رهف شمالي... تواصل الغناء في الساحات متحديةً الانتقادات

لم تكن جلسة رهف شمالي وجدتها في ذلك اليوم عادية فخلال ترديدها لأحد الأغاني الطربية القديمة "لو كنت يوم أنساك" اكتشفت الجدة أن حفيدتها ورثت منها صوت شجي يصدح بقوة مع حاجتها لبعض التدريبات فقط

رفيف اسليم
غزة ـ ، لتبدأ قصة رهف في دراسة الموسيقى بأحد المراكز المتخصصة في قطاع غزة، وتبدأ معها مواجهة نظرة المجتمع التي لم تتقبل غناء الفتاة في الأماكن والميادين العامة.
تقول رهف شمالي أنها عندما بدأت تتعلم الغناء كانت طفلة لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، لذلك قرر والديها تسجيلها في الكورال بمركز القطان للطفل، إلى أن تكبر وتستطيع الالتحاق بمراكز ومعاهد أخرى أكثر تخصصاً تناسب موهبتها وعمرها، موضحةً أنها كانت سعيدة بتلك التدريبات خاصةً تعلم النوتة الموسيقية، لشعورها أن موهبتها بدأت تدعم بالعلم الذي صوب لديها بعض المسارات الخاطئة خلال فترة زمنية دامت ثلاث سنوات.
رهف شمالي فتاة في الثامنة عشر من عمرها تقول إن سر تطور موهبتها هو تنقلها بين المراكز الثقافية المختلفة، من مركز القطان للطفل إلى معهد سيد درويش الذي صقل مهاراتها بشكل كبير، ومنه إلى فرقة "صول باند" وهي فرقة موسيقية شبابية انطلقت عام 2012، ونالت شهرة كبيرة إثر انضمامها لها، مشيرةً أنها عند التحاقها بالفرقة سعت إلى التركيز على تقديم الأغاني التراثية الفلسطينية القديمة؛ بسبب الرمزية الكبيرة التي تحملها تلك الأغنيات لها.
فيعتبر برنامج "وصلة" الذي قدمته رهف شمالي رفقة فرقتها أحد أهم البرامج المعنية بتوثيق تلك الأغنيات كما تقول، والذي قدم (30) أغنية تراثية فلكلورية، تم تصوريها وإعادة غنائها خلال الحفلات والأماكن العامة، منها "جفرا، وهبت النار، وليّا وليّا".
ونوهت إلى أن فكرة البرنامج مبنية على البحث عن الأغاني القديمة المنسية وإعادة تقديمها بطريقة تناسب الجيل الشاب ليتداولوها بينهم ويثبتوا ملكية الفلسطينيين لها، خاصةً في عصر التطور وتضارب الملكية الفكرية الذي يعيشه العالم اليوم.
"فتاة غير محجبة وعدد من الشبان في فرقة غنائية تؤدي عروضها في الأماكن العامة"، بشكل مختصر توضح رهف شمالي أنه من هنا بدأت المشكلة، فلم يتقبل المجتمع تلك الفكرة لذلك قام الكثيرين بمهاجمتها بألفاظ نابية، عدا عن موجات التنمر الممنهجة التي تمت ممارستها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضدها، "البعض لم يقدّروا ما قدمته من أجل بلدي، كما لم يهتموا بالمحافظة على التراث بل اعتبروا ما أقوم به هو فعل مشين وغير لائق مجتمعياً".
ولا تستوعب رهف شمالي حتى اليوم ما هو المشين في تأديتها لتلك العروض، وما السبب من منعها تقديم العديد من الحفلات مؤخراً، مشيرةً إلى أن كونها فتاة تعيش في حدود قطاع غزة فلا يمكنها التمتع بأبسط حقوقها، وهو الحرية أي فعل ما تريد ضمن الضوابط العامة، فلهذه المدينة قواعدها الخاصة التي لا يمكن كسرها أو الخروج عن روتينها، ومن تفعل تلقى الكثير من الجهات تقف أمامها كرجال الدين الذين طلبوا إيقافها بشكل رسمي.
تؤكد رهف شمالي أنها في كل مرة تواجه فيها الشتائم والمنتقدين تكتفي بالمراقبة، موضحةً أن لا مشكلة لديها في الانتقادات البناءة التي تصقل مهاراتها لكنها لا تتقبل أن ينتقدها شخص لا يعي شيء بالنوتة الموسيقية، ويملي عليها ما اللائق من غيره مع طبقة صوتها.
وعن تلقيها هي خصوصاً الانتقادات دوناً عن غيرها من الفنانات الناشئات في قطاع غزة، تقول رهف شمالي أن ذلك ربما يرجع لما قامت به من أمور غير اعتيادية بالنسبة لأهالي غزة، فهي تعتبر أول فتاة نزلت للشارع وغنت على شاطئ البحر وبميدان الجندي أحد أقدم المعالم في المدينة، والأكثر كثافة في استقبال المواطنين برفقة فرقتها "صول باند"، منوهةً أن العديد من الفتيات قدمن عروض الغناء لكن دون مخالطة الجمهور عن قرب.
وعن استمرار سلسلة الهجمات ضدها، تقول إنها ذات يوم تفاجأت بإشاعات مجهولة المصدر مفادها أنه تم طردها من قطاع غزة على خلفية غنائها بالميادين العامة، لكنها لم تطرد بل ذهبت لتقديم عدة عروض بالضفة الغربية استجابة لدعوة وجهت لها بمشاركة فرقتها وعدة فرق موسيقية أخرى، مشيرةً أنها وجدت في تلك الرحلة أمر غير مألوف بالنسبة لها، وهو اختلاف طريقة التفكير ما بين غزة ورام الله واحترام الجمهور للثقافة الموسيقية، "لذلك السبب تحديداً قررت الانتقال للضفة ودراسة الموسيقى بإحدى الجامعات الفلسطينية".
وتهوى تقديم العروض على المسرح الذي حرمت منه مؤخراً فما زالت تذكر أول عرض غنائي قدمته بحضور جمهور كبير مع مؤسسة "أيام المسرح"، والذي لاقت خلاله الكثير من المؤيدين والمنتقدين البناءين الذين عززوا ثقتها بنفسها لذلك ستحاول تقديم العديد من العروض عند انتقالها إلى الضفة الغربية. 
وتعد الموازنة ما بين العمل والدراسة أمرٌ عادي بالنسبة لرهف شمالي، فخلال الفترة السابقة استطاعت إنهاء الثانوية العامة بتقدير جيد جداً كما أوضحت، مع تصوريها لأغنية "عاشق من فلسطين" من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ناصحةً جميع الفتيات ألا يترددن في خوض التجربة، مع تجربة كافة ألوان الغناء ليجدن ما يتناسب مع أصواتهن، مشددةً أن الانتقادات ممكن أن تكون دافع قوي لتحقيق النجاح كما حدث معها.