"بانيل وأداما" فيلم يجسد تمرد المرأة الإفريقية وتطلعها للحرية والمساواة
سلط الفيلم الراوئي الطويل "بانيل وأداما" للمخرجة السينغالية رأماتا تولاي سي، الضوء على المرأة الإفريقية القوية التي لا تخضع للأعراف والتقاليد البالية، وتتوق للحرية بعيداً عن النمط التقليدي.
رجاء خيرات
مراكش ـ أكدت المخرجة السينغالية أماتا تولاي سي أن المرأة الإفريقية رغم معاناتها من عدم المساواة بينها وبين الرجل شأنها شأن العديد من النساء الإفريقيات، إلا أنها اليوم تحتل مناصب مرموقة في المجتمع، وحتى خارج الحدود فقد أثبتت نفسها بكل تأكيد.
تشارك المخرجة السينغالية رأماتا تولاي سي في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته العشرين، بفيلمها الروائي الطويل "بانيل وأداما"، سلطت فيه الضوء على رغبة النساء الإفريقيات المتعقلة في الانطلاق والبحث عن حياة أفضل وفق القناعات التي تحملنها.
تدور أحداث الفيلم حول امرأة تدعى "بانيل" تعيش في قرية بشمال السينغال برفقة زوجها "أداما" امرأة حرة متمردة على كل الأعراف والتقاليد وتتوق للحرية بعيداً عن النمط التقليدي للعيش الذي تحاول عائلة زوجها و عائلتها فرضه عليها، تقنع زوجها بأن يرحلا إلى مكان قريب من القرية ليقيما هناك لوحدهما دون ضغوط من كلتا العائلتين، ليعيشا الحياة التي يتطلعان لها، ترافقه كل يوم وتساعده في رعي الأبقار ثم يتوجهان نحو بيتهما الجديد الذي يعملا فيه من أجل أن يصبح صالحاً للسكن، لكن ظروف الطبيعة القاسية و توالي مواسم الجفاف تجعل الوضع معقداً للغاية، حيث تنفق كل البقرات بسبب شح الأمطار وانعدام الكلأ، ويموت الزرع، فيصاب الزوج كغيره من سكان القرية باكتئاب حاد، ليتخلى عن حلمهما بالعيش بعيداً لوحدهما.
تقاوم "بانيل" قدر المستطاع وتثور في وجه زوجها متهمة إياه بالتخاذل والضعف والجبن، لكنه ينهار ويتركها لوحدها دون أن يقوى على فعل أي شيء، فتقرر أن تخرج وسط إعصار قاس ألم بالقرية لتلقي نظرة على آخر ما تبقى من البيت الذي حلما سوياً بأن يسكنا فيه.
وعلى هامش المهرجان قالت المخرجة ماتا تولاي سي إن المرأة السينغالية والأفريقية بشكل عام استطاعت أن تثبت نفسها في شتى المجالات، لافتةً إلى أنها على الرغم من كونها لازالت تعاني من عدم المساواة بينها وبين الرجل شأنها شأن العديد من النساء الأفريقيات، إلا أنها اليوم تحتل مناصب مرموقة في المجتمع، وحتى خارج الحدود فقد أثبتت نفسها بكل تأكيد.
وحول شخصية بانيل داخل الفيلم، تلك المرأة القوية التي لا تخضع للأعراف والتقاليد القبلية في القرية، أضافت أنها لم تشأ أن تصور في فيلمها "بانيل و أداما" المرأة الإفريقية الضعيفة الخنوعة المستسلمة، بل أرادت أن تعطي شكلاً آخر لامرأة قوية تتوق للحرية، امرأة عنيفة أحياناً وأنانية أحياناً أخرى، لكن كل ذلك بسبب الأفكار السائدة في المجتمع الذي يحرمها من أبسط الحقوق، مؤكدةً أنها أردت أن تعطي شكلاً مختلفاً للنساء الإفريقيات بدل الصور النمطية المعتادة التي تصورهن كضحايا للفكر الذكوري.
وعن أسباب اختيارها لشخصية الزوجين وما إذ كانت موجودة في الواقع قالت "غالباً ما يطرح علي هذا السؤال، لكني أؤكد أنني لا أعرف إن كانت هناك نساء كثيرات مثل بانيل، كل ما أعرفه أن هذه الشخصية كانت تعيش في داخلي وأردت أن أخرجها للعلن ففكرت في أن أنجز فيلماً حولها حتى أسمع صوتها المخنوق.
وحول السلوك العنيف الذي أظهرت فيه بانيل في عدة مشاهد وهي تقتل الطيور والزواحف بعنف وتخاطبهم قائلة "لا أحد يهرب من قدره"، أوضحت أظهرت ذلك لأكشف للجمهور شحنة الغضب التي كانت داخل الشخصية والتي كانت تعبر من خلالها عن كل ما يدور بداخلها، حيث أنه لم يكن مسموحاً لها المنطق القبلي الذي تعيش فيه أن تفصح عن مشاعرها.
وأشارت إلى أن السينما المغربية بتوقيع نسائي سواء تعلق الأمر بالمواضيع والقضايا التي تناولتها أو المخرجات اللواتي بصمن وجودهن بأعمال مميزة، تعرف طفرة نوعية يؤسس لها جيل من المخرجات الشابات اللواتي استطعن أن تطرحن قضايا راهنة ومهمة، برؤية إخراجية وفنية جيدة، مثل أسماء المدير التي قدمت فيلماً جيداً مثل "كذب أبيض" وصوفيا العلوي، ومريم التوزاني وأسماء كثيرة لا يتسع المجال هنا لذكرها استطعن أن تحصلن على جوائز عالمية في الإخراج.
وعن دور السينما في النهوض بأوضاع النساء وتوعيتهن بحقوقهن، أكدت أن السينما النسائية من خلال تناول قضية المرأة بشكل عام، من شأنها أن تفتح النقاش حول مكانة المرأة داخل المجتمع والتحولات التي تعيشها، كما تدفع للتفكير في هذا الاتجاه، وهذا في حد ذاته إنجاز لا يمكن إنكاره بأية حال، مشيرةً إلى أن "لا يمكنني الجزم إن كان ذلك من شأنه أن يغير شيئاً في الواقع، لكن على الأقل فهو يفتح نقاشاً مهماً بذلك".
نشأت المخرجة الشابة راماتا تولاي سي في ضواحي باريس بفرنسا، والتحقت بالمدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت "فيميس" في عام 2011، بقسم السيناريو، تخرجت عام 2015، وعملت ككاتبة سيناريو في فيلم "سيبيل" عام 2018 الذي أخرجه كل من عاجلا زينسيرسي وغيوم جيوفانيتي، وكذلك في فيلم "سيدة النيل" في عام 2019 لعتيق رحيمي، وفي عام 2020 أخرجت راماتا تولاي فيلمها القصير الأول "استيل" الذي عرض في 80 مهرجاناً وترشح للاختيار الأول لجوائز سيزار لعام 2023، أما "بانيل و أداما" هو فيها الروائي الطويل الأول.