عائلة طيبت إنان تنتظر تحقيق العدالة منذ ثمانية أعوام
مرت ثمانية أعوام على مقتل الأم طيبت إنان أثناء فترة حظر التجول في منطقة سلوبي، وظلت جثتها في الشارع لمدة 7 أيام، ولا تزال عائلتها تنتظر تحقيق العدالة لكن لم يكن هناك أي رد من المحكمة الدستورية التركية.
ساريا دنيز
مركز الأخبار ـ قُتلت طيبت إنان البالغة من العمر (57 عاماً) برصاصة الشرطة التركية أثناء فترة حظر التجول في منطقة سلوبي بمدينة شرناخ في شمال كردستان، وبقيت جثتها 7 أيام بلياليها في الشارع دون أن يتمكن أحد من إنقاذها.
في 14 كانون الأول/ديسمبر 2015، أعلن حظر التجول في منطقتي الجزيرة وسلوبي في مدينة شرناخ واستمر لمدة 38 يوماً، ارتكبت خلالها انتهاكات لحقوق الإنسان ستبقى في الأذهان طوال السنين، فقد قُتل 68 شخصاً تتراوح أعمارهم ما بين 11 ـ 75 عاماً بينهم سياسيات كرديات مثل السياسية بكيزا ناير، فاطمة أويار، سيفي دمير، ودُمر أكثر من 500 منزل.
كل من يقترب من جثمانها يُقتل
لقد استخدمت تركيا دائماً مفاهيم السلام والأخوة ضمن القواعد والحدود التي رسمتها، كما أنها اضطهدت الشعب الكردي طوال تاريخها بأيديولوجية "علم واحد، أمة واحدة، دولة واحدة"، وأعادت أيضاً تشكيل "النزعة المحافظة" أو التعاليم الدينية، والتي عززتها من خلال حزب العدالة والتنمية.
وبقي جسد طيبت إنان، التي قُتلت على يد القناصة أثناء عودتها إلى منزلها في اليوم الخامس من حظر التجول، وسط الشارع لمدة 7 أيام، وظل أطفالها يراقبون جثتها لمنع الحيوانات من الإضرار بها، كما أن الجرح الذي سببه مقتلها لم يلتئم أبداً.
وتم إطلاق النار على الأشخاص الذين حملوا رايات بيضاء وحاولوا جلب جثتها، وقُتل صهر طيبت إنان وأصيب زوجها في كتفه، وكانت كلماتها الأخيرة عندما كانت جريحة ملقاة على الأرض "أشعر بالبرد والعطش الشديدين"، وقال أقاربها الذين سبق أن تحدثوا لوكالتنا عن تلك الأيام "لم يتمكن أي منا النوم، كنا نخشى أن تأتي الكلاب، أو الطيور وتعبث بجثمانها، كانت هي نائمة، ونحن كنا نموت على بعد 150 متراً منها... الدولة سببت لنا ألماً كبيراً على مدى 7 أيام و7 ليال".
وتم الاحتفاظ بجثمانها 16 يوماً في براد المشفى، ومن ثم قامت الشرطة بتسليم الجثة إلى قائمقامية سلوبي بدون إخطار ذويها، وبعد 23 يوماً دفنت في مقبرة منطقة يني شهير من قبل 8 أشخاص.
كانت حياتها مليئة بالألم
كانت حياة الأم طيبت إنان مليئة بالألم، إذ هاجرت عائلتها من قرية شيزاي في سلوبي إلى مركز المدينة في عام 1988 بسبب الضغوطات التي واجهتهم، وقبل إكمال عام واحد في المنطقة، اعتقلت الشرطة عمر ابن طيبت إنان وشقيق زوجها أفدي إنان أثناء مداهمة منزليهما، ونقلت ابنها إلى إيلازيغ وعمه إلى سجن في مدينة ماردين، وفي عام 1993 فقد كل من طفليها أسمر إنان وبوطان إنان وثلاثة من أبناء إخوتهم الذين تتراوح أعمارهم بين 4 ـ 12 عاماً، حياتهم نتيجة انفجار لغم في مدينتهم.
وبينما كان الأطفال في حالة حداد، داهمت شرطة العمليات الخاصة منزل عائلة إنان وتم احتجاز زوج طيبت إنان ونقل إلى المكان الذي احتجز فيه شقيقه وأطلق سراحه بعد 11 شهراً من السجن، وألقي القبض عليه مرة أخرى بعد بضعة أشهر من الإفراج عنه وقضى ما مجموعه 3 أعوام و9 أشهر في السجن.
