية الدولية، مشيرةً إلى أن الدولة التركية هي من تمارس الإرهاب، في حين أن الكرد يخوضون نضالاً مشروعاً من أجل السلام والحرية في جبالهم.

وشددت المتخصصة في القانون الدولي شادية أبو بكر في ختام حديثها على أن تركيا ما لم تواجه ضغطاً داخلياً وخارجياً، سواء سياسياً أو اقتصادياً، وما لم تعاد صياغة خارطة الشرق الأوسط، فلن تسمح بطرح قضية السلام أو الاعتراف بحق الأمل، وترى أن المصالح التجارية والسياسية بين تركيا والدول الكبرى تُشكل عائقاً حقيقياً أمام تطبيق هذا الحق، وتسهم في تعقيد مسار قضية السلام.