16 عاماً من الانتظار... العدالة الغائبة في قضية جيلان أونكول
على الرغم من مرور 16عام على مقتل الطفلة جيلان أونكول، بقذيفة أثناء رعيها للماشية لا تزال عائلتها تنتظر محاسبة المسؤولين، وسط قرارات قضائية متضاربة وتحقيقات غير فعالة ما يعكس أزمة عميقة في النظام القانوني تجاه ضحايا الصراعات.

آرجين ديليك أونجل
آمد ـ في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر الجاري، تحل ذكرى مقتل الطفلة جيلان أونكول، ذات الاثني عشر عاماً، التي خطفها الموت وهي تركض نحو المرعى، حين مزّقت قذيفة جسدها الصغير، واضطرت والدتها إلى جمع أشلائها في طيات تنورتها.
عُرفت جيلان أونكول الطفلة التي فقدت حياتها بقذيفة بسترتها الصفراء وعينيها الواسعتين اللتين كانتا تصرخان طلباً للعدالة، لم تُخلّدها الحياة إلا بصورتين نُشرتا في الصحافة، إذ لم يُكتب لها أن تصنع ألبوماً من الذكريات، بل أصبحت هي الذكرى ذاتها.
كانت جيلان أونكول تلميذة في المرحلة الابتدائية، وفي عام 2009 أثناء رعيها للماشية في قرية خانباز التابعة لحي كانيسبي (شينليك) في قضاء ليسي بمدينة آمد (ديار بكر)، سقطت ضحية لقذيفة هاون أُطلقت من مركز للشرطة، بقيت جثتها في مكان الحادث ست ساعات كاملة، وحين رفض المدعي العام الحضور بحجة "انعدام الأمان" لم تجد والدتها خياراً سوى أن تجمع أشلاء طفلتها بيديها.
مسار القضية
في عام 2010 تقدم محامو عائلة جيلان أونكول بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وفي أيار/مايو 2012 قدموا طلباً جديداً بسبب عدم فعالية التحقيق ورفض تعميقه وعدم فتح دعوى رغم مرور الوقت إضافة إلى عدم تحديد المشتبه بهم، وفي 17 كانون الثاني/يناير 2017 قررت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أنه "لا يوجد انتهاك في حق الحياة أو في فعالية التحقيق".
وفي نهاية نيسان/أبريل 2014، أصدر مكتب المدعي العام في ليسي قرار "بحث دائم" في ملف التحقيق مبرراً ذلك بأن الأدلة والتقارير غير كافية لتحديد الجناة، كما رفع محامو العائلة دعوى تعويض ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية الثانية في آمد، التي قضت بدفع 28.208 ليرى تركية للعائلة.
نُقلت القضية إلى مجلس الدولة الذي ألغى بدوره في 16 أيار/مايو من عام 2019 قرار التعويض، معتبراً أن الدعوى يجب أن تُنظر وفق مبدأ "المسؤولية المطلقة" أو "الخطأ في الخدمة"، وفي الثامن من آذار/مارس 2021 قضت المحكمة الإدارية بدفع 283 ألف ليرة تركية كتعويض مادي ومعنوي، محملة جيلان أونكول 10% من المسؤولية والإدارة 90% واستأنف كل من محامي العائلة ومحامي الوزارة الحكم مجدداً أمام مجلس الدولة، الذي لم يصدر أي قرار بعد.
16 عاماً من البحث عن العدالة
رغم مرور 16 عاماً على وفاة جيلان أونكول، لم تتحقق العدالة، ومع ذلك فإن العملية التي أُطلقت لحل القضية الكردية ديمقراطياً أعادت الأمل لاسيما للعائلات التي فقدت أبنائها في الحروب والصراعات، وقد عقدت لجنة "التضامن الوطني، الأخوة والديمقراطية" في البرلمان اجتماعها الثاني عشر، حيث تكرر العائلات القول "لا سلام دون مواجهة ومحاسبة".
صوت العائلة: العدالة أولاً
في الذكرى السادسة عشرة لمقتل الطفلة جيلان أونكول، عبّرت شقيقتها سلمى أونكول عن ألمٍ لا يزول، قائلة "يقولون إن 16 عاماً قد مرت، لكن الزمن توقف بالنسبة لنا في ذلك اليوم"، مضيفةً أن العائلة غارقة في حزن ممتد لا يعرف نهاية وأن الظلم هو ما يؤلمهم أكثر من أي شيء آخر "هذا الحزن لن يهدأ إلا حين تُستعاد العدالة التي سُلبت من جيلان".
