راضية الشهايبي تسلط الضوء على حزمة من القضايا التي تعني المرأة

على الرغم من المساعي الحثيثة لإثبات الذات والتألق إلا أن القيود المجتمعية تعرقل مسيرة الشاعرات في تونس، وتمنعهن من إيصال صوت المرأة عبر القصيدة التي تعتبر سلاحهن في هذه القضية.

زهور المشرقي

تونس ـ رأت الشاعرة التونسية راضية الشهايبي في الشعر وسيلة لنيل حرية المرأة وإعلاء صوتها عبر القصيدة العمودية أو النثرية.

قالت الشاعرة التونسية راضية الشهايبي في حوار مع وكالتنا، أن الشعر هو الوسيلة لنيل الحرية بالنسبة للشاعرة لإيصال صوت النساء عبر القصيدة عمودية كانت أم نثرية، مشيدةً بتجربة الشاعرات من المكون الكردي في كتابة الومضات ومساعيهن للتعريف بقضيتهن والدفاع عن هويتهن من خلال نسج القصائد الشعرية.

 

ماذا تريد راضية الشهايبي من الشعر؟

أسعى لكسب العديد من القضايا من خلال كتابة الشعر، لأنه يمنح الشاعر الحرية المفقودة على أرض الواقع، خاصة الشعر النثري الذي تخلص من كل الأوزان والقوانين التي وضعت له سابقاً، فمنذ الكلمات الأولى للقصيدة أشعر بالحرية التي أبحث عنها دائماً، كذلك أريد من الشعر الجمال الذي يرتكز أساساً على الجماليات التي تخلق قدراً من التفاعل، بالإضافة لهذه الميزات في الشعر فأنه أيضاً يتلاعب بالكلمات ومنحنا القدرة على التحكم بالأزمنة، ويمكننا أن نخلص بأن كتابة الشعر تفتح آفاقاً عديدة تأخذنا إلى كل ما نطمح إليه فكرياً وتحررنا من الروابط الواقعية التي نعيشها، كما أن الشعر رسالة تناصر الإنسان وقضاياه ويؤرخ الفترة التي يعيش فيها الشاعر.

 

ما هو دور الإبداع النسوي في معالجة قضايا المرأة؟

هناك خلط ما بين الشعر النسائي والشعر النسوي، الأول هو الذي تكتبه المرأة، أما الثاني هو ذلك الشعر الذي يخص في كتاباته قضايا المرأة ويتناولها من جوانب مختلفة، بالنسبة لي أفضل الشعر النسائي لأنه يتيح للشاعرة الكتابة عن قضايا النساء وعرضها للعلن، كما أرى أنه ينصف كتاباتي بشكل اكبر كونه يناقش أكثر من قضية تخص النساء مثل العنف والتهميش والظلم الأسري والكثير من القضايا التي تعاني منها المرأة اليوم، وبالرغم من أن تونس سباقة في سن ترسانة من القوانين المنصفة للنساء لكن ما أبعد هذه القوانين عن الواقع، حيث تبقى المرأة محاصرة ومحرومة من أخذ دورها في الحياة السياسية فنسبة تواجدها في هذا المجال قليلة، بالإضافة للمسؤوليات المضاعفة والمجحفة التي تتحملها المرأة في المجتمع، ودائماً تحاسب حتى عندما تتعرض للاغتصاب يتم تحميلها المسؤولية الكاملة، وهذا كله فقط لأننا نعيش في مجتمع تحكمه الذهنية الذكورية، وبالنسبة لي فإن قضايا المرأة لا تنتهي وسأكرس ما أكتبه من شعر أو رواية لخدمة تلك القضايا.

 

مساهمة المرأة في الشعر والأدب قد تكون ضعف مساهمة الرجل، إلا أن الشاعرات تتعرضن للإقصاء، فهل هو تقصير منهن أم سياسة خاطئة في مجال الثقافة؟

بالرغم من أهمية السؤال إلا أن الإجابة تبقى معقدة، الشاعرة لا تقصيها السياسات الثقافية بقدر ما تقصيها التركيبة الاجتماعية والقوانين العائلية وظروفها، حيث يتم توجيه اهتماماتها ومسؤولياتها تجاه الأبناء أو العمل والمنزل، ويحرر الرجل من تحمل هذه المسؤوليات وبالتالي نجد أن مساهمته أكبر، كما أن المرأة المبدعة دائماً ينتابها شعور الخوف من التقصير تجاه أسرتها لصالح الشعر والإبداع، بينما الرجل لا يوضع في مثل هذه المسائلات ولا تقام له المحاكمات أو توجه إليه الاتهامات، والتالي تجد الشاعرة نفسها مجبرة على عدم حضور كل الملتقيات الشعرية خوفاً من تلك المحاكمات المجتمعية، وبهذه الطريقة يأخذ الرجل مكانها وتتخلف المرأة التي انساقت لتلك القيود التي تعيدها إلى الخلف.

