هجرة الأدمغة النسائية محور ندوة علمية في المغرب
أوضحت مشاركات في ندوة علمية على أن الهجرة لا تتأثر فقط بالعوامل الاقتصادية بل بالديناميكيات الجندرية التي تؤثر على الفرص والتحديات التي تواجه النساء بشكل مختلف عن الرجال، داعيات لإحداث تغيير جذري في السياسات والخطابات المؤسساتية.
رجاء خيرات
مراكش ـ أجمع المشاركون/ات خلال الندوة التي نظمت بمراكش حول "الشباب والهجرة" أنه على الرغم من أن هجرة الأدمغة هي ظاهرة ذكورية، إلا أن التقارير الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء تشير إلى أن 48% من المهاجرين هن نساء.
أقامت منظمة العمل المغاربي بالشراكة مع مؤسسة "هانس زايدل"، أمس السبت السادس من تموز/يوليو بالعاصمة مراكش ندوة علمية حول موضوع "الشباب والهجرة"، ناقش خلالها فاعلون/ات وباحثون/ات ظاهرة الهجرة في صفوف الشباب وأسبابها والتحديات التي تواجهها الدول الأصلية ودول العبور والمستقبلة، كما تطرقوا إلى هجرة الأدمغة والطاقات انطلاقاً من مقاربة النوع الاجتماعي.
وقالت الأستاذة والباحثة بالمعهد الجامعي للدراسات الإفريقية والأورومتوسطية والايبيري أمريكية بجامعة محمد الخامس بالرباط أشواق شلخة إن نسبة المغربيات اللواتي طبعن مسارات ناجحة بدول الإقامة وأسهمن في رسم صورة للمرأة المغربية المثابرة مثلت رقماً شبه غائب عن ساحات البحث الأكاديمي والتقارير والدراسات، مسلطة الضوء على هجرة الأدمغة النسائية من المغرب، حيث ركزت على تجاربهن وعلى نقص منظور النوع الاجتماعي في الأبحاث الحالية لفهم ظاهرة هجرة الأدمغة.
ولفتت إلى أن الهجرة لا تتأثر فقط بالعوامل الاقتصادية بل بالديناميكيات الجندرية التي تؤثر على الفرص والتحديات التي تواجه النساء بشكل مختلف عن الرجال، مؤكدةً أن العدالة الاجتماعية تتطلب إعادة التوزيع الاقتصادي والاعتراف الثقافي عند تطبيقها على المغربيات المهاجرات وفق ما يقتضيه اندماجهن الاقتصادي في الدول المستقبلة، والاعتراف بهويتهن الجندرية ومساهمتهن الثقافية، وهو ما يدعو إلى إحداث تغيير جذري في السياسات والخطابات المؤسساتية التي غالباً ما تتجاهل هذه الأبعاد.
وفي سياق هجرة المغربيات بينت أنه من الضروري تحديد كيفية تناول هذه الخطابات في الجامعات ومراكز الدراسات وفي السياسات ومنظورها للنوع الاجتماعي، حيث يتم تغييبها بشكل كلي.
وحول تسمية "هجرة الأدمغة" قالت أشواق شلخة إن هناك العديد من المصطلحات مثل "تسريب العقول" و"هروب العقول" و"هجرة الكفاءات" وغيرها من المصطلحات، وهي كلها تعني "تحويل عالمي لموارد في شكل رأسمال بشري وسط هدر الكفاءات من المتعلمين/ات من الدول النامية نحو الدول المتقدمة، ويشمل هؤلاء إجمالاً وليس حصراً أطباء ومهندسين وباحثين وعلماء وغيرهم من الكفاءات العالية"، كما أن اليونسكو عرفتها على أنها نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي ما بين الدول، وهو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا.
وأشارت إلى أن هذه الهجرة هي مظهر معاصر للهيمنة الغربية، باعتبار أن الغرب يستفيد من كفاءات بشرية جاهزة، حيث تحملت الدول الأصلية لهذه الكفاءات نفقة التكوين والتأهيل، في حين استفادت البلدان المستقبلة من هذه الطاقات البشرية.
ولفتت إلى أن المصطلح استعمل لأول مرة في بريطانيا حول مهاجريها نحو الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية الأربعينيات من القرن العشرين بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية، مضيفةً أن هذه الظاهرة تشكل مصدر قلق بالنسبة للمغرب بحكم أنه يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث هجرة الأدمغة، وبالرجوع إلى الأرقام فإن 19% من المهاجرين حاصلون على شهادة البكالوريا بالإضافة إلى خمس سنوات أو أكثر.
