التمييز ضد المرأة في العمل وتأثيراته النفسية والمهنية
يتطلب معالجة المشكلات التي تواجهها المرأة في أماكن العمل، تطبيق سياسات وإجراءات أكثر فعالية لحماية حقوق المرأة في بيئة العمل، مع إنشاء بيئة تشجع على التنوع والمساواة وتساهم في تعزيز رفاهية الموظفات.

رجاء حميد رشيد
العراق ـ تُعتبر بيئة العمل في القطاع الخاص مرآة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها الأفراد، حيث يتقاطع فيها التنافس المهني مع قضايا العدالة والمساواة، ورغم التقدم الكبير في مجال حقوق المرأة، إلا أن النساء العاملات في القطاع الخاص ما زلن تواجهن تحديات تتعلق بالعنف والتمييز الذي يهدد كرامتهن ويعرقل فرصهن في التقدم الوظيفي.
قد يتجسد التمييز في عدة صور، بدءاً من الأجر غير المتساوي مقارنة بالرجال، مروراً بالفرص المحدودة للتقدم الوظيفي، وصولاً إلى تعرض النساء لسلوكيات عنيفة أو غير لائقة من قبل الزملاء أو الإدارة، بالإضافة إلى ذلك، يظل العنف النفسي والجسدي أحد أبرز المشكلات التي قد تواجهها المرأة في بيئات العمل، مما يؤثر سلباً على صحتهن النفسية والجسدية.
في هذا السياق، يتطلب الأمر تفعيل سياسات وإجراءات أكثر جدية لحماية حقوق المرأة في مكان العمل، مع توفير بيئة تدعم التنوع والمساواة وتساهم في تعزيز رفاهية العاملات.
أكدت ثناء الكناني ناشطة مدنية وتعمل في إحدى القطاعات المالية في العراق، على أن تعرض المرأة العاملة للتمييز في العمل على أساس الجنس يعد من أبرز أشكاله المعاملة غير العادلة في الاستحقاقات الوظيفية والامتيازات الوظيفية من قبل الإدارة، وأحياناً من الزملاء "عايشت هذا التمييز طوال فترة خدمتي في القطاع الخاص"، مشيرة إلى أن هذه المعاناة لا تقتصر على القطاع الخاص، بل تشمل أيضاً موظفات القطاع العام اللواتي تعانين من نفس التحديات.
وأضافت "عندما يتعلق الأمر بتقديم الشكاوى، نواجه غالباً التسويف والتأجيل، كما أن العديد من الشكاوى تنعكس علينا سلباً، خصوصاً إذا كانت الجهة المشكو منها هي الإدارة العليا في المؤسسة أو أحد الأشخاص المدعومين منها".
ولفتت ثناء الكناني إلى أن "موضوع الإنصاف يكاد يكون غائباً، والعديد من الموظفات، بما فيهن أنا، تلجأن إلى العشيرة والأهل في مثل هذه الحالات أو تضطررن إلى ترك العمل"، مبينة أنها "تعرضت شخصياً لهذا التمييز والضغوطات، مما انعكس سلباً على حالتي الصحية والنفسية وأثر على حياتي الأسرية".
وعن موقف ودعم زملاءها وزميلاتها في العمل، قالت الناشطة ثناء الكناني "أما بالنسبة للدعم من الزملاء في العمل، فهو متباين، حصلت على بعض الدعم المعنوي من زملائي، خاصة أولئك الذين يشاركونني نفس الهموم والتحديات الوظيفية".
ومن خلال تجربتها الشخصية في العمل بالقطاع الخاص، تصف الصحفية وداد إبراهيم التحديات التي تواجهها المرأة في عملها بالقطاع الخاص بأنها صعبة للغاية، وتشبه الجلوس على سياج عالٍ، حيث يكفي أي خطأ بسيط لتسقط وتفقد كل شيء، مؤكدة على أن بيئة العمل تجعل المرأة تشعر بأنها مراقبة ومحاسبة على كل تصرف، فهناك العديد من القيود والشروط التي تحد من حرية عملها، وهناك العديد من المواضيع الصحفية التي تكتبها تُرفض، في حين تُقبل وتنشر من قبل زميل آخر، مما يعكس التمييز الواضح بين العاملين.