وهنا يجب تسليط الضوء على غياب الشراكة الأسرية، حيث أن غالبية المهام التي تكون على شكل قيود ترمى على عاتق المرأة وتعطلها عن الحضور والمشاركة، وبغيابها عن الساحة ستنسى، وبالتالي لا يوجد سياسة خاطئة تسعى لإقصاء الشاعرات وكل المجالات مفتوحة أمامهن، لكن تلك الروابط والقيود هي من ظلمتهن ومنعتهن من متابعة مسيرتهن.

 

لماذا يوصف الخطاب الشعري أو الأدبي لدى الشاعرات بالمتعثر؟

في كل التجارب والمجالات تمر المرأة والرجل بمرحلة التعثر وهي المرحلة الأولى لبناء التطور والنجاح، ولكن دائماً المرأة توضع تحت المجهر لتحجيم أخطائها سواءً في حياتها الاجتماعية أو الأدبية، وإذا لم تخطئ سيجعلها المجتمع تخطئ بغية النيل من عزيمتها وإحباطها حتى لا تواصل طريقها وتبتعد عن المسار الذي رسمه لها، فهناك رجال يتألمون عندما يرون قصص النجاح التي تحيكها المرأة لذلك يعزفون عن تقديم المساعدة لها ويحاولون وضع العثرات في طريقها، قد يكون كل ذلك لأنهم لم يعتادوا على رؤية المرأة تقف على المنابر وتلقي الشعر وتحصد الجوائز.

 

ما هي انعكاسات التحولات الحاصلة في الساحة الشعرية على وعي المرأة الشاعرة؟

تحولات الشعر هي تحولات بطيئة إذا كان القصد شكل الشعر، والدليل على ذلك هو أننا لا زلنا نعيش الصراع ما بين القصيدة العمودية والنثرية.

وهناك من الشاعرات من تستخدم أسلوب النثر فلا تنجح في الوصول إلى غايتها، لاعتبار أن هذا الشكل من الكتابة فيه من التعقيد ما لا يمكن تصوره، حيث تعتقد الشاعرة أنها هربت من الأوزان إلى القصيدة التي ليس لها أي رابط أو قانون ولكنها نسيت القوانين التي وضعتها آليات النقد الحديثة والتي تساير تطور قصيدة النثر، وهناك شاعرات تلتزمن بما اخترنه واقتنعن به كقصيدة النثر، التي وجدت فيها باب من أبواب الحرية التي أبحث عنها في كل المجالات، وأرى أن لها جمالياتها وشكلها ومقاييسها الخاصة، ونخلص إلى أن المرأة التي اتخذت من الشعر مشروع حياة فكري وإبداعي وأدبي في حياتها ستتأثر بتطورات هذا المشروع وتتطور على خلفيته تجربتها الخاصة مقارنة بالتطور العام للشعر، أما من بقيت في مستوى الهواية وحب الشعر الأول ستكتب بين هذا وذاك ولكن لن تدرك ماهية هذه المعركة الحاصلة بين قصيدة النثر والقصيدة العمومية.

 

هل لديكِ إطلاع على القصيدة الكردية النسوية الحديثة، وما هو تقيّمك لها؟

الكتابة الشعرية بالنكهة الكردية لم تفتح لي الأبواب كاملة للاطلاع عليها بتمعن، لكن أحد مواقع التواصل الاجتماعي فتح لي نافذة، فهناك بعض الصديقات من المكون الكردي اللواتي تكتبن الومضات وتترجمنها على صفحاتهن من اللغة الكردية إلى العربية، وعلى الرغم من صغر تلك النافذة التي جعلتني أطلع لو قليلاً على تلك التجارب وعن أجواء الكتابة النسائية والنسوية، إلا أنني استطعت ملاحظة مدى التحرر الذي وصلن إليه والتعلق بهويتهن والسعي للأفضل، وهي أمور لم أكن أعرفها لولا تلك النافذة والترجمة التي قمن بها، ففي المعارض كنت دائماً أبحث عن الكتب المدونة باللغة الكردية والمترجمة لكنني للأسف لم أجدها، ولدي الرغبة في الاطلاع بعمق على تلك الثقافة التي لديها خصوصية مميزة وتحرر ملفت وملهم.

أحي صديقاتي من المكون الكردي اللواتي تسعين من خلال ترجمتهن لتلك الومضات بهدف إيصال أصواتهن الشعرية، واعتبره نوع من النضال الإبداعي والأدبي يخدم هويتهن التي تدافعن عنها وللإثبات أن للكرد قصيدة خاصة تختلف عن القصيدة العربية، وأن كل إنسان يؤمن بمشروعه وهويته ويحاول أن يدعم هذه الهوية.