المغرب يحتضن مهرجاناً نسوياً يحتفي بالمساواة ويكرم رموزها

في الوقت الذي يشهد فيه المغرب حراكاً نسائياً متنامياً، يبقى الرهان معقوداً على مبدعين ومبدعات قادرين على تحويل قضايا النساء من ملفات صامتة إلى صور ناطقة، تحرك المشاعر، وتفتح آفاق التغيير.

حنان حارت

المغرب ـ نظمت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في مدينة الدار البيضاء، الدورة الأولى من المهرجان الدولي للسينما، وتميزت بمشاركة نخبة من الفنانات والفنانين، إلى جانب عرض مجموعة من الأفلام القصيرة الوطنية والدولية، التي تناولت موضوع المساواة بين الجنسين من زوايا فنية مختلفة.

في إطار فعاليات المهرجان الذي أقيم خلال الفترة الممتدة بين 14 و17 أيار/مايو الجاري، احتضنت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة ندوة فكرية حول موضوع "السينما ومدونة الأسرة"، بحضور نقاد وباحثين وباحثات ومخرجين ومخرجات ومهنين ومهنيات في المجال السينمائي والحقوقي، حيث شكلت النقاشات مناسبة لتشريح واقع التمثلات السينمائية لقضايا النساء، وتسليط الضوء على محدودية تناول معاناتهن القانونية والاجتماعية داخل الأعمال الفنية المغربية.

ومن أبرز مداخلات الندوة، كانت كلمة المحامية والنسوية زاهية عمومو، التي اعتبرت أن السينما المغربية لا تزال عاجزة عن تجسيد الواقع القاسي الذي تعيشه آلاف النساء داخل قاعات المحاكم "الواقع شيء، وما نراه في الأفلام شيء آخر، النساء يواجهن صعوبات هائلة في الولوج إلى العدالة، من الانتظار الطويل، إلى تعقيد الإجراءات، مروراً بغياب فضاءات تراعي وضعية الأمهات المرافقات لأطفالهن"، مستحضرةً مشاهد يومية مؤلمة، من قبيل نساء يضطررن لحضور جلسات المحاكم رفقة أطفالهن الرضع دون وجود مكان للرضاعة، أو مرافقة أطفال في سن الدراسة يغيبون عن مقاعد التعليم بسبب امتداد الجلسات.

 

"الأعمال الفنية تستطيع فتح الأبواب أمام التغيير"

وعلى هامش الندوة قالت زاهية عمومو أن "السينما يمكن أن تعكس هذه المعاناة، وتضغط رمزياً على المشرع، إذا ما اختارت النزول إلى الواقع وتجسيد قضاياه بصدق وعمق"، مؤكدة على أن "الأعمال الفنية، حين تنجح في التعبير عن القضايا النسائية بواقعية، يمكن أن تخلق تعاطفاً مجتمعياً قوياً، بل وتفتح الباب أمام التغيير القانوني"، مشيرة إلى أن المرأة التي ترى قصتها مجسدة على الشاشة، لا تشعر بنفسها وحيدة وأن هناك من يوصل صوتها.

وقدمت أمثلة من التجربة المصرية، التي شكلت نموذجاً يحتذى به في هذا المجال، فقد استطاعت أعمال سينمائية مثل فيلم "أريد حلاً" بطولة فاتن حمامة، ومسلسل "تحت الوصاية" لمنى زكي، أن تضع قضايا النساء الأرامل والمطلقات في صلب النقاش العمومي، وتساهم في دفع عجلة تعديل قوانين الأحوال الشخصية، من خلال خلق زخم شعبي وتفاعل قانوني واسع.

 

"السينما والدراما وسيلتان لتنمية الوعي الجماعي"

وأكد المشاركات والمشاركون أن السينما والدراما ليستا مجرد أدوات فنية، بل وسيلتان بالغتا التأثير في الوعي الجماعي، تتجاوزان الحملات التوعوية الكلاسيكية، وتحدثان تفاعلاً وجدانياً يصعب على الوسائط الأخرى تحقيقه بنفس القوة.