وعن تأثير غيابها أشارت إلى أن لا يزال يترك فراغاً لا يُملأ، وجرحاً لا يندمل، موضحةً أن الملف ينتظر على الرف منذ سنوات، لم يحقق أي تقدم لا جناة لا مسؤولين "مطلبنا الوحيد هو العدالة، فحيث لا عدالة، يبقى الجرح ينزف".
"السلام لا يأتي إلا بالمواجهة والعدالة"
أما عن السلام والذي هون أعظم تطلعاتهم، أكدت أنهم لا يريدون لأي طفل أو والد أن يختبر الألم الذي عاشوه، "السلام الحقيقي لا يعني إسكات البنادق فقط، بل يتحقق بالمواجهة والعدالة، لن تتخلى عن مطلبنا حتى يتم تحقيقها".
وتساءلت سلمى أونكول إذا كان مرتكبو جريمة قتل جيلان أونكول لا يزالون مجهولين ولم يحاسبوا، فكيف يمكن أن يتحقق السلام؟ لتجيب "السلام الحقيقي يأتي من مواجهة الماضي، ما لم يعاقب الجناة وتتحقق العدالة، سيبقى السلام ناقصاً، تطلعاتنا هي العدالة أولاً ثم سلام كريم للجميع".
يجب محاسبة قتلة الأطفال أولاً
وقال رئيس لجنة حقوق الطفل في نقابة محامي آمد متين أركاش، إن سياسة الإفلات من العقاب الممنهجة ضد فئة من المجتمع يجب أن تُستبدل بمفهوم العدالة في أي عملية تُناقش فيها قضية السلام، مشيراً إلى أن تجاهل معاناة الضحايا وحماية الجناة لا يمكن أن يشكل أساساً متيناً للسلام، مؤكداً على ضرورة محاسبة قتلة جيلان أونكول والأطفال الآخرين وإتمام العملية بشكل عادل، ودفع دين العدالة لعائلاتهم.
أما المحامية رهشان باتاراي سامان، التي كانت مديراً لفرع جمعية حقوق الإنسان في آمد عند وقوع حادثة مقتل جيلان أونكول، فاعتبرت أن القضية تمثل "ملخصاً شاملاً لنظام الإفلات من العقاب في تركيا"، مشيرةً إلى أن أبسط إجراءات التحقيق لم تُتخذ وأن القرارات استندت إلى وثائق أعدها مسؤولو الجندرمة الذين يُعتبرون مشتبهين في القضية، دون أي تقدم في تحديد المسؤولين أو محاكمتهم.
"تتابع لجنة القانون في فرع الجمعية القضية منذ بدايتها" وفق ما أشارت إليه رهشان باتاراي سامان قائلةً إنه يُنتظر انتهاء مدة التقادم مع صدور قرارات البحث الدائم، لأنها أحد أكثر الأساليب فعالية لضمان الإفلات من العقاب في القضايا التي تشمل عناصر أمن كمشتبه بهم هو ترك الملفات في رفوف النيابة العامة حتى انتهاء مدة التقادم.
قضية معلّقة بين قرارات مثيرة للجدل وضرورة مواجهة الماضي
وعن اعتراضاتهم على القرارات التي تنفي وجود "خطأ في الخدمة" والتي أدت إلى قبول وجود "خطأ في الخدمة" على الأقل، أوضحت أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قضت بعدم وجود تقصير من جانب تركيا، مشيرةً إلى أن قرارات المحكمة الأوروبية في السنوات الأخيرة بشأن قضايا تركيا مثيرة للجدل، وقضية جيلان مثال على ذلك.
وأكدت على أن المدافعين عن حقوق الإنسان يُقدّرون العملية الديمقراطية لحل القضية الكردية، لكن الأهم هو ضمان استمراريتها، مشيراً إلى أن أحد شروط الاستمرارية هو "مواجهة الماضي بشكل صحي"، وأنه يجب مناقشة الانتهاكات الجسيمة التي لم يُحاسب عليها، وتجاوز الإفلات من العقاب، لأن هذا هو السبيل الوحيد لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.