وقالت إن التقرير العالمي الصادر عن منظمة اليونسكو لعام 2019 سبق له أن كشف عن المعدلات المرتفعة لهجرة الأدمغة إلى الخارج التي تشهدها كل من لبنان والمغرب، حيث يهاجر شخص من بين أربعة أشخاص من الكفاءات العالية.
وأشارت إلى أنه ينظر للهجرة على أنها ظاهرة ذكورية بالرغم من أن نسبة تأنيث الهجرة هي عالية جداً، لكنها تمر دون أن يلاحظها الفاعلون لا في المناقشات ولا في التقارير الصادرة عن الجهات المعنية بالهجرة.
وأرجعت هذا التناول للظاهرة إلى أنه ينظر للرجل ككائن اقتصادي في المجال العام، فيما ينظر للمرأة المهاجرة ككائن اجتماعي ينحصر في المجال الخاص، حيث تعود الهجرة الذكورية إلى أسباب اقتصادية، فيما يتم إرجاع الهجرة النسائية لأسباب اجتماعية، وهو ما رسخ تلك الصورة النمطية المتعلقة بالمرأة المهاجرة المنعدمة النشاط الاقتصادي والمرافقة لزوجها والمعنية بأسرتها في حدود أسوار المجال الخاص فقط، مما يجعل المرأة المهاجرة ذات الكفاءة العالية تغيب عن الدراسات الأولى للهجرة.
وعن الهجرة المغربية الحديثة أكدت أن هذه الأخيرة هي مؤنثة، حيث مرت الهجرة النسائية بعدة مراحل، فالمرحلة الأولى تعود للستينيات من القرن الماضي وسجلت حضور المرأة المهاجرة بأشكال محتشمة في إطار السياسة الغربية في لم أسرة المهاجرين والسماح بالتحاق النساء بأزواجهم، ثم المرحلة الثانية خلال السبعينيات حيث شهدت تزايداً ملحوظاً في نسبة الملتحقات بأزواجهن وبناتهم، مما نتج عنه تغير هيكلي في البنية الديموغرافية للجالية المقيمة ببلاد المهجر، ثم المرحلة الثالثة التي ارتفع فيها عدد المهاجرات بشكل منفرد خارج إطار الروابط العائلية.
ونوهت إلى أنه وفقاً لعدة دراسات فإن هؤلاء المهاجرات تحيط بهن مجموعة من الصور النمطية المجحفة والمؤذية، حيث تعتبرها بعض الدول مجرد مرافق للزوج الذي يعمل، فيما تعتبر دول أخرى أن هجرتهن بمفردهن لها غايات أخرى بعيدة عما هو مهني أو دراسي، خاصةً في الدول العربية كدول الخليج.
ودعت أشواق شلخة إلى تغيير الصور النمطية حول هجرة العقول النسائية وتسليط الضوء على دور النساء في مجتمعات الدول المستقبلة، حيث تواجه المرأة المغربية في بلاد المهجر عدداً من المعوقات التي تتأرجح بين مطالبتهن بإثبات الذات وأثبات القدرات والكفاءة، سواءً في الفضاء العام أو الخاص وسعيهن الدؤوب للتأقلم مع المجتمع الجديد والإبقاء على الأواصر الاجتماعية التي تربطها بالبلد الأم.
وعن دور الإعلام في الترويج لهذه الصور النمطية للنساء قالت إن هذا الأخير يقوم بالنشر وعن غير وعي صورة قاتمة عن المهاجرات المغربيات، فبدل أن ينقل نماذج لنساء مغربيات مناضلات ومثابرات تبوأن مناصب عليا في جميع المجالات في بلاد المهجر، يتم الترويج حتى في النقاش العمومي، لنماذج ارتبطت بـ "فضائح" تتعلق بقضايا مثل "الدعارة".
وعن "هجرة الشباب الليبي إلى الغرب "أمل أم ألم" تطرقت الباحثة في مجال الهجرة ندى أحمد سعد الصيد من ليبيا إلى أسباب هجرة الشباب الليبي التي أرجعتها إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية بالبلاد، والمخاوف الأمنية، حيث شهدت ثورة 2011غرق ليبيا في حالة من الصراع القوي والانقسام السياسي.
