التعاضد الاجتماعي مُنقذ المرأة اللبنانية من براثن الحرب بين إسرائيل وحزب الله

.

مقال بقلم الكاتبة والصحفية هيفيدار خالد

ارتفاعُ وتيرة التصعيد الأخير بين حزب الله اللبناني وإسرائيل في جنوب لبنان خلال استهداف إسرائيل لمقرات الحزب في الضاحية الجنوبية، خلف وراءَه تداعيات كبيرة على المشهد العام في البلاد، وتسبب القصف المتبادل بين الطرفين في نزوح وتهجير الآلاف من قراهم وبلداتهم الواقعة جنوب البلاد، باتجاه العاصمة بيروت، لتخلق معها كارثة إنسانية تنذر بخطر توسعها وامتدادها يوماً بعد آخر، وتعرض حياة الجميع لخطر الموت أمام أعين العالم.

في الحروب الدموية والصراعات المستمرة منذ مئات السنين، تتعرض النساء والأطفال دائماً لسوء المعاملة وغالباً ما يشكلن العنصر الأكثر تضرراً فيها، ليتكرر اليومَ المشهد ذاته في لبنان حيث رحى الحرب الساخنة بين حزب الله وإسرائيل تدور مشعلةً معها فتيل الجبهات في الشرق الأوسط وتمخضت عنها تغييرات وتطورات جديدة، من الصعب التنبؤ بنهايتها في الوقت الراهن.

مُنذُ بداية التصعيد وحتى الآن نزحَ أكثر من 346 ألف شخص، بحسب إحصاءات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة، ووفقاً للتقديرات فإنَّ عددَ النازحين المتضررين يصل إلى ما يقارب المليون، نصفُهم من النساء والفتيات والأطفال، الذين يعتبرن الحَلْقة الأضعف في ظل الظروف الصعبة التي تمرُّ بها لبنان المنهارة اقتصادياً.

حِدَّةُ الصراع القائم هذه عمَّقت معاناة المرأة اللبنانية في كل نواحي الحياة، التي بدأت مُذْ نزحتْ عن دارها وتهجَّرتْ من أرضها عُنْوة، وتَركت وراءَها قراها وبلداتها بلا حول منها ولا قوة، بالإضافة إلى حال اللاجئات السوريات والعاملات الأجنبيات القابعات مُنذ زمن تحت سندان التهميش، توحَّدت حالهُنَّ الآن فبِتْنَ يكتسين العراء ويفترشْنَ أرصفة الطرقات والحدائق العامة والكنائس وشواطئ البحر، وينمن فاتحات الأعين خوفاً في الشوارع ومواقف السيارات، ويتعرضن للصعوبات والمعوقات، بالإضافة لإعاقات تزيد عليهن المشاكل النفسية على المدى البعيد.

 لا توجدُ إلى الآن مساحاتٌ آمنة للنساء للاعتناء بالنظافة الشخصية ومواجهة المشاكل الخاصة التي تتعلَّق بجسدهن وفيزيولوجيته، بسبب فقدان المال والنزوح المتكرر دون مأوى، إنَّهن يبتْنَ فقراً من كلِّ شيء، فالجميعُ يعلم كيف كانت أوضاع المرأة اللبنانية؛ كانت تحمل ثقلَ الأزمة الاقتصادية على ظهرها منذ عام 2013، وأتتِ الحرب عليها لتعمِّق معاناتها أكثر فأكثر، إنَّها اليومَ لا تستطيع بمفردها مواجهةَ الأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليها، مع صعوبة إدارة شؤون أُسرتها ومتابعة أمور الرعاية الخاصة الواقعة على كاهلها.

كما أنَّ مراكزَ الإيواء التي التجأتْ إليها النساء باتت تشكِّل مشكلةً جارحةً، حيثُ الأعداد الكبيرة التي تملأ الغرف هناك؛ إذ يصلُ العدد إلى أربعين شخصاً في بعض الأحيان، إذاً، أينَ الخصوصية؟ ونحن نعلمُ أنَّ كلَّ عائلة آتيةٌ من مكان مختلف، والحمامات العامة المشتركة تشكِّل هاجساً يجرح خصوصيتها، بالإضافة إلى النقص في المستلزمات والمواد الأساسية التي يمكن للمرء أن يستمرَّ في الحياة من خلالها، فإلى الآن ليست هناك إمداداتٌ حقيقية تُقدَّم للمرأة على الأرض، مع العلم أنَّ معظمهن خرجْنَ من منازلهِنَّ دون أن يأخذْنَ معهُنَّ أيَّ شيء يُذكَر، ناهيك عن حالة الخوف والهلع والترهيب التي خلَّفها القصفُ العشوائي فوق رؤوسهن وهن هاربات.

