غزة... تدهور أوضاع النساء الحوامل جراء استمرار الهجمات

أكدت الطبيبة هيا حجازي أن معاناة النساء الحوامل تتفاقم في ظل التدمير الممنهج للمشافي والقطاع الصحي، وقلة الإمدادات الطبية والعلاجية، جراء الهجمات على قطاع غزة.

نغم كراجة

غزة ـ تعيش النساء الحوامل مأساة حقيقية في ظل القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وانهيار المنظومة الصحية ونقص الإمدادات الطبية والعلاجية والغذائية، بالإضافة إلى نقص وسائل نقل آمنة للوصول إلى المشافي والعيادات.

تقول حنين الكفارنة من مخيم جباليا في شمال قطاع غزة حامل في شهرها التاسع أنها رأت الموت عدة مرات أثناء نزوحها ومحاولة وصولها لأقرب مشفى "بدأت علامات الطلق علي مع بدء الغارات على القطاع، ولتتلاشى وتختفي رويداً رويداً نتيجة خوفي الشديد من اقتراب أصوات الغارات الجوية وانتشار الدخان الأسود في كل مكان، حيث أنني أقطن في الشمالي الغربي من القطاع ولم أستطع الفرار مباشرةً بسبب انعدام وسائل النقل الآمنة".

وأوضحت أن مشاعر القلق والذعر بدأت تزداد كل دقيقة حتى استطاعت عائلتها إخلاء منزلهم بعد تعرضهم لعدة استهدافات "تمكنت من الوصول إلى المناطق الجنوبية لكن المشكلة تكمن في أن علامات الولادة قد عادت لكن بشكل أشد، اضطررنا للبحث عن مشفى قريب، لكن من المؤسف أن غالبية المشافي قد خرجت عن الخدمة ولم يبقى سوى مجمع الشفاء الطبي الذي لم يستقبل حالتي باعتبار أن هناك حالات طوارئ ذات أولوية قصوى".

بعد مكوثها ثلاث أيام في صالة الانتظار أعلن مشفى الشفاء الطبي نقل خدماته إلى مشفى آخر لعدم استيعابه هذه الأعداد الكبيرة والمتزايدة في ظل انعدام الرعاية الصحية، والنقص الحاد في العلاج والمواد الطبية الضرورية، وحول ذلك بينت "بعد معاناة شديدة انتقلت إلى مشفى آخر وأنا ألتقط أنفاسي بصعوبة ولا أحد من أسرتي يقف بجانبي، فبسبب استمرار القصف لم تستطيع والدتي المجيء وإسنادي في هذه الأوضاع الصعبة".

واجهت حنين الكفارنة عدة مشكلات صحية نتيجة انعدام المتابعة والفحوصات كذلك عدم توفر علاجها داخل الصيدليات في القطاع، بسبب الانقطاع التام للبضائع جراء استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر ومنع إدخال أي شاحنات، وقالت "تدهورت حالتي النفسية عند عجزي للوصول لأقرب مشفى ومخاوفي من فقدان الجنين الذي لم أتمكن من الاطمئنان عليه لشهر كامل، وحالياً أجري العديد من التحاليل للتأكد من سلامتنا".

وأوضحت أنها لا تعرف إلى أين ستذهب هي بطفلها بعد ولادتها لأن مركز الإيواء التي نزحت إليها تفتقر للاحتياجات المعيشية من عدم صلاحية المكان وخلوه من المياه النظيفة والكهرباء حتى الطعام بات أمراً مستحيلاً الحصول عليه، هناك مشاعر رهبة وتوتر لا أستطيع وصفها وشرحها.

وبدورها أكدت طبيبة واستشارية النساء والتوليد هيا حجازي أن "النساء الحوامل تعانين من تدهور أوضاعهن الصحية والنفسية جراء استمرار الحرب وعدم تمكنهن من مراجعة حالاتهن والاطمئنان على الأجنة خاصةً أن البعض منهن تعانين من الأمراض المزمنة وتستدعي حالتهن المتابعة الفورية"، مضيفةً "نبذل قصارى جهدنا باستخدام الموارد والإمكانيات المتاحة لتقديم الخدمات للحالات ذات أعلى درجة من الخطورة خاصة أن غالبية اللواتي تأتين إلى المشفى تستدعي حالاتهن ولادة مبكرة".

وأشارت إلى إن أوضاع الحرب القائمة تفرض قيوداً كبيرة على حركة الأهالي، مما يجعل من الصعب الوصول إلى المشافي والعيادات للحصول على الرعاية الصحية اللازمة، مما يُعرض النساء الحوامل لمخاطر صحية جسيمة، ونظراً لصعوبة وصولهن إلى الفحوصات الروتينية والعناية اللازمة خلال فترة الحمل وبالإضافة إلى ذلك، اضطر بعضهن إلى الولادة في بيئات غير مناسبة وآمنة كالمدارس والبيوت المستضافة بها بسبب تعسر الوصول إلى المرافق الطبية مما يُعرض حياتهن للخطر وكذلك الأجنة.

