التحول الديمقراطي لحركة الحرية خطوة نحو شراكة سياسية شاملة
ترى شيلان أحمد أن تحقيق السلام في شمال كردستان يتطلب إرادة سياسية، وتحولاً حقيقياً من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي الديمقراطي، مع إشراك المرأة وضمان الحقوق الثقافية والاقتصادية للكرد.
					هيلين أحمد
سليمانية ـ تُعد قضية السلام في شمال كردستان من أعقد الملفات في منطقة الشرق الأوسط، إذ تتداخل فيها أبعاد سياسية وقومية وأمنية متعددة، هذا الصراع، الذي امتد لعقود دون حل، لا يقتصر على مواجهة مسلحة بين حركة الحرية والدولة التركية، بل يتجاوز ذلك ليعكس خلافاً عميقاً حول هوية الشعب الكردي الذي يعيش ضمن حدود تركيا، وعلى أرضٍ ذات امتداد جغرافي واسع.
لقد أثبتت التجربة أن هذا النزاع لا يخدم مصالح أي طرف، مما جعل من عملية السلام ضرورة استراتيجية وليست مجرد خيار، انطلقت هذه العملية بعد سنوات طويلة من الحرب، ورغم استمرار المواجهات، فإن حركة الحرية أبدت استعداداً للدخول في مسار سلمي.
في هذا السياق، بدأت ملامح تحول سياسي جديدة تظهر، هدفها إعادة تعريف العلاقة بين الدولة التركية والكرد، ضمن إطار يوازن بين وحدة الدولة وحقوق الشعب الكرد، وقد تزامن ذلك مع إصلاحات داخلية في تركيا، وتبني خطاب أكثر انفتاحاً من قبل السلطات، مما ساهم في دفع قضية السلام نحو الأمام.
برزت مبادرات القائد عبد الله أوجلان كمحطة تاريخية مهمة في هذا المسار، إذ شكّلت دعوته للسلام والديمقراطية نقطة تحول جذبت اهتماماً عالمياً، وأكدت أن الشعب الكردي كان ولا يزال من دعاة السلام، وإن الاعتراف الدولي بهذه المبادرات عزز من شرعية المطالب الكردية، ورسّخ صورة الكرد كشعب يسعى إلى حل عادل وسلمي لقضيته.
"مؤتمر حزب العمال الكردستاني شكل نقطة تحول"
أوضحت شيلان أحمد، الحاصلة على درجة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية، أن مؤتمر حزب العمال الكردستاني الذي عُقد بين الخامس والسابع من آذار/مارس الماضي، شكّل نقطة تحول بارزة في مسار الحركة، فقد حمل هذا المؤتمر رسائل مهمة من القائد عبد الله أوجلان، أُرسلت من داخل السجن، دعا فيها إلى الانتقال من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي الديمقراطي، وهذه الرسائل تركت أثراً عميقاً داخل الحركة، وأثارت تفاعلاً واسعاً، تجلى ذلك في الحادي عشر من تموز/يوليو الماضي من خلال الإعلان عن الاستعداد للمواجهة السياسية والمشاركة الفاعلة، وهو ما عُدّ خطوة رمزية نحو التخلي عن السلاح.
هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الأسلوب، بل حمل أبعاداً سياسية واجتماعية عميقة، خاصة في ظل الصراعات مع من وُصفوا بالخونة، والتي أظهرت أن التحول من العمل العسكري إلى النضال السياسي قد يفتح الباب أمام وعي جديد وتغيير داخلي في صفوف أنصار الطرفين، وقد مثّلت هذه الخطوة إعلاناً واضحاً عن استعداد الحركة لتجديد التزامها بالمطالبة بالحقوق السياسية والثقافية، وتأكيداً على تمسكها بمسار سلمي ديمقراطي.
"انسحاب الحركة بهدف قطع ذريعة تركيا"
وأشارت شيلان أحمد إلى أن إعلان انسحاب حركة الحرية من شمال كردستان وتركيا في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر الماضي يُعد بمثابة الخطوة الثانية في مسار بناء الثقة السياسية، موضحةً أن هذا القرار يحمل رسالة واضحة إلى الدولة التركية، مفادها أن الهدف لم يعد المواجهة المسلحة، بل الانخراط في حوار سياسي جاد.
