اللجنة البرلمانية تعقد اجتماعها السادس ودعوات لدستور جديد ومصالحة وطنية شاملة
أجمع ممثلو النقابات المشاركين في الاجتماع السادس للجنة البرلمانية "التضامن الوطني، الأخوة والديمقراطية"، على أن الدستور الجديد لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة تاريخية ومجتمعية، في إشارة إلى أن الدستور الحالي لم يعد قادراً على تلبية متطلبات العدالة، التعددية.

أنقرة ـ طالب ممثلو نقابات المحامين خلال الجلسة السادسة للجنة البرلمانية، بإصلاحات قانونية عاجلة، والاعتراف بحقوق اللغة الكردية، وإنهاء السياسات الإقصائية.
شهد الاجتماع السادس للجنة البرلمانية التي شكلت بهدف التوصل إلى حل شامل للقضية الكردية، الذي عقد اليوم الأربعاء 27 آب/أغسطس، حضور عدد من رؤساء نقابات المحامين من مختلف الولايات، من بينها أنقرة (الفرع الثاني)، تشولِغ، آمد، هاتاي، إسطنبول (الفرع الثاني)، ملاطيا، ماردين، مرسين، وان، وسيفاس، في المقابل، غابت عن الاجتماع أبرز ثلاث نقابات محامين في البلاد من حيث عدد الأعضاء، وهي نقابات إسطنبول، أنقرة، وإزمير، رغم توجيه دعوات رسمية إلى جميع النقابات عبر اتحاد نقابات المحامين.
وفي إطار السعي لحل القضية الكردية، استمعت لجنة "التضامن الوطني، الأخوة والديمقراطية" خلال اجتماعها السادس إلى ممثلي نقابات المحامين.
وفي مستهل الجلسة، قال رئيس البرلمان نعمان كورتولموش "إن المرحلة الحالية تتطلب تأسيس بنى قانونية داعمة للعملية"، فيما قال رئيس نقابة المحامين في آمد عبد القادر غولج "نعتقد أن هذه اللجنة ينبغي أن تضطلع بدور فعال"، مضيفاً "إن مراسم إتلاف السلاح التي تم تنظيمها تُظهر بوضوح التخلي عن نهج حل القضية الكردية عبر العنف، وتفتح الباب أمام تحقيق السلام الدائم، هذا التطور يستدعي إصدار قانون خاص يتيح إعادة دمج آلاف الأشخاص المحتجزين في السجون، والمواطنين الذين يعيشون في المنفى بأوروبا، في الحياة الاجتماعية والسياسية من جديد".
"على الدولة أن تتصالح مع اللغة الكردية"
وأشارت إلى إن الدولة التركية مطالبة اليوم بالتصالح مع اللغة الكردية، لافتاً إلى أن حتى أكثر المطالب شرعية للكرد تُقابل بلغة الكراهية ويتم رفضها بشكل ممنهج، وأن الكرد يعاملون كأعداء لمجرد مطالبتهم بحقوقهم، ومطالبهم تشوه عبر وصمات متعددة تهدف إلى تقويض مشروعيتها.
وأكد على أن اللجنة البرلمانية المعنية يجب أن ترفض هذا الخطاب التفريقي، وتسعى إلى إعادة توحيد شرائح المجتمع من خلال تبني نهج شامل يستند إلى لغة السلام والحل، ويرتكز على القيم العالمية للقانون والديمقراطية، لافتاً إلى أن منع إحدى الأمهات من ديار بكر/آمد من التعبير عن ألمها تجاه ابنها باللغة الكردية خلال الجلسة السابقة يجسد جوهر القضية الكردية، مشدداً على أن التعبير عن الألم باللغة الأم يعد حقاً إنسانياً وأساسياً.
وأشار إلى أن البرلمان، باعتباره صوت الشعب، كان بإمكانه اتخاذ مبادرة للسماح بالتكلم باللغة الكردية، وهو ما كان سيشكل خطوة مهمة نحو تطبيعها وجعلها لغة للسلام، منوهاً إلى أن تكرار مثل هذه المشكلات لن يمنع إلا من خلال الاعتراف بحق التعليم باللغة الكردية كلغة أم، مؤكداً على ضرورة أن تتصالح الدولة مع اللغة الكردية وتمنحها مكانتها المستحقة.
واعتبر تنفيذ قرارات المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلزامياً بموجب الدستور الحالي، مشدداً على الحاجة الملحة لإجراء تعديلات قانونية تتيح الإفراج عن السجناء المرضى، لافتاً إلى أن قرارات لجنة إدارة السجون والمراقبة تحولت إلى عائق أمام الإفراج المشروط، مما يستدعي التخلي الفوري عن هذه الممارسة وإعادة هيكلة اللجنة.
