انطلاقة تاريخية للجنة القضية الكردية في البرلمان التركي

أطلق خلال الاجتماع الأول للجنة البرلمانية الخاصة بالقضية الكردية التي تضم 51 عضواً، اسم "لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية".

مركز الأخبار ـ أكدت النائبات البرلمانيات المشاركات في الاجتماع الأول للجنة البرلمانية الخاصة بالقضية الكردية، على ضرورة إنهاء النهج الأمني، واحترام إرادة الشعب، وبناء مستقبل قائم على التعددية والمواطنة المتساوية.

عقدت اللجنة الخاصة بالقضية الكردية في إطار عملية السلام اجتماعها الأول اليوم الثلاثاء 5 آب/أغسطس، في البرلمان التركي، بمبادرة من رئيس البرلمان نعمان كورتلموش، وذلك بحضور أعضاء الأحزاب السياسية الممثلة في اللجنة التي تضم 51 عضوا.

وجاء الاجتماع الأول وسط غياب قرار رسمي بشأن طبيعة الجلسات، ما أدى إلى اقتصار الحضور على الصحفيين المسجلين مسبقاً، مع فرض حظر كامل على التصوير، وركز على تحديد القواعد والإجراءات المتعلقة بعمل اللجنة التي أطلق عليها اسم "لجنة التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية".

وخلال الاجتماع، ألقى عدد من أعضاء اللجنة كلمات تناولوا فيها تقييماتهم ومواقفهم من القضية، فيما شدد رئيس البرلمان على أهمية الحوار والتعاون بين الأطراف السياسية، مؤكداً أن اللجنة تمثل خطوة نحو تعزيز مساعي السلام.

وفي هذا السياق، ألقت كليستان كيلج كوجيغيت النائبة عن قرس ونائبة رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب "DEM PARTÎ"، كلمة شددت فيها على أهمية إيجاد حل جذري لهذه القضية المتجذّرة، مشيرةً إلى أن التأخر في معالجتها على مدى سنوات طويلة أدى إلى نشوء مشكلات بنيوية عميقة "نلتقي اليوم لبحث سبل الحل الديمقراطي والسياسي والسلمي للقضية الكردية، ونؤمن بأن هذا اللقاء سيمثل خطوة مهمة نحو بناء حياة مشتركة، ونظام قانوني عادل، ومستقبل ديمقراطي يشمل جميع المواطنين في تركيا".

 

"لا يمكن حل القضية الكردية من خلال النهج الأمني"

في هذا السياق، يُتيح عمل لجنتنا فرصة تاريخية لمناقشة وإيجاد حلول دائمة وشاملة، وتسهيل مراحل الحل. بصفتنا حزب الديمقراطية، نعتبر المساهمة في عمل اللجنة مسؤولية أساسية، انطلاقًا من مسؤولية بناء مستقبل ديمقراطي قائم على التعددية والمواطنة المتساوية.

وأكدت على أن القضية الكردية لا يمكن حلها من خلال المقاربات الأمنية، مشددة على ضرورة اتباع نهج شامل وديمقراطي لمعالجتها، مشيرةً إلى أن القضية الكردية يجب أن تُناقش ليس فقط من زاوية الحرية والمواطنة المتساوية، بل أيضاً ضمن إطار القانون الدولي، والسياسة الحرة، والأخوة القانونية، وسيادة القانون، والديمقراطية، واستدامة السلم الاجتماعي، مؤكدة أن بناء حياة متساوية يتطلب أسساً عادلة.

وأوضحت أن عمل اللجنة البرلمانية يمثل فرصة تاريخية لطرح حلول دائمة وشاملة، وتسهيل مسار الحل، معتبرة أن مساهمة حزبها في هذا العمل نابعة من التزامه ببناء مستقبل ديمقراطي يقوم على التعددية والمواطنة المتساوية. 

وبيّنت أن جذور القضية الكردية تعود إلى نظام أحادي يرفض التعددية والهويات والمعتقدات المختلفة، لا سيما الهوية الكردية، وهو ما أدى إلى دوامة من التمرد والصراع والعنف، وأعاق ترسيخ الديمقراطية وبناء جمهورية قائمة على العدالة والمساواة في الحقوق. 

وشددت على أن النهج الأمني الذي يؤجل الديمقراطية والحريات لا يمكن أن يكون حلاً، مشيرة إلى أن الحاجة الملحة اليوم هي تبني ثقافة ديمقراطية تداولية ونهج شامل يعالج الأبعاد السياسية والقانونية والثقافية والاقتصادية للمشكلات البنيوية، وأن القضية الكردية تمثل جوهر العديد من الأزمات الأخرى، مثل مشكلة المواطنة المتساوية للعلويين، وحرمان العمال من حقوقهم، وعدم المساواة للمرأة، وغياب الممارسات الديمقراطية، داعية إلى معالجة كل هذه القضايا من منظور ديمقراطي تعددي قائم على المساواة.