وبينت أن انسحابها إلى مناطق الدفاع المشروع لا يُعد مجرد تحرك ميداني، بل يمثل تحولاً استراتيجياً في نهج الحركة، يعكس رغبته في الانتقال من دور الفاعل العسكري إلى فاعل سياسي واجتماعي، مشيرة إلى أن هذا التوجه يعكس نية الحركة في إعادة تشكيل دورها ضمن المشهد السياسي، بما يعزز من فرص الحل السلمي والديمقراطي.
وترى شيلان أحمد أن الدولة التركية تعاملت مع هذا الانسحاب كخطوة تكتيكية مؤقتة، وليست تحولاً جذرياً، ما يعكس استمرار حالة انعدام الثقة بين الطرفين، وخلصت إلى أن هذا التباين في الفهم يُعيدنا إلى المربع الأول، حيث لا تزال الشكوك المتبادلة تعيق أي تقدم حقيقي نحو السلام.
"لعبت المرأة دوراً بارزاً في تاريخ الحركة"
واعتبرت شيلان أحمد تكليف النساء بمهمة تعزيز عملية السلام خطوة نوعية في هذه المرحلة، إذ شكّل ذلك فهماً جديداً لمفهوم بناء السلام، الذي لا يمكن اختزاله في مجرد مفاوضات سياسية، خاصة داخل حركة مثل حركة الحرية، حيث لعبت المرأة دوراً محورياً في تاريخ النضال.
وأكدت أن السلام الحقيقي يتطلب تغييراً اجتماعياً عميقاً، ولهذا فإن المرأة الكردية، التي كانت رمزاً للنضال في ساحات القتال، أصبحت اليوم رمزاً لبناء المستقبل "مشاركتها في هذه العملية تضيف بُعداً إنسانياً وأخلاقياً، نظراً لما توليه من أهمية لقضايا العدالة، والسلام، والتعايش"، لافتةً إلى أن وجود النساء في عملية السلام لا يعزز فقط البعد السياسي، بل يرسّخ أيضاً قيماً اجتماعية يمكن أن تتحول إلى تشريعات عادلة، تعكس تطلعات المجتمع نحو مستقبل أكثر إنصافاً واستقراراً.
وشددت على أن تركيا، في هذه المرحلة، تتحمل مسؤولية سياسية مباشرة تجاه دفع عملية السلام إلى الأمام، مما يتطلب منها اتخاذ خطوات عملية تثبت صدق نواياها.
وأضافت أن الاعتراف بالحقوق الثقافية الأساسية للشعب الكردي، مثل اعتماد اللغة الكردية كلغة تعليم رسمية، يُعد خطوة جوهرية نحو الإنصاف، كذلك، دعت إلى إعادة النظر في ملفات السجناء السياسيين.
"تحقيق السلام في شمال كردستان يتطلب إرادة سياسية صادقة"
شددت شيلان أحمد على أن تحقيق السلام في شمال كردستان يتطلب إرادة سياسية صادقة من كلا الطرفين، فالسلام الحقيقي لا يُبنى على توقيع اتفاقيات شكلية، بل على ترسيخ الثقة المتبادلة بين الجانبين، مؤكدةً أنه إذا تعاملت الدولة التركية مع القضية الكردية باعتبارها قضية إنسانية تخص شعباً له حقوقه، لا مجرد ملف أمني، فإن ذلك سيُسهم في ترسيخ السلام داخل تركيا، ويحوّل المنطقة إلى قوة داعمة للاستقرار.
وفي ختام حديثها، أشارت شيلان أحمد إلى أن تحول حركة الحرية من قوة عسكرية إلى فاعل سياسي سلمي يجب أن يُمنح شرعية قانونية، تتيح له المشاركة الفاعلة في بناء مستقبل الشعب الكردي داخل تركيا، ورأت أن هذا التحول يُعد اختباراً حقيقياً للجهات التي تؤمن بأن السلام بين الطرفين هو السبيل لإنقاذ شعبٍ عانى طويلاً من التهميش وانتهاك الحقوق، في مقابل من يفضلون استمرار التهديدات والقمع كوسيلة لتعزيز الهيمنة على الكرد.