ناشطات تسلطن الضوء على المشاركة السياسية للنساء بمهرجان الكتاب الأفريقي
لتسليط الضوء على مشاركة النساء، من خلال النصوص التي تكتبنها أو تجاربهن السياسية انطلقت فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الكتاب الأفريقي بمراكش والذي سيستمر على مدى يومين.
رجاء خيرات
مراكش ـ أجمعت مشاركات خلال افتتاح الدورة الثالثة لفعاليات مهرجان الكتاب الإفريقي على أن النساء لا زلن تجدن صعوبات كثيرة وتخضن تحديات كبيرة للوصول إلى مراكز صنع القرار بسبب هيمنة العقلية الذكورية.
انطلقت فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الكتاب الأفريقي، أمس الخميس 30 كانون الثاني/يناير بمراكش والذي سيستمر إلى يوم الأحد الثاني من شباط/فبراير القادم، بندوة سلطت الضوء على مشاركة النساء، من خلال النصوص التي يكتبنها أو التجارب السياسية التي تخضنها في القضاء على الصور النمطية، وتقليص الفوارق بين الجنسين من خلال الانخراط في دوائر صنع القرار.
وقالت الكاتبة ووزيرة العدل الفرنسية السابقة كريستيان توبيرا، إنه لا يمكن إنكار أن الرجال يهيمنون على السلطة، ويمتلكون كل الأدوات التي تخول لهم الانفراد بصنع القرار السياسي، حتى مع وصول نسبة مهمة من النساء إلى مراكز مهمة، فإنه يتم إبعادهن عن تقلد المناصب العليا.
وأشارت إلى أن هؤلاء النساء لا تتعدى أدوارهن في المشاركة فقط وأحياناً في الالتزام والموافقة على ما تمليه القرارات الذكورية في دوائر صنع القرار، مؤكدة أن ذلك يسري على كل المجتمعات بما فيها الديمقراطية.
وبشأن طبيعة المجتمعات الباطرياركية (ذات النظام الأبوي) وتملك السلطة ذكرت أن هذه الأخيرة يملكها الرجال، باستثناء المرحلة الأمومية أو الأميسية (حيث كانت السلطة بيد النساء) والتي تشوبها الكثير من علامات الاستفهام بحسب بعض الأنتربولوجيين أنفسهم.
وأشارت إلى أن النساء في النظام الأبوي غير مرحب بهن، حيث ما إن تقتحمن الفضاء السياسي حتى تواجههن الكثير من العراقيل والإكراهات التي تحول دون إسماع أصواتهن وفرض آرائهن وتصوراتهن الخاصة.
وأوضحت أنه انطلاقاً من تجربتها السياسية أدركت أن هناك عقلية ذكورية لازالت تحارب النساء "كم مرة وقفت على حقيقة مفادها أن الأرضيات التي نسير عليها في مجتمعاتنا مليئة بالأحجار والحواجز التي تحول دون سير النساء بكعوب عالية، إنه أشبه بنكتة لكنه حقيقة لا محيد عنها".
وخلصت إلى أن مفهوم السلطة في حد ذاته وبنية السلطة نفسها ذكورية بامتياز، حيث تخضع لهيمنة الرجل، وهو ما يدفع النساء اللواتي تعملن في الحقل السياسي إلى خوض معارك يومية طاحنة من أجل التصدي لهذه السلطة، في حين أن نساء أخريات تخضعن للعقلية الذكورية وقد تدافعن عنها وتكرسنها".
وحول تكوينها وتأثرها ببعض الفلاسفة والمفكرين، أشارت إلى أنها تأثرت ببعض الكتاب الفلاسفة الفرنسيين، في فترة السبعينيات، مثل سيمون دي بوفوار، وجون بول سارتر، وألبير كامي، خاصة النزاعات الفكرية بين سارتر وكامي حول العنف والعنف الثوري، كما أن قراءاتها لبعض الكتب مثل "la parole aux négresses" للباحثة السنغالية في الانتروبولوجيا "أوا تيام" مكنها من التعرف على النضال النسوي وعمق وعيها بالقضية النسائية، خاصة حين يتعلق الأمر بنساء عانين الظلم والقهر بسبب الجنس والطبقة الاجتماعية وكذلك العرق، لكونهن نساء ببشرة سوداء.
وعن الالتزام السياسي وانخراطها في الحياة السياسية، قالت إن التدريب الذي تلقته منذ كانت طالبة بباريس، جعلها تدرك أهمية الالتزام نحو مجموعة من القضايا وعلى رأسها قضية المرأة.
وعن إبعاد النساء الأفريقيات من دوائر القرار وما إذا كان ذلك قد أخر النهوض بأوضاعهن أشارت إلى إن هؤلاء لسن وحدهن من تم إقصاؤهن، بل إن ذلك يطال النساء الآسيويات والأوروبيات، وبشكل عام فإن النساء اللواتي تشكلن نصف المجتمع مغيبات عن المشاركة في تنظيم المجتمع.
وأكدت أنه ينبغي أولاً الوعي بهذا الوضع ثم اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته، حيث هناك نساء تقمن بذلك، رغم وجود حيل ذكورية تحول دون ذلك، وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه الحيل أو الخطط ينفذها رجال، لكنها تخص كذلك نساء يتم إدماجهن في دوائر القرار من أجل تكريس هذا النظام السلطوي.
