حق الأمل في مواجهة العزلة القانونية داخل السجون التركية
حق الأمل، الذي جرى انتزاعه من خلال قضية القائد عبد الله أوجلان، بات ملزماً وفقاً لما أقرته لجنة وزراء مجلس أوروبا، واستناداً إلى المادة 46 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن الموعد النهائي لتنفيذ هذا الحق سيكون في حزيران/يونيو 2026.

هيلين أحمد
سليمانية ـ حق الأمل، الذي أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعد الاعتراف بانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق السجناء، يعد مكسباً قانونياً جوهرياً، وبموجب قوانين حقوق الإنسان، يعاد النظر في هذا الحق من خلال مراجعة قانون السجن المؤبد، ووفقاً لهذا القانون، فإن كل سجين أمضى أكثر من عشرين عاماً في السجن يمتلك الحق في عرض قضيته مجدداً أمام المحكمة، أو المطالبة بقرار الإفراج عنه، بما يضمن عدم تحويل العقوبة إلى شكل من أشكال الإعدام البطيء أو السجن غير المحدود.
جرى نقاش واسع حول مبدأ "حق الأمل" للسجناء، خاصة بعد تعديل القانون رقم 4771 في تركيا عام 2002، الذي حول عقوبة السجن مدى الحياة إلى عقوبة مشددة، وقلص بشكل كبير فرص الإفراج المشروط أو التخفيف، هذا التعديل أثار انتقادات حقوقية، إذ اعتبر خطوة نحو إلغاء الأمل القانوني للسجناء في مراجعة أو تخفيف عقوبتهم.
وبالاستناد إلى تفسير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ عام 2000، فإن هذا النهج يعد استمراراً لانتهاك الدولة التركية لحقوق الإنسان، خصوصاً في ظل المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تنص بوضوح على أنه لا يجوز إخضاع أي شخص لعقوبة أو معاملة تمس كرامته أو شخصيته، فجوهر العقوبة وفقاً للمعايير الحقوقية، ليس الانتقام أو الإذلال، بل إعادة تأهيل السجين وتمكينه من استعادة مكانته الإنسانية والاجتماعية.
تركيا لا تتخذ أي خطوات لتحقيق هذا القانون
عند قراءة قانون "حق الأمل" في سياق قضية القائد عبد الله أوجلان، تتكشف سلسلة من الانتهاكات الممنهجة منذ لحظة اعتقاله، مروراً بمحاكمته، وتأسيس نظام سجن إمرالي الذي فرضت فيه قيود صارمة على زيارات عائلته ومحاميه، وصولاً إلى حرمانه من هذا الحق الأساسي، فالقوانين التي تحكم هذه الإجراءات صيغت من قبل السلطات التركية بطريقة تخضع العدالة لمصالح الدولة، حيث تستخدم تهمة "الإرهاب" كأداة مرنة يمكن تعديلها وتوظيفها سياسياً، لا كاتهام قانوني قائم على معايير موضوعية.
هذا النهج يعد انتهاكاً صارخاً للمادة الثانية من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، التي تنص على أن وظيفة القانون هي حماية الإنسان، لا التنكيل به أو تحويل العقوبة إلى وسيلة للانتقام السياسي، فحرمان السجين من الأمل، ومن إمكانية إعادة النظر في قضيته، يفرغ العقوبة من بعدها الإصلاحي ويحولها إلى شكل من أشكال الإعدام البطيء، وهو ما يتعارض جوهرياً مع المبادئ التي تأسست عليها الاتفاقية الأوروبية.
بعد مرور سنوات على رفض قضية القائد عبد الله أوجلان، شهد عام 2003 تعديلاً في نصوص المواد القانونية المتعلقة بالعقوبات، حيث تم تشديد القيود على إمكانية التخفيف أو المراجعة، خصوصاً في حالات الاتهام بـ"الإرهاب" أو "زعزعة أمن الدولة"، وفي ذات العام، تقدّم فريق الدفاع بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي شكّلت لجنة خاصة عام 2014 للرد على هذا الطلب، ما مهّد لبدء العمل على تطبيق حق الأمل في قضية القائد أوجلان.
ورغم هذا التطور الحقوقي، رفضت الدولة التركية الاعتراف بهذا الحق، وأعلنت بشكل صريح أن "قضية أوجلان لا تندرج ضمن إطار حق الأمل"، ويستند هذا الرفض إلى المادة 95، الفقرة 5 من الدستور التركي، التي تنص على أنه في حال تعارض بين القانون الداخلي والاتفاقيات الدولية، تُمنح الأولوية للاتفاقية، ومع ذلك، فإن تركيا، رغم كونها طرفاً في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، تواصل التنصل من التزاماتها، وتُقصي قضية القائد أوجلان من نطاق الحماية القانونية التي يكفلها حق الأمل، في خرق واضح لمبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية.
