قضايا المرأة تجسدها الفنانة فرميسك مصطفى

تخطت الفنانة المسرحية المألوف وحاجز العادات والذهنية الذكورية التي عرقلت عجلة تقدم المرأة، وناصرت قضايا النساء والشعوب المضطهدة، وسلطت الضوء على مواضع يخاف أقرانها من الخوض بها.

رجاء خيرات

المغرب ـ جسدت الفنانة الكردية فرميسك مصطفى العديد من الأدوار على خشبة المسرح والتلفزيون والسينما بلغات مختلفة، عبرت خلالها عن قضايا إنسانية تهم المرأة والمجتمع، معتبرة أن المسرح وطن لكل ممثل/ة.

حلت الكاتبة والممثلة الكردية فرميسك مصطفى ضيفة في ملتقى مبدعات المسرح بمراكش في دورته الأخيرة‫، وخاضت تجربة مسرحية متفردة بلغات مختلفة كالكردية والعربية والألمانية، وأوضحت من خلال حوار مع وكالتنا وضع المرأة في المسرح.

 

ما هو تقييمك للمسرح العراقي عموماً والكردي خصوصاً؟

أعتقد أن لكل مسرح منهما العراقي والكردي هويته، خاصة أنهما ينتميان لنفس البلد، لكن الثقافة الكردية تختلف عن الثقافة العربية في نوعية اختيار النصوص المسرحية ونوعية العمل عليها، لكن فيما يتعلق بالجذور فهما مرتبطان ببعضهما البعض، من خلال تجربتي مع زملائي/تي بأكاديمية الفنون ببغداد يمكنني القول إننا أخذنا عن أساتذتنا من رواد المسرح العراقي مناهج وطرق المسرح ثم نقحنا بها الثقافة الكردية، فالمسرح الكردي خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان مسرحاً ثورياً يدافع عن القضية الكردية القومية، وقبل انتفاضة الشعب الكردي كان منبراً للحرية والاستقلالية، وكان مطلباً جماهيرياً للتعبير عن قضيته.

 

هل يمكن أن يساهم المسرح في النهوض بقضايا النساء؟

المسرح عموماً وسيلة لطرح قضايا إنسانية واجتماعية معاصرة، وهي بمثابة مرآة للمجتمع في وضعه الحالي، والمرأة جزء من هذا الوضع الاجتماعي السائد ووجودها على خشبة المسرح لا يقتصر على أداء الدور المسرحي وإنما يتعداه إلى غير ذلك، فالنساء دخلن عالم المسرح لإثبات وجهة نظرهن أكاديمياً ومعرفياً وفكرياً، وبالتالي فالقضية الجندرية داخل المسرح قضية إثبات الذات النسائي كإنسانة لها وجهة نظر وتصور خاص، شأنها شأن النساء الأخريات في مهن أخرى، هناك مهندسات وطبيبات وسياسيات، وبالتالي وجود المرأة في المسرح من المؤكد يخدم قضايا المجتمع والفن والفكر والثقافة كذلك.

أذكر أن والدتي كانت دائماً تقول لي "أعشقي وأحبي"، لم أكن أعرف معنى هذا العشق إلا من خلال الكتب التي كنت أقرأها، إلى أن صعدت على خشبة المسرح ذات يوم، آنذاك أدركت أن المسرح هو عشقي الذي كانت والداتي تحدثني عنه، مع مرور الزمن وبعد أن التحقت بأكاديمية الفنون ببغداد، كانت نصيحة والدي عكس والداتي، حيث كان يقول لي أنت في ساحة معركة وينبغي أن تتسلحي بكل ما يلزمك لهذه المعركة، كنت أواجه تناقضاً صارخاً بين ما تقوله والدتي وما أخبرني به والدي، لكن مع مرور الوقت وعندما أصبحت ممثلة وأماً ونازحة، آنذاك فهمت أنه يلزمني العشق والمثابرة للدفاع عن رغبتي في أن أكون ممثلة، بالإضافة إلى كوني ممثلة مسرح فقد خضت تجارب أخرى، فلدي مشاركات في الدراما والسينما الكردية والألمانية.

 

تنتمين إلى مدرسة المسرح الكلاسيكي، هل انفتحتٍ على مدارس حديثة أخرى أم أنك اكتفيتٍ فقط بذلك؟

أصطحبني شقيقي الذي كان يعزف على القيثارة بإحدى فرقه الموسيقية، بعد أن أخبرني أن الممثلات الكرديات قليلات على المسرح، واكتشفت لاحقاً أن الفكرة هي أن يشجع المسرحيون أخوتهم وقريباتهم على ولوج المسرح حتى يثق الناس بهذا الفن ويسمحوا للفتيات بالعمل فيه، في البداية قصدت الفتيات كهاويات فقط، حيث أنهن غالباً تغادرنه بعد التجربة الأولى، بالنسبة لي مثلت بداية شخصية امرأة تبلغ من العمر 35 عاماً، وكان عمري آنذاك لا يتعدى 17 سنة، واستعنت بالمكياج والملابس لكي أبدو أكبر سناً.