وأوضحت أن تلك الأوضاع أدت إلى غياب حكومة مستقرة وانتشار المليشيات المسلحة وخلق بيئة من انعدام الأمن، حيث اضطر الشباب الليبي الذي يواجه تهديدات يومية في سلامته إلى البحث عن ملجئ أمن في بلدان أكثر استقراراً.
ولفتت إلى أن استمرار انعدام الأمن أدى إلى تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات الوطنية ودفع الكثيرين إلى البحث عن الأمان والاستقرار في الخارج.
وبشأن العامل الاقتصادي أبرزت أن الاقتصاد الليبي يعتمد أساسا على عائدات النفط، حيث أدى تدمير البنيات التحتية إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب الليبي وفقاً لتقارير البنك الدولي، حيث تجاوزت نسبة الشباب العاطل عن العمل 40%، وهو ما دفع الكثيرين إلى البحث عن فرص عمل في الخارج.
وأوضحت أن الأزمة الاقتصادية أدت إلى التضخم وتقليص القدرة الشرائية، مما أدى إلى تفاقم الفقر ودفع الكثيرين للهجرة والبحث عن فرص أفضل للعيش، لافتةً إلى أنه تم تسجيل تدهور الخدمات العامة، حيث أثر الصراع المدني بشكل كبير على الخدمات العامة الأساسية، كما أن خدمات الرعاية الصحية تعاني من ضغوطات شديدة، نتج عنها حرمان فئات واسعة من هذه الرعاية.
وأكدت على أن هذه الأوضاع لن تنتهي إلا بعودة الاستقرار السياسي للبلاد وإعادة ثقة المواطنين/ات في مؤسسات الدولة، من خلال حكومة قوية قادرة على تذويب الصراعات والخلافات وإعادة الاستقرار.
وحول هجرة الكفاءات الطبية خارج المغرب، ذكر المشاركون/ات في الندوة أن 71 % من طلبة كلية الطب سبق وصرحوا أنهم يرغبون في الهجرة، وأن 63 % منهم طالبات إناث، كما غادر 7 آلاف طبيب/ـة من المغرب خلال السنوات الأخيرة، وتم تسجيل 1200 طبيب/ـة في هيئة الأطباء بفرنسا، وفق تقرير صادر عن الهيئة الفرنسية.
ولفت المتدخلون/ات إلى أن المغرب يعاني من خصاص في الأطر الطبية يصل إلى 47 ألف طبيب، كما أن هذا العدد مرشح للارتفاع خلال السنوات الأخيرة، وهو ما اعتبره المتدخلون معضلة حقيقية سيدفع المغرب ثمنها في السنوات المقبلة.
وأضافوا أن 6 ملايين مغربي هاجروا نحو أوروبا، 60% منهم شباب، بينما تمثل النساء 44%، و33% منهم من ذوي الكفاءات العالية.
واختتم المشاركون/ات في الندوة اللقاء بمجموعة من التوصيات الهامة من بينها تحديد ومعرفة الأدمغة المهاجرة في الحقل الرقمي من أجل تعزيز ارتباطهم بوطنهم الأم واستثمار نشاطهم الرقمي بما يخدم قضايا الشأن العام المغربي، فضلاً عن سن استراتيجيات لمحاولة استرجاع الكفاءات المغربية والعودة للوطن أو التعاون مع القطاعات المعنية بنفس الهدف للاستفادة من الكفاءات والاختراعات والابتكارات لصالح الزراعة والصناعة والتكنولوجيا.
ودعوا إلى محاربة التمييز والصور النمطية ضد المهاجرات، بالإضافة إلى النهوض بمختلف أشكال الاندماج السوسيو اقتصادي، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لإرساء إجراءات آنية، وإرساء سياسات استباقية تأخذ بعين الاعتبار إمكانية وجود ترابط بين التغيرات المناخية والهجرة.
وطالبوا بتوفير دليل أكاديمي لتحديد مصطلحات تتعلق بالهجرة وضم مضامينها بشكل موضوعي يخدم المصالح الوطنية للدول المعنية بالهجرة وضمان حقوق المهاجرين/ات بجميع أصنافهم، إضافة إلى تبني النهج الوقائي لترميم تدفقات المهاجرين واللاجئين عبر الحدود وإرساء أسس التنمية المستدامة وحل النزاعات بين الدول كما شددوا على ضرورة ملاءمة التشريعات الوطنية مع القواعد الدولية المتعلقة بالهجرة.