تركيا تواصل انتهاك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
في عام 1993، تم اعتقال القائد عبد الله أوجلان لفترة وجيزة من قبل جهاز الاستخبارات السوري، ثم أُفرج عنه لاحقاً، وبعد تدهور العلاقات بين سوريا وتركيا، بدأت الأخيرة بتوجيه تهديدات واتهامات لسوريا بدعم حزب العمال الكردستاني، مما اضطر سوريا لمطالبة القائد أوجلان بمغادرة أراضيها لتجنب تسليمه إلى تركيا، حيث توجه إلى دول أوروبية، وفي عام 1999 طالبت تركيا الحكومة الإيطالية بتسليمه، حيث كانت بريتا بوهلر محاميته، وقد دافعت عن براءته من التهم الموجهة إليه.
لكن في 15 شباط/فبراير 1999، تم تنفيذ عملية مشتركة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، والاستخبارات التركية (MIT)، والاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، ليتم اعتقاله في كينيا داخل السفارة اليونانية، ثم ينقل إلى مطار جومو كينياتا الدولي، ومن هناك تم ترحيله جواً إلى تركيا لمحاكمته.
وفي 29 حزيران/يونيو 1999، أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكماً بالسجن المؤبد بتهمة "الخيانة الوطنية والانفصالية"، وفي كانون الثاني/يناير 2000، تم تعليق الحكم حتى تراجعت المحكمة عن القرار، وفي آب/أغسطس 2002، أُلغيت عقوبة الإعدام في تركيا، وفي تشرين الأول/أكتوبر من نفس العام، تم تحويل الحكم الصادر بحق القائد أوجلان إلى السجن المؤبد.
وفي عام 2005، أعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تركيا انتهكت المواد 3 و5 و6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بسبب الحكم على القائد أوجلان بالسجن المؤبد دون محاكمة عادلة، لكن الدولة التركية تجاهلت هذه القوانين، ومن 27 تموز/يوليو 2011 حتى كانون الثاني/يناير 2017، مُنع محاموه من زيارته، مما أثار غضب الشعب الكردي في كل مكان، وبدأ السجناء بإضرابات احتجاجاً على عزله.
بناءً على طلب القائد أوجلان، انتهى الإضراب بعد 68 يوماً، لكنه بقي ممنوعاً من الزيارة لأكثر من عامين، من 6 تشرين الأول/أكتوبر 2014 حتى 11 أيلول/سبتمبر 2016، حين زاره شقيقه محمد أوجلان خلال عيد الأضحى، واستمرت العزلة حتى 7 آب/أغسطس 2019، حيث فرضت عزلة مشددة عليه، وبعد أكثر من أربع سنوات ونصف، أي في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2024، سُمح لشقيقه عمر أوجلان بالزيارة، عقب دعوة من دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية، الذي طالب بطرح القضية في البرلمان التركي.
حتى الآن، وقّع أكثر من 800 محامٍ من نقابات مختلفة حول العالم على حملة تطالب بحرية القائد عبد الله أوجلان، مشيرين إلى أن الدولة التركية تنتهك بشكل كامل القوانين الدولية والمحلية في تعاملها مع قضيته.
الحق في الأمل يتطلب اتخاذ خطوات مهمة
في اجتماع لجنة وزراء مجلس أوروبا بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2024، تم توجيه طلب إلى الدولة التركية بقبول قانون حق الأمل، وذلك بعد انقضاء المهلة المحددة لتنفيذ هذا الحق دون أن تُبدي تركيا أي موقف، لاحقاً، وفي اجتماعات اللجنة بتاريخ 16 و17 و18 من الشهر نفسه، ومن أجل توضيح وتقديم معلومات كاملة حول تنفيذ حق الأمل، تم تحديد مهلة نهائية حتى حزيران/يونيو 2026 للدولة التركية.
وقد تم التأكيد في القرار على أن "القانون الدولي يُظهر ميلاً نحو إنشاء آلية للمراجعة بعد السجن المؤبد الذي لا يتجاوز 25 عاماً"، وأن جميع الدول وفقاً للمادة 46 من الجزء الأول من الاتفاقية، ملزمة تماماً بالامتثال للقوانين الواردة في بنود الاتفاقية، وطالبت اللجنة السلطات باتخاذ خطوات عاجلة وهامة، ودعت إلى الالتزام السريع بحق الأمل، مشيرةً إلى أن تنفيذ هذا الحق والاستفادة من تجارب الدول الأعضاء يعد جزءاً من التغيير الأساسي في خطة النشاط الجديدة لحقوق الإنسان، وفقاً لتقييم عقوبة السجن المؤبد.
كما أن الدولة التركية، دون تقديم أي مبررات مسبقة، مُلزمة باقتراح تعديل قانوني في البرلمان، أو الاستفادة من اللجنة الديمقراطية، أو المصادقة على مسودة قانونية مقترحة من قبل البرلمانيين ضمن هذه الآليات، لذلك، وفي ختام الاجتماع، تم توجيه طلب واضح إلى السلطات التركية، وأُعلن أنه من أجل تحقيق تقدم سريع في تنفيذ مطالب هذه المجموعة، يجب تقديم تقرير نهائي حول الإجراءات المتخذة حتى حزيران/يونيو 2026.