وأوضحت أن العمل في القطاع الخاص مجحف جداً، ورغم ذلك، لا تستطيع التعبير عن استيائها خوفاً من فقدان وظيفتها، مؤكدة أن هذا هو مبدأها في العمل "تجاهل المعاملة السيئة" للحفاظ على وظيفتها، رغم علمها بأن الشكوى قد تؤدي إلى خسارة عملها.
وتشعر وداد إبراهيم دائماً بتوتر، كما لو أن شيئاً يطاردها، حيث تلتزم بكتابة عمود صحفي، وتوفير صورة ملائمة للموضوع مما يؤثر على حياتها الشخصية ويمنعها من التمتع بحريتها، فهناك ضغط كبير من ناحية المادة والصورة، وهي تعاني من قلة الدعم المادي والمعنوي، خاصة عندما تكون مريضة، حيث لم تجد أي مساندة من زملائها.
وأشارت إلى أن العديد من النساء والفتيات تواجهن صعوبات كبيرة في عملهن بالقطاع الخاص، خصوصاً في الأماكن التي تخضع لمراقبة مستمرة بالكاميرات، مثل المولات والأسواق الكبيرة، إضافة إلى الرواتب المتدنية، كما أن هناك تمييزاً في الأجور، حيث يتقاضى بعض الموظفين الذين لهم صلة قرابة بالمدير أجوراً أعلى بكثير مقارنة بالآخرين، والأدهى من ذلك، أنه لا يتم منح أي زيادات على الرواتب، حتى لو تم العمل في مناسبات خاصة أو إجراء مهام إضافية، مثل العمل في الأعياد أو رأس السنة، ولا يمكن للموظفين الاعتراض خوفاً من فقدان عملهم.
من جانبها قالت جيهان محيو إنها عملت لأكثر من ثلاثة عشر عاماً في المجال الإنساني داخل منظمات محلية ودولية، ومن خلال تجربتها الشخصية ترى أن بيئة العمل في هذا المجال تعد آمنة إلى حد ما، وأفضل من العديد من المجالات الأخرى مثل الشركات الخاصة، فالمنظمات توفر مرونة أكبر في بيئة العمل، رغم أن هذه المرونة تختلف من منظمة لأخرى، بالإضافة إلى ذلك، فقد "أضافت هذه المنظمات لي العديد من المهارات والخبرات والمعارف، كما ساعدتني في تحسين وضعي المادي وتوسيع شبكة علاقاتي، مما ساهم في تعزيز شخصيتي وزيادة وعي المجتمعي والارتقاء بمسؤولياتي".
ولفتت إلى أن "العمل يؤثر على حياتي الشخصية، فإن كوني أماً وعاملة في نفس الوقت، وفي مجال القطاع الخاص الذي يتطلب في كثير من الأحيان ساعات عمل طويلة، جعلني أشعر بعدم التوازن أحياناً بين حياتي العملية والشخصية، بالإضافة إلى الضغوطات التي تفرضها بعض الأعمال والتي قد تلزمنا بالعمل خلال فترات الاستراحة وأيام العطل، ما يؤثر بشكل كبير على حياتنا الشخصية ويجعلنا نفكر في تحديد أولوياتنا وما هي الأمور التي يجب أن نركز عليها".
وفيما يخص الفروقات في الأجور، بينت أنه "هناك العديد من المنظمات التي تشهد هذه الفروقات، حيث تُعطى الأولوية للرجال، خصوصاً في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات، حيث لم أجد سوى امرأة واحدة في هذا المجال طوال فترة عملي، كما نجد بعض الامتيازات التي تختلف من منظمة لأخرى، على سبيل المثال، في الأمم المتحدة يُمنح الموظفون إجازة أمومة مدفوعة لمدة ستة أشهر، بينما تمنح بعض المنظمات الدولية ثلاثة أشهر فقط، في حين أن بعض المنظمات المحلية لا تمنح إجازة أمومة أو قد تعطي شهراً أو شهرين فقط، وأحياناً تكون تلك الإجازة غير مدفوعة".
وهناك بعض المصاعب بالنسبة للعمل في القطاع الخاص، ففرص العمل ليست متوفرة بشكل دائم، غالباً ما تكون عقود العمل لمدة عام واحد، وقد يتم تجديدها أو لا، دائماً هناك حالة من عدم اليقين، حيث ينتهي العقد، ويجب البحث عن فرصة عمل جديدة، مما يشكل تحدياً كبيراً في البدء من جديد، هذا هي بيئة العمل.