 

بداية قيّمة

وأضافت "نرى أن انطلاق عمل لجنتنا اليوم لا يمثل مجرد خطوة إجرائية، بل يشكل بداية قيمة نحو ترسيخ التوافق الاجتماعي والسياسي، وفتح آفاق جديدة للتفاوض البنّاء، ونؤكد مجدداً على الدور المحوري والتاريخي للبرلمان في تجاوز حالة الجمود السياسي، ودفع البلاد نحو تحول ديمقراطي حقيقي، إن مباشرة هذه العملية على مستوى البرلمان واللجان تمثل نقطة انطلاق بالغة الأهمية".

وتابعت "بصفتنا حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، نعي تماماً حجم هذه المسؤولية التاريخية، ونلتزم بخوض هذه المرحلة بروح بنّاءة، تركّز على الحلول وتتبنى نهجاً شاملاً، فالتجربة التاريخية أثبتت أن غياب النزاع لا يعني بالضرورة تحقق السلام، إذ لا يمكن الوصول إلى سلام دائم إلا من خلال عملية حل ديمقراطي تستند إلى شرعية سياسية وشمولية حقيقية".

وأكدت أنه "نؤمن بأن السياسة الديمقراطية يجب أن تكون جوهر الحل وأساسه، لا مجرد وسيلة له، كما أن الإشارة التي قدّمها السيد عبد الله أوجلان حول اعتبار السياسة الديمقراطية مساراً لحل المشكلات، تعيد التأكيد على أهمية تفعيل القنوات السياسية الشرعية والديمقراطية، لقد دافعنا، وما زلنا، عن حل قائم على حق الشعب في التفاوض، وسلام يُبنى على المواطنة المتساوية، وحياة مشتركة في ظل جمهورية ديمقراطية، وسنواصل هذا النهج بكل التزام وإصرار".

 

ما العمل؟

وأوضحت أنه على اللجنة البرلمانية الجديدة أن تنطلق من رؤية تُعزز لغة السلام وترسّخ أسس السياسة الديمقراطية، وأن المشاركة الديمقراطية لا ينبغي أن تُختزل في الحقوق الفردية فقط، بل يجب أن تشمل الحقوق الجماعية وفرص التمثيل السياسي الحقيقي. 

وشددت على أن الديمقراطية لا تقتصر على صناديق الاقتراع، بل تشمل أيضاً ضمان المساواة في الوصول إلى آليات صنع القرار، وتوسيع نطاق اللامركزية، واحترام إرادة الشعب، منتقدة سياسات الوصاية التي تؤدي إلى إقالة المسؤولين المحليين المنتخبين، معتبرة أنها تقيد الحقوق الديمقراطية ليس فقط للشعب الكردي، بل لجميع المواطنين في البلاد. 

وأكدت أن الحق في اللغة الأم لا يُعد مسألة تعليمية فحسب، بل هو قضية وجودية ترتبط بجوهر المواطنة المتساوية، فالتعليم باللغة الأم، وتوفير الخدمات العامة، وإتاحة فرص الإنتاج الثقافي، تُعدّ ركائز أساسية لحياة عادلة ومتساوية للشعب الكردي، مشيرةً إلى أن ضمان هذه الحقوق يُعد خطوة ضرورية نحو بناء نظام قانوني يعترف بالتعددية الثقافية، وأن اتخاذ تدابير هيكلية لتعزيز المشاركة السياسية الديمقراطية للكرد سيُسهم في ترسيخ السلام الاجتماعي والديمقراطية الدستورية.

وأوضحت أن بناء مجتمع ديمقراطي حر هو شرط أساسي لحياة ديمقراطية حقيقية، وأن المبادرات الشاملة التي تبدأ بتطوير هذا المجتمع، وتصل إلى ضمان حرية التنظيم والنشاط السياسي، ستُسرع من وتيرة التحول الديمقراطي، وتفتح المجال أمام اندماج ديمقراطي فعال. 

واختتمت كلمتها بالقول "إن كلمات السيد عبد الله أوجلان تلهم هذا المسار، حين قال (سيسكن هذه الأرض أولئك الذين يدركون أن الديمقراطية حق لهم وواجب عليهم)".

 

ميرال دانش بشتاش: علينا بناء لغة جديدة

وفي كلمتها وصفت المتحدثة باسم حزب المساواة وديمقراطية الشعوب "DEM PARTÎ"، مرال دانش بشتاش وهي النائبة عن أرزروم وعضوة لجنة الدستور؛ تشكيل اللجنة بأنه خطوة تاريخية قد تمهد لتحول النظام القائم، الذي نشأ نتيجة سياسة إنكار استمرت قرابة قرن، إلى نظام ديمقراطي حقيقي. 

وأكدت أن القضية الكردية لا تخص الشعب الكردي وحده، بل تمس مستقبل النظام القانوني والديمقراطي في تركيا بأكملها، مشيرةً إلى أن لجوء المواطنين الكرد إلى المحاكم ضمن إطار قانوني عادل سيُسهم في ترسيخ العدالة لجميع المواطنين. 

