‫"‬أمهات وأصفاد" يجسد معاناة أمهات المعتقلين السياسيين في سنوات الرصاص‬‬‬

يوثق كتاب "أمهات وأصفاد" لحظات تاريخ الصراع السياسي المغربي لبناء دولة الحق والقانون والمواطنة والديمقراطية، والتي شاركت فيها النساء سواء مناضلات سياسيات أو كأمهات وشقيقات وصديقات وقريبات المعتقلين السياسيين.

رجاء خيرات

المغرب ـ في إطار حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، نظم اتحاد العمل النسائي لقاءاً تواصلياً بمدينة مراكش المغربية سلط من خلاله الضوء على كتاب "أمهات وأصفاد" الذي يتضمن بورتريهات لنساء وقفن أمام مخافر الشرطة والمحاكم والسجون بحثاً عن أبنائهن وبناتهن المعتقلين في سنوات الجمر والرصاص.

نظم اتحاد العمل النسائي بمدينة مراكش أمس السبت 30 تشرين الثاني/نوفمبر لقاءً لمناقشة فحوى كتاب "أمهات وأصفاد" حيث قالت الناشطة الحقوقية والباحثة في النوع الاجتماعي لطيفة البوحسيني التي كتبت مقدمة الكتاب إن الاحتفاء بالكتاب لم يأت اعتباطاً، بل يتقاطع بشكل كبير مع الأيام الأممية لمناهضة العنف ضد المرأة التي يخلدها العالم ومعه المغرب، وهو ذات العنف الذي عانى منه المعتقلات السياسيات وكذلك أمهاتهن في سنوات الجمر أو الرصاص.

وذكرت أن مؤلف الكتاب محمد فكري مناضل يساري ومعتقل سياسي سابق ‪قضى عشر سنوات في السجن، أراد الحفاظ على ذاكرة عائلات المعتقلين والمعتقلات السياسيين وتحديداً النساء من ذوي المعتقلين، خاصة النساء المهمشات والفقيرات و المعوزات من المناطق النائية، معتبرةً أن ذلك سيشكل وعياً حاداً وحساً مرهفاً وحرصاً يقظاً لديه على ما بذلته هؤلاء النساء من تضحيات تستحق تذكير الأجيال اللاحقة بها، فهن ساهمن في ملف حقوقي يعد بالغ الأهمية يتعلق بالتضييق على الحريات والاعتقال والاختفاء القسري والمحاكمات والإضراب عن الطعام.

وأضافت أن كتاب "أمهات وأصفاد" ليس عرفاناً لما أسدته المغربيات من تضحيات خلال مسيرة نضالية لجيل من شباب يتطلع لمغرب الكرامة والمواساة والديمقراطية لا مغرب السخرة والإهانة فقط، بل هو توثيق للحظة من لحظات تاريخ الصراع السياسي المغربي لبناء دولة الحق والقانون والمواطنة والديمقراطية، والتي شاركت فيها النساء سواء مناضلات سياسيات أو كأمهات وشقيقات وصديقات وقريبات المعتقلين السياسيين.

وقالت لطيفة البوحسيني لا يتعلق الأمر في هذا الكتاب بالتذكير بما اضطلعت به النساء من أدوار معتادة وتقليدية ضمن الأدوار المتعددة التي كانت من نصيبهن في إطار تقسيم يمتد عمره لآلاف السنين، بل سعى إلى تفاصيل يومية للنساء من خلال البحث عما يرد لهن الاعتبار وينقذ حياتهن من جحيم النسيان، وفي هذه الحالة، تصبح العودة إلى الذاكرة عملاً يحذوه بالأساس الحرص على إبراز الأدوار الاجتماعية التي دُفِنت وغَيِبت، كما يكون هاجس هذه العودة هو تجنب اختزال أدوار النساء في الإنجاب والأمومة، بل هن كائنات اجتماعية رغم أنف الصمت.

وأضافت أن النساء قمن بأدوار واقتحمن فضاءات كانت محرمة عليهن، معتمدات في ذلك على جسارتهن وجرأتهن في فتح أبواب ظلت موصدة بإحكام أمامهن، ولم يكن من الممكن اقتحامها، وهذا هو حال نساء عوائل المعتقلين والمعتقلات السياسيين خلال سنوات الجمر والرصاص.

وأوضحت أن هؤلاء النساء خضن معارك لكشف حقيقة مصير أبنائهن وبناتهن المغيبين قسراً، حيث يبرز الكتاب محطات من حياتهن مما أمكن تجميعه، وبيّن أنهن أنفسهن لم تتصورن يوماً أنهن ستضطلعن بأدوار مختلفة وجديدة، فهن لم تخترن ذلك بل اضطررن إليه، وأخذت حياتهن مساراً مختلفاً، حيث في البداية خرجن تبحثن عن خبر ما، يزيح الغمامة عن مصير فلذات أكبادهن الذين غابوا بين عشية وضحاها، أن أبناءهن موجودين في أقبية المعتقلات وبين أيدي البوليس السري، باستثناء الحالات التي تم القبض عليها من طرف زوار الليل في حالة من الترهيب للأهالي الذين حضروا لتخمين المصير الذي ينتظر أبناءهم.

