المرأة الإيرانية من الضغط الاقتصادي إلى المقاومة الاجتماعية
يشير علم الاجتماع إلى أن النساء غالباً ما يكنّ من أوائل الفئات التي تتعرض للخطر في أوقات الأزمات، إلا أنهن في ذات الوقت تمتلكن القدرة على أن تكن قوة محركة في إعادة بناء المجتمع وتعزيز النشاط المدني.

ماريا كريمي
إن تفعيل "آلية الزناد في إيران" والذي يعني عودة العقوبات الشاملة والضغوط الاقتصادية والسياسية متعددة الطبقات لا يستهدف الهيكل الاقتصادي الكلي فحسب، بل يُحدث أيضاً إلى تغييرات عميقة وغالباً ما تكون سلبية في نسيج العلاقات الاجتماعية والثقافية، وفي هذا الصدد تتعرض النساء لأشد العواقب وأشدها وطأة نظراً لمكانتهن التاريخية والاجتماعية في المجتمع الإيراني، فأي أزمة اقتصادية في إيران كما هو الحال في المجتمعات النامية الأخرى تتجلى أولًا في مجال سبل العيش، حيث تتحمل النساء العبء الأكبر كعاملات وركيزة أساسية للأسرة، ومع انهيار العملة الوطنية وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الركود الاقتصادي ستكون العديد من النساء العاملات في القطاع غير الرسمي والشركات الصغيرة أول ضحايا هذه الضغوط، وهذا التوجه إما أن يدفعهن نحو البطالة والتشرد أو يجبرهن على دخول أسواق عمل محفوفة بالمخاطر تفتقر إلى الحماية الاجتماعية، وفي الوقت نفسه تتعزز الأدوار التقليدية للرعاية والأعمال المنزلية ويتزايد عبء عمل المرأة غير المرئي وغير القابل للتنفيذ بشكل كبير.
يُعد التعليم، وخاصةً تعليم الفتيات من أوائل المجالات التي تأثرت بالأزمة فالضغوط الاقتصادية تُجبر الأسر على خفض الإنفاق وفي ظل هذه الأولوية يُصبح تعليم الفتيات أكثر عرضة للإلغاء من تعليم الأولاد، وفي المناطق المحرومة تكون الفتيات أكثر عرضة للتسرب من المدارس وإجبارهن على الزواج المبكر كما أن النظام التعليمي الذي يُعاني من ميزانيات محدودة ومستنزفة يفقد قدرته على تلبية الاحتياجات وهذه الفجوة التعليمية تُغذي تكاثر حلقات الفقر وعدم المساواة بين الجنسين.
في قطاع الصحة يؤدي تفعيل العقوبات بالدرجة الأولى إلى نقص في الأدوية والمعدات، وتواجه النساء اللواتي تحتجن إلى الوصول المستمر إلى الخدمات الطبية طوال دوراتهن الإنجابية والحمل والصحة الجنسية، نقصاً خطيراً وستكون الأدوية الحيوية لعلاج سرطانات النساء، وأدوية الخصوبة، ومرافق الولادة الآمنة، أول ضحايا هذه الظروف.
من ناحية أخرى يُشكل الفقر وارتفاع الأسعار عقبات خطيرة أمام الحصول على الخدمات الصحية، ونتيجة لذلك تتزايد معدلات وفيات الأمهات وعمليات الإجهاض غير الآمنة، والأمراض المزمنة بين النساء، في الوقت نفسه تُفاقم الضغوط النفسية الناجمة عن الأزمة الاقتصادية القلق والاكتئاب بين النساء وخاصة على الأمهات وربات الأسر، ولا تؤثر الأزمة الاقتصادية على سبل العيش والصحة فحسب بل تحدث أيضاً تحولات في البيئة الثقافية والاجتماعية، ففي ظل انعدام الأمن والضغوط، عادةً ما تسود الخطابات المحافظة والأبوية ويمكن أن تؤدي العودة إلى التقاليد المُقيِّدة للمرأة وتعزيز الأدوار المنزلية التقليدية إلى موجة من التراجع الثقافي، وفي مثل هذه البيئة يزداد احتمال تزايد العنف المنزلي والاجتماعي ضد المرأة وقد أظهرت الأبحاث العالمية أن العنف القائم على النوع الاجتماعي قد ازداد بشكل ملحوظ في ظل الأزمات الاقتصادية، وإيران ليست استثناءً ويُعدّ الزواج القسري أو المبكر وزيادة الضغط على أجساد النساء وحريتهن، ومحدودية النشاط الاجتماعي عواقب طبيعية لهذا التوجه.
من الناحية القانونية تتفاقم القوانين التمييزية في الميراث والحقوق المدنية الأخرى خلال فترات الأزمات، وتواجه الساعيات إلى اللجوء إلى نظام العدالة تحديات إضافية، فمن جهة تُعتبر تكاليف الإجراءات القانونية باهظة في ظل بيئة تضخمية ومن جهة أخرى يُقلل الفساد وعدم كفاءة النظام الإداري من فرص النساء في الحصول على حقوقهن، في مثل هذه الظروف تُجبر العديد من النساء على التنازل عن حقوقهن مما يُفاقم التفاوت الهيكلي.
من منظور سياسي يمكن أن تؤدي ضغوط العقوبات إلى مسارين مختلفين، أحد الاحتمالات هو أن تُعزز الحكومة الضوابط الاجتماعية للحفاظ على التماسك الداخلي، وغالباً ما يصاحب هذه العملية مزيد من القيود على الحقوق المدنية للمرأة، والاحتمال الآخر هو أن تشرع النساء والحركات الاجتماعية استجابةً للنقائص والأزمات المتراكمة في مسار جديد من المقاومة والمطالبة، في كلتا الحالتين ستكون النساء في قلب التطورات الاجتماعية والسياسية المستقبلية إما كخاضعات للقيود أو كرائدات للتغيير.
وفي النهاية يمكن القول إن تفعيل آلية الزناد لن يُضعف القطاعات الاقتصادية الإيرانية بشدة فحسب، بل ستقع عواقبه الاجتماعية والثقافية والسياسية العميقة مباشرة على أجساد النساء، وستؤثر هذه التطورات في الوقت نفسه على أجسادهن ونفسياتهن وتعليمهن وعملهن ووجودهن في مجالات الإدارة والمجتمع، يُظهر علم اجتماع الأزمة أن النساء في مثل هذه الحالات غالباً ما تكنّ أول الفئات الضعيفة ولكن في الوقت نفسه يمكن أن تصبحن العامل الرئيسي لإعادة البناء الاجتماعي والنشاط المدني، يعتمد المسار المستقبلي على مدى قدرة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والنساء أنفسهن على تفعيل قدرات المقاومة والتضامن والمبادرة، وإلا فإن المنظور السائد هو تعميق الفجوات بين الجنسين وإعادة إنتاج دورة تفرض الفقر والتمييز والعنف على مستقبل المرأة الإيرانية.