الحناء والهوية... امرأة من مريوان تعيد إحياء التراث بأسلوب عصري

تمزج مهناز نمداري بين الفن والتراث عبر مكياج الأطفال ونقوش الحناء، لتخلق فضاءً اقتصادياً وثقافياً يُعزز حضور المرأة، تجربتها تمثل تحدياً ناجحاً في بيئة تقليدية، حيث يتحول الفن إلى وسيلة للتعبير والتمكين.

إسراء عزيزي

مريوان ـ فن الحناء عريق تمارسه النساء منذ قرون، ويُجسّد رموز الجمال والفرح والهوية الثقافية، من حفلات الزفاف إلى المناسبات الخاصة، تُزيّن النساء أيديهن وأقدامهن بنقوش تقليدية تجسد قصصاً عن الحب، الحياة، والنضال.

زريبار، البحيرة الفاتنة في مدينة مريوان بشرق كردستان، ليست مجرد وجهة سياحية، بل هي جزء حي من حياة السكان، ومسرحٌ تمثل فيه نساء مثل مهناز نمداري قصصاً من التحدي والإبداع، حيث يتحول المكان إلى فضاء لكسر القيود وخلق الفن.

تقف مهناز نمداري خلف طاولتها، تُحضّر أدواتها بعناية؛ الألوان والأقلام جاهزة لتزيين وجوه الأطفال ونقش الحناء على أيدي النساء، وتقول "أعمل في مجال مكياج الأطفال، شاركت في دورات تدريبية بطهران ومريوان، ففي السابق لم تكن هذه الخدمات متوفرة هنا، ولم يكن هناك أي اهتمام بأعياد ميلاد الأطفال أو احتفالاتهم، بينما كان هذا الفن منتشراً في المدن الكبرى".

وتنظر بحماس إلى الأطفال المتجمعين حول الطاولة، وتضيف "أمارس عملي في زريوار منذ أربع سنوات، أبدع في مكياج الأطفال وتصميم نقوش الحناء للنساء، أنا المرأة الوحيدة هنا التي تعمل في هذا المجال الفني، في البداية، لم يكن كثيرون يعرفون عنه وكانوا يتعاملون معه بفضول، لكن سرعان ما نال إعجابهم وأصبح جزءاً من احتفالاتهم ومناسباتهم".

 

 

قالت وهي تمسك قلمها وتبدأ بتلوين يد طفلة صغيرة "بدأتُ برسم الحناء قبل نحو عام، لأنني أعشق فن الوشم، لكن الوشم دائم، وقد يشعر الإنسان بالملل منه مع الوقت، بينما الحناء مؤقتة وتمنحني حرية التجديد، وهذا ما شدّني إليها".

وترى مهناز نمداري أن العمل في زريوار، رغم سحر الطبيعة المحيطة، لا يخلو من الصعوبات "لكل مهنة تحدياتها، لكن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة للنساء في بيئة يغلب عليها الطابع الذكوري مثل زريوار، لم يكن من السهل أن أبدأ هنا، لكنني قبلت التحدي وتابعت بشغف وصبر، واليوم، أصبح الناس أكثر تقبّلاً وتشجيعاً لما أقدمه".

تتأمل نقوش الحناء وتقول "أحياناً نبتكر رموزاً تستحضر الذكريات الجميلة وتحظى بتقدير كبير من النساء، النقوش التي زينت وجوه وأيادي النساء عبر الزمن لها جمهور كبير، وأنا أعيد صياغتها بالحناء بأسلوب فني خاص، هذه النقوش تجسد معاني الحياة، الحب، النضال، وغيرها من القيم العميقة التي تحمل أهمية خاصة للمرأة".

وبينت "من خلال فني، أضفت لوناً ورائحةً جديدة إلى زريوار، الأطفال الذين ينتظرون مكياجهم، والنساء اللواتي يأتين لنقش الحناء، وجمال المكان الذي نُسهم في تزيينه، كلها دلائل على قدرة المرأة على المشاركة الفاعلة وكسب الرزق هنا، زريوار يمكن أن يتحول إلى فضاء اقتصادي وفني نابض بالحياة للنساء".

 

 

فن الحناء لا يقتصر على الزينة، بل يُعدّ وسيلةً للتعبير عن الذات وتعزيز الهوية الجماعية للمرأة، وربطها بجذورها في مجتمع تسوده الهيمنة الذكورية، ومن خلال إعادة إحياء هذه التصاميم في زريوار، لا تكتفي مهناز نمداري بإضفاء البهجة والجمال على المكان، بل تُسهم أيضاً في صون التراث الثقافي للمرأة وتعريف الأجيال الجديدة بقيمه الفنية والرمزية.