العنف الجندري ضد النساء بين القوانين والعقلية الذكورية

العنف الجندري ضد النساء في تونس منتشر في ظل غياب القوانين والأزمة الاقتصادية والاجتماعية وكذلك العقلية الذكورية المتغلغلة في المجتمع.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ خلال محاولة إيجاد أسباب تفشي ظاهرة العنف الجندري وانتشار جرائم قتل النساء، توجهت الباحثات والناشطات في المجتمع المدني إلى دراسة الظاهرة من أوجه عديدة ومناقشتها والخروج بحلول تحد منها.

في إطار العنف ضد المرأة وتفشي هذه الظاهرة بأشكالها المختلفة في جميع المجتمعات وفي كل المجالات، نظم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أمس الجمعة 24 تشرين الثاني/نوفمبر حلقة نقاش قدم فيها العدد التاسع من كراساته تحت عنوان "العنف الجندري ضد النساء".

وخلال تقديمها للكراس أفادت الباحثة أم الزين بن شيحة أن "مسالة العنف الجندري ضد النساء تندرج تحت السياق العالمي للعنف المعولم والحروب الدائمة والأزمات الاقتصادية والبيئية في المجتمعات التي ننتمي إليها اليوم، وفي عصر الاكتئاب والقلق الكوني حول المستقبل تشتد هشاشة الأفراد والفئات المهمشة والمنبوذة والمهجرة وتتنامى ظاهرة العنف على أكثر فئات المجتمع تهميشاً وضرراً، ونقصد بها فئة النساء لكن العنف ضدهن ليس ظاهرة جديدة بل هو أقدم أشكال الممارسات على البشرية أطلاقاً". 

وترى أن العنف الجندري تحول إلى مسألة محرجة بالنسبة للمجتمعات الحديثة والمعاصرة القائمة على ترسانة من حقوق الإنسان، وتحولت جريمة قتل النساء إلى ظاهرة عالمية وأصبحت بمثابة وصمة عار على ضمير الإنسانية قاطبة.

ونوهت أن الكتاب الذي أشرفت على تأليفه حاول القائمون عليه تقدم مقاربات مختلفة ومتعددة الاختصاصات للعنف الجندري، ويتضمن العمل عشرة بحوث تتناول ظاهرة العنف ضد النساء ليس في تونس فقط بل ضد جميع النساء حول العالم، وتناولها كظاهرة تتفاقم حين تشتد الأزمات في المجتمعات وكظاهرة أيضاً لها تاريخ قديم جداً يمتد إلى تاريخ سيطرة النظام الأبوي على المجتمع.

وأكدت على أن "مساهمة المرأة بشكل فعلي في إدارة شؤون البلاد لا تزال تحت رعاية السلطة الذكورية، ولا زلنا بعيدين نوعاً ما عن تحرير منطقة السلطة السياسية من الهيمنة الذكورية"، واعتبرت أن المشكلة لا تكمن في نوع الجنس بل في المنظومة الثقافية والتربوية التي تهيمن على النساء من خلال سلطة الرجال عليهن.

وأضافت "الكتاب رصد العديد من أشكال العنف الجندري ضد النساء منها مجال العنف المعرفي، وفي علم الفلسفة تحديداً النساء تعاني الاقصاء من دائرة تاريخ الفلسفة فكل المراجع مدونة بأسماء ذكور وليس ثمة ذكر لاسم أي امرأة متفلسفة، في حين هناك في تاريخ الفلسفة نساء مثل ديوتيما التي درّست سقراط الفلسفة وهيباتيا الإسكندرية التي عوقبت آنذاك لأنها كانت تدرس الفلسفة".

وأشارت إلى أن "هناك أكثر من 20 فيلسوفة في المجال المعاصر عالمياً كسيمون دي بوفوار ولكن لم يتم أدراج اسمها في كتب تعليم الأطفال والكهول والطلبة وكأن علم الفلسفة حكر على الرجال فقط، هذه النقطة سلطت الضوء عليها في مقالتي حول إقصاء النساء من دائرة الحقيقة واللوغوس الفلسفي، فنحن لسنا ناقصات عقل ولادين ولا ثقافة ولا تربية ولا إنسانية، بل نحن نساوي الرجال في كل ما سبق، ربما أحياناً نختلف ونكون أذكى وأفضل وهي طبيعة الحياة الإنسانية، لكن النظام الذكوري الذي يعيش فيه الرجال هو السبب لأنهم أيضاً ضحايا تنشئة اجتماعية غير متزنة، وبناء على ذلك فإن كتابي لا يؤثم الرجال ولا يدخل في خصومة بينهم وبين النساء".