ودعت النساء إلى السعي لامتلاك السلطة لأنها الأداة الناجعة من أجل التغيير، بحكم التجارب الاجتماعية والتراكمات التي راكمنها عبر تاريخهن، لافتة إلى أن رجال الأعمال أنفسهم الذين يتحكمون في الاقتصاد يخوضون غمار السياسة لأنهم يدركون أهمية وضع قوانين تخدم مصالحهم الاقتصادية، وبالتالي فالنساء مطالبات باقتحام المجال السياسي وامتلاك السلطة.
كما أكدت أن ما يميز النساء ليس الخصوصية الجندرية أو الفيزيولوجية التي تختلف عن الرجل، بل هو التراكم في التجربة النسائية والذاكرة الجمعية وما تعرضت له تاريخياً من نظام القمع والإقصاء والهيمنة، وهو الإرث الذي ينبغي تقاسمه وتمريره.
وبدورها اعتبرت وزيرة التعليم المغربية الفرنسية نجاة فالو بلقاسم، أن السؤال حول الإلهام والالتزام حول مجموعة من القضايا الأساسية في المجتمع، وعلى رأسها قضية المرأة نابع في جانب منه، من تجارب شخصية كعلاقتها بأمها.
وأوضحت أنه فيما يتعلق بتجربتها، وهو ما تحدثت عنه في الكتاب الذي نشرته حول هذا الموضوع والذي يحمل عنوان "الحياة لديها خيال أكثر منك"، والذي تم أخذ عنوانه أيضاً بشكل مباشر من عبارة كانت أمها تقولها لها دائماً عندما كانت طفلة "لا تقلقي فالحياة لديها خيال أكثر منك".
وأوضحت أنها استمدت هذا "الغضب" من تجربة والدتها في الحياة والقيود التي ُفرِضت عليها، وكذلك افتقارها إلى الاستقلالية، وما إلى ذلك، حيث سعت إلى تحقيق العدالة لها وإنصافها، ومن ثم جعل الأمور تحدث بشكل مختلف لنفسها وللجيل القادم.
وذكرت أن الالتزام بهذه القضايا الإنسانية والدفاع عنها يأتي من ذلك البعد الحميمي للالتزام نفسه والذي يكون قد تغذى من تجارب خاصة في مرحلة الطفولة، ثم يأتي بعد ذلك النضج الذي يقود إلى الالتزام الكوني، والذي ليس بالضرورة، كونياً لجميع الناس حيث يتعين التأكد من أن جميع الأصوات مسموعة، وعلى رأسها أصوات النساء.
ولفتت إلى أن الفئات التي تعيش التهميش والإقصاء في المجتمع، لا تستطيع أن تروي قصصها، وهو ما ينطق على النساء، ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ فإن هناك فئات أخرى تأتي لملء هذا الفراغ الذي تتركه النساء بحديث آخر.
وقالت في هذا الصدد، إن النساء لا تسمع أصواتهن ولا قصصهن، مشيرة إلى أن ذلك يعد تراثاً تاريخياً سيستغرق وقتا طويلاً جدا للطعن فيه وتجاوزه، حيث هناك عدد قليل من القصص والخيالات النسائية التي من شأنها أن تترسخ وتفرض نفسها لكي تصبح جزءاً من تراثنا الإنساني المشترك.
وأكدت إنه كنتيجة لذلك فإن الخطابات هي خطابات ذكورية إلى حد ما، وأن الخطاب له أهميته وقوته، لأنه هو من يخبر الناس ما هو جيد، وما هو سيئ وما هو عادل وما هو غير عادل في المجتمع "من هنا نستطيع أن نضع عدداً معيناً من قواعد العيش المشترك، علاوة على ذلك فإن هذا الخطاب الذكوري للغاية حتى لو احتل كل المساحة، يأتي ليخبرك بما تفضله النساء على سبيل المثال، فإن الخطاب والخيال الذكوري هو الذي شكّل منذ زمن طويل الصورة التي لدينا اليوم عن الطريقة التي تحب النساء أن يتم مغازلتهن بها، وما هي طبيعة العلاقات بين الرجال و النساء التي تناسبهن وما إلى غير ذلك".
وحول الصعوبات التي تواجه النساء المهاجرات في الوصول إلى مناصب عليا، قالت إن ذلك يرتبط بمدى القدرة على تكسير الأسقف الزجاجية، والتي لا توجد فقط في المجال السياسي، بل هي موجود في كل المجالات، في السياسة والمؤسسات الخاصة والإدارات العليا.
وأشارت إلى أن هذه الأسقف الزجاجية تُطبَق على النساء وعلى المهاجرين وبالتالي فكلما تمكنت امرأة من كسر هذا السقف، فإن ذلك يعتبر بمثابة رسالة موجهة للآخرين لحثهم على أن بإمكانهم الوصول إلى مناصب عليا، ومع ذلك فإن وصولها لمنصب وزارة التربية الوطنية لم يكن من شأنه أن يغير شيئا، بالنسبة لها إلى جانب نساء أخريات تحاربن من أجل الوصول لمناصب مهمة في عدة مجالات "عندما كنت وزيرة مضيت إلى أبعد مما أعتبره رمزاً حيث اتخذت بعض التدابير والإجراءات من أجل تعيين نساء في مناصب مهمة كلما سنحت الفرصة بذلك من أجل تحقيق المناصفة".
وخلصت إلى أن الوصول إلى منصب عال بالنسبة لامرأة مهاجرة يبقى غير كاف من أجل إلهام نساء أخريات، حيث ينبغي الانخراط في تغيير القوانين والقواعد داخل النظام السياسي العام حتى يكون أكثر مرونة بالنسبة للنساء.