كما انتقد ما وصفه بالتقليد المتكرر في تعيين أوصياء على البلديات وعزل رؤساء البلديات المنتخبين، مشيراً إلى أن تركيا تعيش منذ 45 عاماً في ظل دستور الانقلاب، الذي يحافظ على الروح السلطوية والعقلية الأحادية، ولا يضمن السلام المجتمعي، ولا المساواة بين المواطنين، ولا التعددية في البنية الاجتماعية.
وأكد على أن صياغة دستور جديد لم تعد خياراً، بل أصبحت ضرورة تاريخية ومجتمعية، داعياً إلى إعداد دستور يستند إلى التوافق المجتمعي، ويركز على الحريات، ويتيح لكل فرد أن يرى نفسه مواطناً متساوياً، وعلى هذا الدستور أن يفتح الطريق أمام التعليم باللغة الأم، ويحيي روح اللامركزية التي كانت موجودة في دستور عام 1921، بما يتيح حلاً سلمياً للقضية الكردية.
مداخلات قانونية تدعو للشفافية والإصلاح ومواجهة الانتهاكات
من جانبه سلط رئيس نقابة المحامين في إسطنبول (الفرع الثاني)، ياسين شاملي، الضوء على أهمية الشفافية في العملية السياسية، مشيراً إلى أن أي تلاعب أو تضليل من شأنه الإضرار بمسار الحل لا يمكن منعه إلا من خلال إعلام الجمهور بشكل واضح وصريح.
كما شدد رئيس نقابة المحامين في ملاطيا، أونور دميرز، على ضرورة امتلاك اللجنة البرلمانية المعنية معرفة كافية بجميع الأبعاد المرتبطة بالقضية، بما في ذلك الجوانب السياسية، الاقتصادية، التاريخية، الاجتماعية، والأهم من ذلك القانونية، مؤكداً أن بناء الأحكام والتوجه نحو الحل يجب أن يستند إلى هذه المعرفة المتكاملة.
أما رئيس نقابة المحامين في مرسين، غازي أوزدمير، فقد ركز في مداخلته على الانتهاكات المتكررة، مثل تعيين الأوصياء على البلديات، والاعتقالات، ومظاهر عدم المساواة، داعياً إلى مراجعة هذه السياسات التي تُعيق العدالة وتفاقم التوترات الاجتماعية.
"يجب أن يكون نموذج مانديلا مصدر الإلهام"
وفي مداخلته قال رئيس نقابة المحامين في ماردين، أحمد دويان، إن نجاح العملية السياسية الجارية أمر بالغ الأهمية، محذراً من أن فشلها سيؤدي إلى معاناة كبيرة على مستوى البلاد، وخاصة في المناطق المتأثرة مباشرة.
وأكد أن استقلال القضاء يُعد من أبرز الأولويات التي لا يمكن التنازل عنها، مشيراً إلى أن مراجعة محاضر الاجتماعات كشفت عن طلبات إفراج مؤلمة تخص صحفيين وسياسيين معتقلين، بالإضافة إلى قضايا العودة، واصفاً ذلك بأنه "شهادة وفاة للقانون".
وأوضح أن تقديم طلبات الإفراج إلى السلطة التشريعية بدلاً من القضاء يعد دليلاً واضحاً على غياب استقلالية السلطة القضائية، كما أشار إلى أن تعريف "المنظمة الإرهابية" في القانون التركي يعاني من غموض شديد، مؤكداً أن تحديد ما إذا كانت جهة ما تعد منظمة إرهابية يجب أن يكون من اختصاص القضاء وليس من منطلقات سياسية أو ضمير سياسي.
وفي هذا السياق، دعا إلى إلغاء قانون مكافحة الإرهاب (TMK) واستبداله بنصوص جديدة ضمن قانون العقوبات التركي، بهدف إزالة هذا الغموض القانوني وتحقيق وضوح تشريعي يضمن العدالة ويمنع التوظيف السياسي للمفاهيم القانونية الحساسة.
وأشار إلى أن قضايا القتل مجهول الفاعل والضحايا المدنيين لا تزال تطرح في كل اجتماع، رغم الدعوات إلى عدم فتح جراح الماضي، مؤكداً أن جرائم القتل مجهولة الفاعل، ورمزية "سيارات التوروس البيضاء"، لا يمكن لأي إنسان صاحب ضمير أن يقبل بها، داعياً إلى فتح السجلات والتحقيق في هذه القضايا، وتقديم كل من تورط فيها، سواء كان عسكرياً أو شرطياً أو مدنياً، إلى القضاء المستقل.
وأضاف أن هناك أحداثاً وقعت في هذا البلد لا يمكن طيها بمجرد اعتذار دون محاسبة، مشدداً على أن طلب العفو من طرف لا يمكن أن يترافق مع تغذية الحقد من الطرف الآخر، معتبراً أن نماذج مثل منظمة "إيتا" في إسبانيا أو "إيرا" في إيرلندا ليست مناسبة لتجربة تركيا، موضحاً أن عدد الضحايا في إسبانيا بلغ 483 شخصاً فقط، بينما شهدت تركيا خسائر بهذا الحجم في ليلة واحدة، ما يجعل تلك النماذج غير قابلة للتطبيق محلياً.