لم يُعاقب أحد
بعد مقتل طيبت إنان، لم يتم اتخاذ أي إجراء في ملف التحقيق وأصدر مكتب المدعي العام "أمر تفتيش دائم" لتحديد هوية الجناة في عام 2020، لكن هذا اعتبر انعكاساً لعدم الحسم والإفلات من العقاب. حتى الآن، لم يتم إحراز أي تقدم في ملف التحقيق بينما زعمت إدارة شرطة سلوبي في رسالتها التي وجهتها إلى مكتب المدعي العام أنها كانت على علم بالحادث بعد 6 أيام.
وادعى مكتب المدعي العام، رداً على وزارة العدل التركية، أنه لا يمكن أن يكون قد أطلق النار على طيبت إنان من قبل قوات الأمن، وفي الدعوى المرفوعة ضد وزارة الداخلية، زعمت الوزارة في دفاعها أن ما حدث كان "نتيجة إجراءات حتمية لحماية حياة طيبت إنان وأقاربها"، كما رُفضت القضية المرفوعة أمام محكمة ماردين الإدارية.
وذكر رمضان دمير، أحد المحامين المكلفين بالملف، أن ملف التحقيق في مقتل طيبت إنان وبقاء جثتها في الشارع لعدة أيام، أُغلق عام 2020 بعد تغيير العشرات من المدعين العامين ودون اتخاذ أي إجراء للعثور على الجناة.
وقال "على الرغم من الطلبات العديدة التي قدمناها إلى النيابة العامة، إلا أن الأخيرة استندت إلى المعلومات التي قدمتها الشرطة واتخذت قرارها دون التحقيق في أي أدلة جديدة وملموسة ودون رؤية مسرح الجريمة أو الاستماع إلى أقوال العائلة التي شهدت الجريمة".
وأشار إلى أن "مذكرة التفتيش الدائم" الصادرة عن مكتب المدعي العام هي "الحجر الأول الذي وضعه مكتب المدعي العام للإفلات من العقاب، كما اتخذت المحكمة الإدارية أيضاً "بيان الدولة" كأساس لها وقررت رفض القضية".
ولفت إلى أنه "لا نعرف كيف توصل القضاة الذين كتبوا هذا القرار إلى استنتاجهم، فإن كتابة قرار بهذا القدر من انعدام الضمير في مواجهة حدث وقع أمام أعين العالم أجمع تظهر وجهة نظر السلطات القضائية وكافة أجهزة الدولة تجاه الحادثة. هذه الحادثة تؤكد مرة أخرى أن المحكمة اتخذت موقفاً يقضي بتبرئة الدولة بدلاً من تحقيق العدالة للقتلى. لقد رفعنا هذه التوجهات من مكتب المدعي العام والمحكمة الإدارية إلى المحكمة الدستورية، لكن لم يتم اتخاذ أي قرار بعد".
"الرصاص طيور
كانت بشرتكِ القطنية مليئة بالحب، وكان شعركِ الرمادي مليئاً بالعاطفة
كانت أختاً وأماً وكل شيء.
والأهم من ذلك أنكِ كنتِ جدتي
لا بد أنها كانت ذكرى لشعرها الممتد على طول الطريق
لا بد أنها كانت مجرد ذكرى للخطوط التي سقطت على وجهك النوراني
كان لا بد من حدوث ذلك، ذكرى التضحية
كان لا بد من ذلك، من أجل القداسة التي تغلغلت فيها
لا ينبغي أن يعاني جسدك من هذا القدر من الألم
كان ينبغي للطبيعة كلها أن تصرخ للأم المستلقية على الأرض
كان ينبغي للرصاص أن يتحول إلى طيور ويطير إلى السماء
لكن تلك الرصاصات سلبت حياتنا
استيقظي يا أمي، استيقظي، انظري، اليوم هو يوم عطلة
اشتقنا لرائحة بشرتك، اشتقنا لصوتك
لقد أصبحتِ ملاكاً وحلقت في السماء
لقد أصبحت طائراً وحلقت إلى الحرية"
هذه الأبيات كتبتها زيلان إنان، حفيدة طيبت إنان، عبرت من خلالها عن تلك الأيام بقلب صغير قابل الألم مبكراً جداً، وبينما يتابع العالم اليوم تجارب النساء والأطفال في غزة، كان قد شهد شارع منطقة سلوبي جثة طيبت إنان لمدة 7 أيام، منذ 8 أعوام.