وتابعت أنه "لا شيء يوازي طول مدة تغييب فلذات أكبادهن، هؤلاء الأمهات عدا امتداد الجرح المترتب عنه أنه عميقا في وجدانهن، ولأن مشاعر الأم تجاه ابنها وابنتها عصي على القياس، ولأن الحياة تفقد معناها في فقدانهم ولأن الألم يستوطن الذات برمتها، لنا أن نتصور حجم الغضب ومعه الإصرار الأسطوري ممزوجاً بالأمل في إنقاذ أبنائهن، فحنان الأم ومشاعر الحب لديها اللذان يشكلان نقطة ضعفها يصبحان هما مصدر قوة ضاربة لا تلين ولا تتراجع ولا تخاف، وتؤمن بعودة الابن المغيب أو المعتقل، وتتمكن من تجاوز عقبة الخوف والصراخ في وجه الظالم المستبد". 

وبشأن العنف ضد النساء ومن بينهن هؤلاء الأمهات اللواتي عانين وهن تنتظرن خروج أبنائهن من المعتقل، قالت لطيفة البوحسيني إن العنف القائم على النوع الاجتماعي هو العنف الذي يستهدف المرأة كونها امرأة، بمعنى أنه يستهدفها بناءً على انتمائها الجنسي، أنه عنف مبني على نسق ثقافي متكامل ينطلق من اعتبار المرأة كائن ضعيف قابل للسيطرة والهيمنة، أي كائن تمارس عليه مختلف أشكال السلطة، المادية منها والمعنوية، والنفسية منها والجسدية، إضافة إلى اللغوي والرمزي والاقتصادي وغيره.

وأشارت إلى أن هذه المنظومة تطورت مع مرور الزمن حيث سميت في وقت سابق بالنظام الأبوي، ثم نظام الامتيازات الذكورية، ثم البطرياركية والهيمنة الذكورية، ثم نظام التراتبية بين الجنسين، أو منظومة التمييز على أساس الجنس، وهي منظومة تخترق كل المجالات والفضاءات، ويُعَبر عنها بشكل فردي أو جماعي، منظماتياً وحتى دولاتياً ومؤسساتياً.

ولفتت إلى أن أبشع تعبير لهذه المنظومة هو حينما يتخذ هذا العنف مختلف أشكاله اللفظي والجسدي والنفسي، والأبشع هو حينما يقابل هذا العنف بتسامح المجتمع معه وتبريره وإقناع الناجية منه أو الضحية بمسؤوليتها بوقوعه، لينتهي المطاف بالتطبيع معه واعتباره رد فعل طبيعي ينبغي قبوله والتعايش معه.

وأبرزت أن العنف من منظور الهيمنة الذكورية يتغذى من هذه المنظومة ومن الصورة النمطية التي تعتبر المرأة كائنا ضعيفاً يسهل الاستقواء عليه واستباحته ويتجلى هذا الضعف حسب الصورة النمطية بالاعتقاد أن المرأة لا أهمية لها ولا نضج لها، وبالتالي فهي نالت ما تستحقه بسبب طيشها هذا وما عليها إلا أن تتحمل وزره، بحجة أنها هي التي أثارت غضب من عنفها وتسببت له في فقدان أعصابه.

ولفتت إلى أن هذا العنف لا يقع فقط في الفضاء العام ولا يقترف من أشخاص غرباء لا تربطهم أية صلة بالمرأة فحسب، بل قد تحدث وقائعه كذلك في فضاء حميمي، بين الجدران ولا تراه الأعين ومن طرف الأقرباء والأشخاص الذين تربطهم مع الضحية علاقة حميمية ومشاعر نفسية وتاريخ مشترك وتفاصيل حياة يومية.

واعتبرت أن إخراج العنف من الفضاء الحميمي الخاص إلى الفضاء العام شكل لحظة مفصلية للتصدي له، لعبت فيه المنظمات النسائية دوراً لا يستهان به، حيث كان للحركة النسائية المغربية دور في الاعتراف به حكومياً على مستوى المغرب، ووضع السياسات والتشريعات للقضاء عليه.

 

 

من جانبها قدمت الناشطة الحقوقية أمينة بيان شهادة مؤثرة عن رحلة جدتها التي انتظرت خروج ابنها المعتقل وعودة ابنتها من المنفى الاختياري الذي لجأت إليه حتى لا يتم اعتقالها وتلقى نفس مصير شقيقها.

وذكرت أنها كانت ترافق جدتها وهي لا تزال طفلة لم تتجاوز الـ 13 عام من عمرها، حين كانت تذهب لزيارته بشكل دوري في المعتقل، سواء بسجن لعلو بالرباط أو السجن المركزي بمدينة القنيطرة.

وقالت إنها لم تكن تعلم أن جدتها تتمتع بتلك القوة التي كانت تراها عليها كلما رافقتها في إحدى الزيارات، حيث كانت تنتفض في وجه الحراس في المعتقل، وهي تصرخ في وجههم أن ابنها معتقل سياسي اعتقل من أجل الدفاع عن مغرب الكرامة، وليس بقاتل أو سارق.

ولفتت إلى أن بيت الجدة كان دائماً فضاءً للتجمعات والنقاش الهادر والساخن، وأنها تربت في أجواء تسودها روح القيم التي تدافع عن الكرامة والمساواة من أجل مغرب أفضل.

وعبرت عن استيائها لكون تلك الأم المكلومة انتظرت عودة ابن محكوم بثلاثين سنة سجناً نافذاً، لكنها فارقت الحياة دون أن تحضنه، حيث غادر السجن بعد أن قضى 15 سنة.