 

كما تطرقت أم الزين بن شيخة للقوانين التي تحد من العنف المسلط ضد المرأة "القوانين وحدها لن تكون كافية لوضع حد للعنف الموجهة ضد المرأة حتى لو تم تخصيص دستوراً كاملاً لحماية النساء من العنف، إلا أن هناك حاجة ماسة للعمل أولاً على رفع وعي المجتمع المدني والحقوقي وتعزيز فكرة أن الرجال والنساء يجب أن يحصل كل منهم على قدر متساوياً من الحقوق والواجبات، وأن الحل يكمن في الوعي الثقافي للحد من العنف، وأن المسألة ليست فقط قوانين يمكنك من خلالها أن تشرع ما شئت وبالتالي يبقى المجتمع متمسكاً بعقليته الرجعية لا يعترف بحقوق النساء"، وأكدت أن المجتمع المدني مطالب في هذه الحالة بأن يكون الوسيط بين القوانين والسلطة التشريعية والمجتمع.

وقالت "بعد عام 2011 لاحظنا تراجعاً كبيراً في مناهضة العنف ضد المرأة نظراً لأن الأنظمة التي حكمت اتسمت بالطابع الديني وكذلك الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعيشها تونس التي زعزعت من استقرارها، كل هذا يساهم في تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء".

 

 

 

وكذلك العنف الرقمي من أكثر أشكال العنف المسلّط ضد المرأة في تونس عملت عليه الحقوقية ورئيسة جمعية النساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي التي أكدت أنه من خلال البحث والمقابلات التي أجرتها مع الطلبة والناشطات في الحقلين السياسي والمدني على أن العنف يمارس على النساء استناداً على نوعهن الاجتماعي ومحاولة أبعادهن عن الفضاء العام خاصة المجال المدني والحقوقي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الرغم من أن نسبة ارتياد مواقع التواصل متساوية بين النساء والرجال إضافة إلى تشابه الأسباب والتشخيص إلا أن الذهنية الأبوية لا تؤمن بالمساواة في المجتمع وفي المواطنة وفي الحقوق والحريات.

وأشارت إلى أنها بعد البحث والمحادثات خلصت إلى ضرورة وجود قوانين تحمي النساء في هذا الفضاء، وأن السلامة النفسية مهمة والآثار النفسية لهذا النوع من العنف هي أشد وقعاً من الآثار الجسدية، وأن العديد من الناشطات خاصة في جمعية النساء الديمقراطيات تتعرضن إلى الوصم والتشويه على خلفية مشروعهن الاجتماعي القائم على المساواة والحرية، كما خلصت إلى أن الشتائم هي ألفاظ يستعملها الذكور لاستضعاف النساء واسكاتهن وهذا بحد ذاته عنفاً.

وأفادت أن جمعية النساء الديمقراطيات اليوم السبت 25 تشرين الثاني/نوفمبر تنظم في قصر المؤتمرات محكمة صورية للتحشيد ضد جرائم قتل النساء في تونس التي وصل تعدادها منذ بداية هذه السنة إلى 27 جريمة، ولاستنكار الإبادة الجماعية التي تتعرض لها نساء وأطفال غزة وكل الفلسطينيات فهم أيضاً لهم الحق في تقرير مصيرهم.

وخلصت إلى القول إن التونسيات تعانين من العنف الرقمي لأنهن ينشرن على مواقع التواصل الاجتماعي آرائهن وأفكارهن ورؤيتهن للمشروع المجتمعي الذي تؤمنون به كمجتمع ديمقراطي مدني. 

وختمت بأن الخلفية التحررية جعلتهن يتعرضن إلى مثل هذا العنف بهدف اسكاتهن والتحكم بأجسادهن وفكرهن وإبعادهن عن المشهد السياسي لأن المجتمع الذكوري الذي يهمن على واقعهن لم يتخلص بعد من الوصاية الذكورية على أجساد النساء.

 

 

 

وفي سياق متصل قالت المكلفة بالمرأة في القطاع الفلاحي لمياء قم الرجايبي "نعمل على تحسيس أوضاع المرأة العاملة في القطاع الفلاحي استرداد حقوقها الاقتصادية والاجتماعية ومناهضة العنف المسلط ضدها وحمايتها من العنف الاقتصادي خاصة من خلال منحها الحق في النقل الآمن وفي التغطية الاجتماعية والأجر الكافي".