وأوضحت أن "النساء الحوامل في غزة تحتجن إلى حوالي 300 مل من السوائل لدعم نمو أطفالهن الذين لم يولدوا بعد، وبالرغم من ذلك تفرض إسرائيل حصاراً شاملاً يحول دون قدرتهن الحصول على مياه نظيفة وتغذية صحية، بالإضافة إلى توقف تشغيل جميع محطات تحلية المياه بالكامل وهذا يلقي بظلاله على صحة النساء الحوامل ويزيد من مخاطرهن أثناء عمليات الولادة وما بعدها".

وعن الصعوبات التي تواجه النساء الحوامل في الحصول على الأدوية والفيتامينات اللازمة قالت إن "أوضاع الحوامل مروعة ومزرية للغاية حتى بعد ولادتهن، لا تتوفر العلاجات المطلوبة لها ولجنينها، وتكمن المعضلة الكبرى عند المرأة التي تلد ولا تجد مكاناً تمكث فيه بعد خروجها من المشفى نظراً لأن كافة الحوامل اللواتي نستقبلهن نازحات من مراكز الإيواء، فلا يعقل أن تعيش المرأة وجنينها في بيئة غير لائقة وملائمة لظروفهم".

ونوهت هيا حجازي إلى أن "عدد كبير من النساء الحوامل تعرضن للإجهاض وللولادة المبكرة والبعض منهن تفقدن أجنتهن نتيجة القصف المتواصل والخوف والركض في الشوارع أثناء إخلائهن لمنازلهن، واستنشاقهن لغازات القنابل الفسفورية التي يقذفها الاحتلال الإسرائيلي في سماء القطاع".

وحذرت من تعرض النساء بعد ولادتهن إلى مضاعفات خطيرة بسبب الإهمال الصحي وعدم متابعتهن، ونقص العلاج اللازم لمداوتهن وسوء البيئة التي تعشن بها، هذا الخطر أيضاً يلحق بالأجنة التي تستدعي حالاتهم رعاية وحضانة كاملة خاصة الذين يولدون مبكراً أي قبل الشهر التاسع.

وأشارت إلى أن مشفى الشفاء الرئيسي الذي يضم كافة الأجهزة والإمكانيات المطلوبة لجميع حالات النساء الحوامل خرج عن الخدمة تماماً، بسبب تكدس النازحين في كافة الأقسام ونفاذ الوقود وقلة الأدوات الطبية والعلاجية "في بداية الحرب كان مجمع الشفاء الطبي يستقبل حالات الطوارئ فقط لعدم جهوزية غرف عمليات الولادة بشكل تام لكن الأمر خرج عن السيطرة واضطررن لنقل قسم الولادة إلى مشفى آخر لديه مساحة كافية لاستقبال النساء حتى نتمكن من تقديم خدماتنا لأكبر عدد ممكن من الحوامل".

وأوضحت أن المشفى الطبي بات ملاذاً للنازحين ويستقبل القتلى والجرحى فقط، ويفتقر للموارد الأساسية من كهرباء وماء وإمدادات إغاثية وصحية "المشاهد التي نراها في مجمع الشفاء كارثية بشكل غير مسبوق ولا نعلم ماذا ينتظرنا في الأيام المقبلة إن استمر القصف الإسرائيلي على قطاع غزة".

وتبعاً للظروف الراهنة التي شملت إغلاق العيادات الحكومية والخاصة وصعوبة الوصول إلى الكوادر الطبية، أطلقت هيا حجازي مبادرة إنسانية بجهودها الفردية تمثلت في استقبال استشارات واستفسارات النساء الحوامل ومتابعة أوضاع الحمل ومراحله بشكلٍ مجاني "الوضع الحالي سيء من جميع الجوانب الصحية والاقتصادية، لذلك توجب عليّ إيجاد حل بديل مؤقت يخدم الحوامل وسط الحرب الهمجية التي تعصف بالقطاع".

وأوضحت أنها تقوم بمساعدة النساء الحوامل اللواتي تواجهن ضائقة مالية جسيمة وذلك من خلال شراء الأدوية والفيتامينات اللازمة وتوفير سلات غذائية وملابس لهن ولأطفالهن من خلال طرح مناشداتهن عبر صفحاتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي التي تضم آلاف المتابعين من الداخل والخارج بسبب سوء الأحوال المادية التي يمر بها الشعب الفلسطيني.

ودعت المجتمع الدولي والإنساني بالتدخل الفوري والعاجل لوقف التدمير الممنهج للقطاع الصحي، والسماح بإدخال الإمدادات الإغاثية والطبية والوقود حفاظاً على أرواح ما تبقى من الأفراد "نشدد على ضرورة إسراع المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية بتقديم الدعم والرعاية الصحية الكافية للنساء الحوامل من أجل إنقاذ حياتهن وأجنتهن".

وبين مكتب الإعلام الحكومي عدد النساء الحوامل في قطاع غزة التي تبلغ حوالي 55,000 امرأة حامل، من بينهن حوالي 5,500 امرأة متوقع أن تلدن أطفالهن خلال الأسابيع القادمة في ظروف صعبة للغاية، ومعظم الحالات معرضة للخطر والتهلكة نتيجة مكوثهن في مخيمات اللجوء ومراكز الإيواء الغير صالحة للعيش بها وخالية من مواد التنظيف والتعقيم.