وقال في ختام مداخلته إن تركيا يجب أن تبتكر نموذجها الخاص في الحل والمصالحة، وهي بالفعل تسير في هذا الاتجاه "إذا كان لا بد من استلهام تجربة ما، فإن النموذج الوحيد الذي يمكن أن يكون مصدر إلهام لنا هو نموذج نيلسون مانديلا".
ترتيبات العودة إلى الحياة المجتمعية
بدوره أكد رئيس نقابة المحامين في وان، سنان أوزاراز، على ضرورة مواجهة الواقع بصدق ضمن أعمال اللجنة البرلمانية المعنية بحل القضية الكردية، مشيراً إلى أن الحل الحقيقي يتطلب رؤية واضحة وحلول واقعية، مشدداً على أهمية أن تكون هذه المواجهة حقيقية وليست شكلية.
وأشار إلى أن العملية يجب أن تقسم إلى مرحلتين أساسيتين، الأولى تتعلق بإنهاء مرحلة النزاع المسلح، حيث دعا إلى تجاوز الخطاب التقليدي الذي يختزل القضية في شعار "تركيا بلا إرهاب"، والانتقال نحو خطوات تشريعية ملموسة تنهي العملية التي بدأت بدعوة القائد عبد الله أوجلان.
وأكد على ضرورة الاعتراف بأن الأشخاص الموجودين في الجبال هم مواطنون أتراك، وأن السياسات الأحادية وغير القانونية التي اتبعتها الدولة كانت سبباً في نشوء حزب العمال الكردستاني، الذي يعد نتيجة وليس سبباً، ومن هذا المنطلق، شدد على أهمية تسوية أوضاع هؤلاء الأفراد قانونياً دون تمييز، عبر إصدار تشريعات تضمن عودتهم إلى الحياة المجتمعية بشكل قانوني ومنظم.
ولفت إلى إن إصدار ترتيبات قانونية تتيح العودة إلى الحياة المجتمعية لهؤلاء الأفراد يعد شرطاً أساسياً لتحقيق السلام الحقيقي، وأن أي حل لا يشمل هذه الخطوة سيبقى ناقصاً وغير قابل للاستمرار.
"يجب تغيير الموقف تجاه الشعب الكردي واللغة الكردية"
ودعا المشاركون والمشاركات في الاجتماع إلى ضرورة تحويل تعديلات قانون مكافحة الإرهاب (TMK) و"حق الأمل" إلى تشريعات فعلية دون تأخير، باعتبارها خطوات أساسية نحو تحقيق السلام الحقيقي والوحدة الوطنية في إطار عملية التحول الديمقراطي، مؤكدين على أن هذه الإجراءات تمثل جزءاً من المرحلة الانتقالية، لكنها لا تكفي وحدها لحل القضية الكردية بشكل دائم، ما يستدعي اتخاذ خطوات أوسع على مستوى الديمقراطية في تركيا.
وشددوا على أن من بين هذه الخطوات القانونية، تعزيز الحقوق والحريات الأساسية، وضمان مبدأ المواطنة المتساوية دون تمييز على أساس العرق أو اللغة أو الثقافة أو الدين، وأن الموقف تجاه الشعب الكردي واللغة الكردية يجب أن يتغير، وأن تُمنح جميع اللغات والثقافات والمعتقدات ضمانات دستورية وقانونية.
كما أُشير إلى أن إصلاح أوضاع السجون يعد أمراً بالغ الأهمية، إلى جانب معالجة ملف المفقودين أثناء الاحتجاز، وأعرب المتحدثون عن أسفهم لأن المحاكمات التي بدأت في إطار المرحلة السابقة من عملية الحل، والتي جاءت بدعوة من رئيس الجمهورية، بشأن جرائم القتل مجهولة الفاعل، قد تحولت لاحقاً إلى تبرئة للمتهمين، مما أدى إلى طمس الحقيقة بدلاً من كشفها.
وطرحت دعوة صريحة لاستمرار التحقيقات والمحاكمات في هذه القضايا، ومحاسبة المسؤولين عنها، كما تم التأكيد على ضرورة مواجهة الأحداث التاريخية المؤلمة مثل مجازر زيلان، ديرسم، زيني كيدي، حادثة 33 رصاصة، قصف قرى فارجينيس، ليجه، كوشكوناك، كوشاجلي، وروبوسكي، من خلال تبني نهج واقعي قائم على العدالة التصالحية.
وفي السياق ذاته، طُرحت مطالب بالكشف عن أماكن دفن شخصيات تاريخية مثل الشيخ سعيد، سيد رضا، وبديع الزمان سعيد النورسي، والتي لا تزال مجهولة حتى اليوم، بهدف تمكين الشعب الكردي من إحياء ذكراهم وممارسة حقه في الحداد، واختُتمت المداخلات بالدعوة إلى بناء ذاكرة جماعية مشتركة تُسهم في المصالحة الوطنية.