القاضيات ضحايا الإعفاءات... تشويه وتنكيل يطالهن

بعد عامين من حملة الإعفاءات التي طالت القضاة والقاضيات، اعتبر المشاركون/ات في ندوة أن المؤسسة القضائية تواجه الخطر الداهم.

تونس ـ بعد عامين من الإعفاء عن 57 قاضياً وقاضية من قبل الرئيس قيس سعيد في 1 حزيران/يونيو 2022، يرى القضاة المعفيون أن استقلالية القضاء في تونس مُهددة، فيما يرى آخرون أن ذلك قد يكون خطوة "الاصلاح والتطهير".
قال المشاركون/ات في الندوة التي نظمتها مجموعة من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، إن هذه الإعفاءات تم إجراؤها دون أي مستندات قضائية ثابتة وإجراءات قضائية عادلة، معتبرين أن ذلك هجوماً مباشراً على استقلالية القضاء وانتهاكاً صارخاً لحقوق القضاة والقاضيات الأساسية. 
وكان قد أصدر رئيس المحكمة الإدارية بتونس، في آب/أغسطس 2022، مجموعة من قرارات توقيف تنفيذ أمر الإعفاء بحق 49 قاضياً وقاضية والمطالبة بإعادة إدماجهم/ن وذلك لأن إعفاءهم/ن لم يستند إلى أي وقائع ثابتة أو أحكام وتتبعات جزائية وبدلاً من الامتثال لهذا القرار، رفعت وزارة العدل دعاوى جزائية ضد جميع المعفيين والمعفيات، بما في ذلك القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، بغية محاولة تبرير إعفائهم/ن وتلفيق التهم الكيدية ضدهم/ن. 
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لإعادة القضاة والقاضيات المعفيين والمعفيات وإلغاء التدابير التي اتخذها الرئيس قيس سعيد ضد السلطة القضائية، لم تتخذ السلطات التونسية أي إجراءات ملموسة في هذا الصدد.
وكانت وزيرة العدل قد أصدرت مذكرات عمل تقضي بتعيين ونقل وإعفاء 105 قاضياً وقاضية ومدّعٍ عام ومدعية عامة، هذا وتؤكد جمعية القضاة التونسيين على أن بعض القضاة والقاضيات تم إيقافهم/ن عن العمل بمرتب أو بدونه وخارج جميع المسارات التأديبية.
ويرى القضاة/القاضيات أن منظومة العدالة في تونس تشهد مؤشرات مفزعة وأكد هؤلاء الاستهداف المتواصل لاستقلالية القضاء، خاصة مع تصاعد موجة الإيقافات التي طالت الصحفيين/ات والمحامين/ات والمعارضين السياسيين والمعارضات والنشطاء والناشطات والمدافعين والمدافعات عن الحقوق الإنسانية ومستخدمي ومستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي خلال شهر أيار/مايو 2024.
وكان الرئيس قيس سعيد قد قال في 15 أيار/مايو 2024 خلال اجتماعه مع وزيرة العدل إن "أولئك الذين يهاجمون بلدهم في وسائل الإعلام لا يمكن أن يظلوا معاقبين وغير مسؤولين".
ودعت الندوة السلطات التونسية إلى إعادة دمج جميع القضاة والقاضيات الذين واللواتي تم إعفاءهم/ن بشكل فوري ودون قيد أو شرط، وذلك امتثالاً للقرارات التي أصدرها رئيس المحكمة الإدارية في تونس، فضلاً عن إلغاء جميع الإجراءات الزجرية التي تم اتخاذها ضد السلطة القضائية وإلغاء المرسوم عدد 11 لعام 2022 المؤرخ في 12 شباط/فبراير 2022 والمعدل بالمرسوم عدد 35 لعام 2022 المؤرخ في 1 حزيران/يونيو 2022.
ودعت إلى الوقف الفوري لخطابات الكراهية وحملات التشهير ضد القضاة والقاضيات والمحامين والمحاميات والمدافعين والمدافعات عن الحقوق الإنسانية.
وقالت أميمة مهدي، عضوة الهيئة المديرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن الوضع صعب ومعقد خاصة مع صعوبة احصاء عدد الايقافات والانتهاكات للحقوق والحريات، حيث تم التراجع عن حرية التعبير والصحافة بمراسيم وضرب العمل الجمعياتي علاوة على تشويه القضاء المستقل.
واعتبرت أن هناك تراجع عن التزامات تونس الدولية في علاقة بالقضاء المستقل وحرية الصحافة، لافتة إلى أن الوضع الآن تجاوز التعليق عن المس من صورة تونس في الخارج لاعتبار أن الأهم اليوم هو وضعية التونسيين وما يكابدونه من أجل حقوقهم وكرامتهم.
وعن الايقافات التي مست بعض الوجوه النسوية والحقوقية، أشارت أميمة مهدي "تنتهك حقوقهن وحريتهن كغيرهن، تنكيل بهن بسبب مواقفهن وآرائهن وانتماءاتهن، يعشن تحت ضغط وخوف".

 


بدورها تحدثت القاضية، أنيسة تريشيلي، عما يعتبرونه ضرباً للقضاء، معتبرة أن القاضيات عشن مأساة كبيرة في 1 حزيران/يونيو 2022, بعد إعفاءهن بشكل مفاجئ.
وأكدت أن القاضيات عشن أياماً صعبة بعد التهجم عليهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتشهير بهن زوراً، مشيرةً إلى أنه تم التهكم على حياتهن الخاصة ما جعلهن في عزلة اجتماعية بعد الهرسلة.
ولفتت أنيسة تريشيلي إلى أنه يجب إعادة من أعفي عن مهامه ظلماً "لابد لليل أن ينجلي ويوماً ما سترفع هذه المظلمة ويظهر الحق بعد هذا الظلام".