حتى أنني لم أكن اتحدث اللغة العربية ولم أكن أجيد قواعدها، لكن بفضل المسرح تمكنت من ذلك وبطلاقة، كانت البداية في مسرح شكسبير وتحدثت باللغة الكردية، وبالرغم من أنني أنتمي للمسرح الكلاسيكي، لكن من خلال إقامتي بألمانيا مثلت في المسرح المعاصر، ومستعدة للانفتاح على مدارس مسرحية أخرى، حيث سبق وعملت في المسرح التجريبي ولي تجارب عديدة في العديد من الاتجاهات المسرحية الأخرى.

 

لا شك أن الجسد لا زال تابو في المجتمعات الشرقية، أين تتموقع لغة الجسد في الأدوار التي تؤدينها؟

ليس لدينا انفتاح جسدي على المسرح، خاصة في مجتمع أبوي شرقي، رغم تحدينا للتقاليد والأعراف استطعنا الولوج إلى المسرح، إلا أن جسدنا بقيت عائقاً أمام الأدوار التي نطمع لتأديتها على الخشبة، وفي الوقت الحالي نرى فتيات بوضع أفضل، مقارنة بجلينا نحن في كردستان، عندما وصلت إلى ألمانيا لاحظت الفرق، فقد مثلت في مسرحية كانت تدور أحداثها حول حمام جزائري نصها عربي ترجم للألمانية، رأيت الممثلات الألمانيات اللواتي كن معي في العمل تلفن المناشف حول خصورهن ولا تشعرن بأي حرج، في حين أنني طلبت أن أضع شالاً حول كتفي ومنشفة سميكة لأن تغطية الجسد بالكامل وعدم الكشف عنه كانت حاضرة لدي وبقوة، بعد ذلك استطعت أن أتحرر من فكرة تقييد الجسد على الخشبة، وأدركت أن الجمهور يأتي ليشاهد العرض الفني وليس جسد الممثلة، وهذا ما تعلمته من المسرح الألماني.

 

كونك مغتربة هل يمكن أن يعوضك المسرح عن وطنك؟ وما مدى تأثرك بالمسرح الألماني؟

دائماً أقول أي مكان أقصده في العالم وفيه مسرح يصبح وطني، وأي لغة أتحدث بها على المسرح تصبح لغتي، واعتبر أن لغة المسرح لغة كونية، لذلك هو وطننا كلنا كممثلين/ات، ومع ذلك يبقى الوطن الأم هو هويتي وجذوري ودمي، وتبقى لغتي الأم الأقرب إلي دوناً عن باقي اللغات التي مثلت بها.

المسرح الألماني له تاريخ عريق وحضارة برواده العمالقة اللذين لازالوا يعلمون على هذا الإرث الفني بنفس الطريقة، بالنسبة لي منذ سبع سنوات أمثل في مسارح كبيرة جسدت عليها قضايا شرقية باللغة الألمانية منها الثورة الكردية وعن المرأة السورية بروج آفا ومجزرة حلبجة، واعتبر نفسي سفيرة لقضايا بلادي، وكل ذلك كنت أؤديه في قالب من الحنين والشجن لوطني كردستان.

 

حديثنا عن تجربتك في مسرحية "نالي أو نسيم الصباح"؟ وهل سبق وأديت أدواراً تجسد العنف ضد الكرديات؟

كانت تجربة جميلة مع الفنان سيوان رحيم إلى جانب العديد من الفنانين، تحدث العمل عن مراسلات بين الشاعر "نالي" الذي هاجر إلى كردستان وصديقه سالم الذي كان لا زال يقيم في السليمانية، الرسائل بينهما كانت بلغة شاعرية، افتخر بمشاركتي بهذه التجربة فقد غيرت مساري الفني كممثلة.

وأديت أدواراً سلطت من خلالها الضوء على جرائم القتل التي تتعرض لها النساء في كردستان، إلى جانب ممثلات أخريات لبسنا نفس لباسهن ومثلنا في نفس المكان الذي قتلنا فيه، ثم انتقلنا بالعرض إلى القرى التي تتعرض فيها النساء بشكل أكبر للعنف، كما قدمنا هذه العروض في الشارع، أنا نفسي خضت تجربة عام 2008، حيث كنت أحمل معي حقيبة سفر، ووضعت داخلها قماشاً أسود وأدوات العنف التي تستعمل ضد النساء، وكنت ألج مكتبات حيث يتواجد شابات وشبان أمثل كنوع من التحسيس بظاهرة العنف ضد النساء.