وشددت على أن من مسؤوليات اللجنة إظهار إرادة واضحة في تطبيق القوانين والتشريعات القائمة، إلى جانب تقديم مقترحات لتعديلات تشريعية سيتم العمل عليها بشكل مكثف في المرحلة المقبلة. 

وأعربت عن قلقها من المناخ القانوني والسياسي الراهن، حيث لا تُنفذ قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الدستورية، مشيرة إلى أن الرئيسين المشاركين السابقين لحزب الشعوب الديمقراطي، فيجن يوكسيكداغ وصلاح الدين دميرتاش، لا يزالان قيد الاعتقال منذ 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، رغم صدور قرارات متكررة من المحكمة الأوروبية تطالب بالإفراج عنهما، استناداً إلى انتهاك المادة 18 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. 

وأضافت أن هذه القرارات تنطبق أيضاً على المتهمين في قضية كوباني، مؤكدة أن تنفيذها يُعد خطوة أولى وأساسية نحو احترام القانون والدستور، وبناء لغة سياسية جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة.

 

الحق في الأمل

ولفتت إلى أن قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لا تقتصر على صلاح الدين دميرتاش وفيجن يوكسيكداغ، بل تشمل أيضاً مينة أوزر، وتشيدم ماتر، وعثمان كافالا، وجان أتالاي، وليلى كوفن، ومئات من الزملاء الآخرين الذين يقبعون في السجون لأسباب سياسية، مشددةً على أهمية أن تتولى اللجنة البرلمانية زمام المبادرة، وأن تُظهر إرادة واضحة في مواجهة هذه القضايا الحقوقية الحساسة. 

وأشارت إلى أن تركيا اليوم أمام فرصة ومسؤولية تاريخيتين، خاصة في ظل قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي تُلزم الدولة باحترام الحقوق الأساسية، منوهةً إلى الجهود المستمرة التي يبذلها القائد عبد الله أوجلان من أجل إنهاء هذه المرحلة بأقصى درجات السلام والنجاح، وأن طلبات متكررة قُدمت بشأن أوضاعه الصحية والأمنية والحرية، وستتواصل هذه المساعي. 

وفي ختام حديثها، شددت على أهمية تطبيق "الحق في الأمل"، الذي تم التأكيد عليه في الحكم الصادر بتاريخ 18 آذار/مارس 2014 في قضية القائد عبدالله أوجلان، معتبرة أن هذا الحق يُعدّ ركيزة أساسية لتطبيق القانون، ويجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار في جميع الإجراءات القانونية ذات الصلة.

 

ممارسات الوصاية

ولفتت إلى أنه "من بين القضايا الجوهرية التي تم التطرق إليها، برزت مسألة ممارسات الوصاية، حيث تم تعيين أوصياء على بلدياتنا لثلاث دورات متتالية، في تجاهل واضح لإرادة الناخبين، ويُعد احترام إرادة الشعب وإنهاء هذه الممارسات نقطة انطلاق ضرورية نحو حل ديمقراطي للقضية الكردية، وبناء مجتمع يقوم على أسس ديمقراطية حقيقية". 

وأضافت "كما أشار السيد عبد الله أوجلان خلال مرحلة السلام إلى أن تمكين الشعب الكردي من الوصول إلى سيادة القانون سيُسهم في فتح آفاق الديمقراطية أمام جميع مكونات المجتمع التركي، هذه العملية من شأنها أن تعيد ربط الفئات المهمشة، من الكرد والعمال والنساء والشباب والعلويين والمهاجرين، بمنظومة قانونية عادلة وشاملة". 

وأوضحت "نأمل أن تتحول اللجنة البرلمانية إلى أكثر من مجرد منصة للحوار، لتصبح أداة فعالة في صياغة حلول واقعية وخطوات ملموسة، إن مسؤولية بناء مستقبل عادل وديمقراطي يسوده السلام بين جميع شعوب ومواطني تركيا تقع على عاتقنا جميعاً، ونحن ملتزمون بأداء هذا الدور بما يليق بحجم هذه المسؤولية". 

وأكدت على أن قضية الانتماء لا تُحل بالتجزئة أو التنازل، بل من خلال التكامل الديمقراطي الذي يحافظ على الوحدة ويعززها عبر الاعتراف باللغة والهوية والثقافة "من الضروري أن تشمل أعمال اللجنة جميع شرائح المجتمع دون استثناء".

وقالت مرال دانش بشتاش في ختام حديثها "رغم إدراكنا لصعوبة الوصول إلى كل فرد من بين 86 مليون مواطن، فإننا نؤمن بأهمية مواصلة العمل بأسلوب أكثر شمولاً، مع ضمان الشفافية في كل خطوة نتخذها. ومن أبرز التحديات التي نواجهها اليوم هي الحاجة إلى صياغة لغة جديدة، لغة تقوم على الاحترام، وتُعبّر عن روح الديمقراطية والتعددية التي ننشدها".