مئاتُ النساء النازحات يعانين من مشاكلَ صحية وأمراضٍ خطيرة، مثل: مرض الكُلى والسكري والسرطان وأمراض أخرى مُهلكة، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض الجلدية المعدية، بين صفوف الأطفال والنساء، نتيجةَ عدم توفير البيئة المناسبة للسكن والعيش مع فقدان المواد اللازمة للاستحمام، زِدْ على ذلك بقاءَهم فترات طويلة في العراء ولا أدوية أو مواد طبية رئيسية تستعين بها على شَظفِ العيش.

إنَّ الحياةَ أصبحتْ صعبةً جداً بالنسبة للمرأة اللبنانية، فالحرب لم تترك لها شيئاً، ولسان حالها يقول: "حجم الألم كبير والوجع عميق لا يمكن معالجته بسرعة وبسهولة". ويجب ألا ننسى أبداً بأنَّ العشرات من النساء لم يستطعْنَ الخروج من منازلهن نتيجةَ عدم توفير المال الكافي لهن للنزوح إلى مكان أكثر أماناً، وتُركن لوحدهِنَّ يواجهن مصيراً مجهولاً في هذه المعممة ومواجهة كافة الظروف والتحديات التي تعترض طريقهن من الآن فصاعداً، خاصة من ناحية إعالة أسرتها التي هي أيضاً تعيش هول الصدمة، كما أنَّ البحثَ عن العمل في الوقت الحالي ليس بالأمرِ الميسور، بل الصعبِ جداً.

مُنذُ سبعينيَّات القرن الماضي تعاني المرأة اللبنانية من هذه الحروب وتخسر كُلَّ يومٍ أفراداً من أسرتها وأهلها وتعيش وسطَ أجواءٍ تسودها الرهبة والقصف والخوف وتظلُّ وحيدةً وجهاً لوجه أمام مشهدٍ صعبٍ للغاية، ومن الصعب عليها تجاوزه بسهولة، كما أنَّ النساء الحوامل يواجهن مصيراً معتماً، إنَّ هناك حاجةً ضرورية للتدخل وخاصة في حياة الأطفال، وأهمية تقديم الدعم النفسي الذي بات ترفاً بالنسبة لهم؛ لأنَّ تكاليفَه عاليةٌ جداً، رغم أنهُنَّ يفقدْنَ أبسط أنواع الدعم اللازم بعد أن تَركْنَ ذكرياتهن وراءهُنَّ تحرقُها القنابل.

اليومَ وعلى وجه الخصوص ينقشع لنا كُلُّ ما تتعرّض له المرأة اللبنانية من ضعف التحرك الحكومي وعدم تطبيق خطَّة الطوارئ التي وُضعت في الـ 8 من أكتوبر الماضي، وحتى الآن لم تُطبَّق، رغمَ كل الدعوات الحثيثة لتطبيقها في البلاد وتقاعست الحكومة عن أداء دورها في هذا الصدد، ولم تستطيع تقديم أيِّ دعم يُذكَر لهؤلاء النازحين والمهجَّرين من النساء الثكالى والأطفال المرعوبين الذين يعيشون الصدمة بكل تفاصيلها، ولم تُعطِ تلك الجهات التي هي معنيةٌ أهميةً لقضايا المرأة ومشاكلها ومعاناتها التي تضاعفت أكثر فأكثر خلال الأيام الفائتة، لقد فقدت مئاتُ النساء وظائفهُنَّ، ولم يعد بوسعهن الآنَ الحصول على وظيفة جديدة ليُعمِّق ذلك مشكلة البطالة بشكل كبير في المجتمع. 

إنَّ تعاطيَ الحكومة اللبنانية مع الأزمة التي اجتاحتِ البلاد لم يكُنْ بالشكل المنوطِ بها، الأمرُ الذي ساهم في تفاقم الأوضاع الإنسانية أكثر، خاصة أنَّ مراكزَ الإيواء التي كان يتحدَّث عنها لم تكن مُجهَّزةً، ولم تَجهَز بعد، ثم إنَّ تهميش المرأة ليس بالأمر الجديد في لبنان وبخاصة من ناحية عدم التكافؤ في فرص العمل بين الرجل والمرأة، لذا تقع اليوم ودون أن تشاء المسؤولية الكبيرة على عاتق المرأة لوحدها، وعليها مواجهة العواقب الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن هذه الأزمة الحالية؛ لأنَّ الكل يفكر في كيفية النجاة من هذه الحرب وليس الخروج من تحت سقف تداعياتها.

لقد سئمتِ المرأة اللبنانية من مناشدتها للحكومة الحالية وأصبحت تشعر بالخذلان نتيجة ما تتعرض له من سياساتٍ غيرِ عادلة تطبّق بحقِّها؛ لأنها لم تقدم لها حتى الآن أيَّ دعم هي بحاجة إليها، لذا على الجميع التحرك من أجل تقديم الدعم والمساندة للمرأة في لبنان كي تستطيعَ الاستمرارَ في حياتها وضرورة التعاضد الاجتماعي والتضامن معاً من جانب المرأة في هذه المرحلة الحرجة من أجل تحسين واقعها أكثر وإنهاء معاناتها.