ومن جانب آخر اعتبرت العديد من المشارِكات أن الأعمال الدرامية المغربية لا تزال متأخرة عن أداء هذا الدور التغييري، إذ أن تناولها لقضايا النساء غالباً ما يكون سطحياً أو نمطياً، ولا يعكس التحولات الاجتماعية والقانونية التي شهدها المغرب، خاصة فيما يتعلق بمدونة الأسرة.

وشددت الأصوات النسائية المشاركة على أن تجاهل معاناة النساء في المحاكم، أو تقديمها بصور نمطية، هو شكل من أشكال الإقصاء الرمزي، ودعت إلى ضرورة إنتاج أعمال مغربية جريئة، متماسكة فنياً، وقادرة على زعزعة التمثلات التقليدية، وتوجيه النقاش العمومي نحو العدالة والمساواة.

ورغم اختلاف وجهات النظر بشأن مدى قدرة السينما على التأثير المباشر في التشريعات، أتفق الجميع على أهمية دورها في تشكيل الوعي الجماعي، مؤكدين على أن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل يتطلب تراكمات واشتباكاً حقيقياً مع القضايا الحيوية.

 

"الفن ليس مجرد وسيلة للترفيه"

فيما اعتبر العديد من المشاركون والمشاركات على أن الرهان الأكبر للسينما المغربية هو خلخلة الأفكار التقليدية، وخلق نقاش عمومي مستدام حول قضايا كالنفقة، الوصاية، والعنف ضد النساء.

وذكرت إحدى المشاركات بأن المغرب صادق على الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالحق في الترفيه والتعبير الفني، ما يلزم المؤسسات والمبدعين بالارتقاء بالمحتوى الفني ليصبح أداة حقيقية للمرافعة، وليس مجرد وسيلة للترفيه.

واستحضِرت خلال النقاشات أمثلة من السينما المغربية، مثل فيلم "البحث عن زوج امرأتي"، الذي أثار نقاشاً مجتمعياً واسعاً حول مسألة المحلل، فيما خلق مسلسل "رحمة"، تعاطفاً مع ضحايا العنف الأسري، غير أن هذه الأعمال بقيت محدودة التأثير، ولم تحدث الأثر التشريعي المأمول، حسب رأي المتدخلين.

هذا واختتمت الندوة بالتأكيد على أن الفن، بما فيه السينما، ليس فقط مرآة للمجتمع، بل قوة ناعمة يمكن أن تساهم في تغييره، غير أن تحقيق هذا التأثير يظل رهيناً بمدى الجرأة، والالتصاق بالواقع، والقدرة على ملامسة المسكوت عنه.

 

مهرجان الدورة الأولى يشهد حضور نسوي قوي

وشهدت فعاليات الدورة الأولى للمهرجان حضور وجوه نسائية بارزة من الحركة النسوية المغربية، ممن راكمن تجربة طويلة في الدفاع عن حقوق النساء، خاصة فيما يتعلق بالمساواة القانونية والعدالة الاجتماعية، وتميزت هذه الدورة بتكريم المخرجة السينمائية الرائدة فريدة بليزيد، في لحظة رمزية تعترف بإسهاماتها في ترسيخ السينما النسوية بالمغرب، والذي يعد احتفاء بمسار فني وإنساني حافل، حيث تعتبر فريدة بليزيد من أولى المخرجات اللواتي كسرن جدار الصمت حول قضايا النساء من خلال الكاميرا.

وعرفت بليزيد بأفلامها الجريئة التي قاربت موضوعات الهوية، والحرية، ومكانة المرأة في مجتمع محافظ، على غرار فيلم "نساء ونساء"، الذي يعد من أبرز الأفلام المغربية التي سلطت الضوء على الصعوبات التي تواجهها النساء داخل النسيج الأسري والاجتماعي.

وبهذا التكريم، أراد المهرجان أن يعيد الاعتبار لرموز نحتن بصمت ملامح سينما نسوية ملتزمة، تضع قضايا المرأة في قلب السرد البصري وترافع، كل بطريقتها، من أجل مجتمع أكثر عدالةً وإنصافاً.