النساء والذكاء الاصطناعي... فرصة للتحرر أم أداة جديدة للإقصاء؟

يظل إدماج النساء في التكنولوجيا تحدياً يتطلب إرادة سياسية وتغييراً في العقليات، وبينما تحقق بعض الدول خطوات إيجابية، يبقى السؤال هل ستكون الثورة الرقمية فرصة للنساء لتجاوز العقبات، أم ستعيد إنتاج الأنماط التقليدية للتمييز؟

حنان حارت

المغرب ـ في عالم يتحرك بسرعة نحو الرقمنة والذكاء الاصطناعي، تواجه النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات كبيرة لإثبات وجودهنّ في هذا المجال.

رغم التقدم الذي أحرزته بعض الدول في دمج النساء في القطاعات التكنولوجية، لا تزال الصورة النمطية والعقليات الذكورية تلقي بظلالها على حضور المرأة، خاصة في المجالات العلمية المتقدمة.

ووفقاً لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024، لا تمثل النساء سوى 22% من القوى العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي عالمياً، وفي شمال إفريقيا لا تزال نسبة النساء في المجالات التكنولوجية أقل من 15%، رغم ارتفاع معدلات التحاقهن بالتعليم العالي في بعض الدول، أما في المغرب، فلا تتجاوز نسبة النساء في قطاع التكنولوجيا المتقدمة 10%، وفق بيانات غير رسمية، مما يعكس استمرار الفجوة الرقمية بين الجنسين.

في المقابل، يشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن 70% من النساء في المنطقة تعرضنّ لشكل من أشكال العنف الرقمي، سواء عبر التهديدات الإلكترونية أو التشهير باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يعكس جانباً آخر من التحديات التي تواجهها النساء في العصر الرقمي.

المرأة المغربية في قلب التحول التكنولوجي

تسلط رئيسة المعهد الدولي للبحوث العلمية فاطمة رومات، الضوء على الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه المرأة المغربية في الثورة الرقمية، مؤكدة أن التمكين لا يقتصر فقط على توجيه الفتيات نحو دراسة التكنولوجيا، بل يشمل أيضا تغيير السياسات العمومية والممارسات الاجتماعية التي تعيق تقدمهن.

وقالت "شغفي بالذكاء الاصطناعي بدأ منذ عام 1996، حين كان الموضوع لا يزال حديثاً في الأوساط الأكاديمية، إذ عملت على مقالات علمية ودراسات حول تأثير التكنولوجيا على التنمية، ومنذ ذلك الحين، أصبحت أكثر اقتناعاً بأن التكنولوجيا ليست مجرد أداة، بل هي عامل حاسم في بناء مستقبل المجتمعات".

الذكاء الاصطناعي... بين الفرص والمخاطر

وأوردت فاطمة رومات أن الذكاء الاصطناعي، يشكل اليوم ركيزة أساسية في مختلف المجالات، من الأمن السيبراني إلى التنمية المستدامة، لافتة إلى أنه برغم الفرص التي يتيحها للنساء في سوق العمل، إلا أنها تحذر من بعض المخاطر، مثل التحيزات الخوارزمية التي قد تؤدي إلى إعادة إنتاج التمييز ضد النساء"، موضحةً أن العديد من الأنظمة الذكية، مثل تلك التي تعتمد عليها شركات التوظيف الكبرى، قد تحمل تحيزات غير مقصودة تستبعد النساء من بعض المناصب القيادية.

وقدمت مثالاً على ذلك بأنظمة الذكاء الاصطناعي التي فشلت في التعرف على شخصيات بارزة مثل ميشيل أوباما وأوبرا وينفري بسبب نقص التنوع في قواعد البيانات التي تعتمد عليها هذه الأنظمة.

العنف الرقمي... تهديد جديد للنساء

إلى جانب التحديات المهنية، تواجه النساء أيضاً خطر العنف الرقمي، الذي أصبح أكثر انتشاراً مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، مشيرةً إلى أن النساء الصحفيات والمذيعات في العالم العربي يتعرضن بشكل متزايد لحملات تشهير إلكترونية تعتمد على تقنيات التزييف العميق، حيث يتم التلاعب بصورهن وفيديوهاتهن لنشر محتوى مسيء.

وأضافت "هذه الظاهرة تكشف الحاجة إلى تطوير تقنيات قادرة على كشف المحتوى الزائف وحماية النساء من هذا النوع الجديد من العنف".

التكنولوجيا في خدمة النساء... دعم جديد للضحايا

في مواجهة التحديات ترى فاطمة رومات أن الجمعيات النسائية ومراكز الاستماع يمكن أن تستفيد من التقنيات الحديثة لتخفيف العبء عن النساء، خاصة فيما يتعلق بتقديم الأدلة في حالات العنف، موضحة أن "أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة أصبحت قادرة على تحليل البيانات ورصد الأنماط التي تشير إلى العنف الزوجي، مما يسهل على الضحايا الحصول على الدعم والمساعدة".

وأكدت أنه بالرغم من التحديات فأن تمكين النساء في مجال التكنولوجيا لا يتعلق فقط بالمهارات التقنية، بل هو معركة على مستوى السياسات والاستراتيجيات الوطنية "بدون رؤية واضحة وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التشريعات، ستظل الفجوة بين الجنسين قائمة".

ودعت إلى تأهيل الفتيات منذ المراحل الدراسية الأولى وإدماج مناهج تعليمية حديثة تعكس التحولات الرقمية، مشددة على ضرورة دعم النساء الرائدات في التكنولوجيا، ليس فقط كمبرمجات أو مهندسات، ولكن أيضاً كصانعات سياسات قادرات على إعادة تشكيل المشهد التكنولوجي في المنطقة.

وفي ختام حديثها قالت فاطمة رومات "يجب أن ندرك أن التكنولوجيا ليست محايدة، إذا لم نكن جزءاً من تصميمها، فقد تتحول إلى أداة أخرى لإقصائنا، فالمستقبل رقمي، وعلينا أن نضمن أن يكون شاملاً للجميع".