نادين باخص تغازل الألم في كتاباتها وتكتب عن أحلامها المتبددة في الغربة

نادين باخص شاعرة وروائية من سوريا، حائزة على إجازة في اللغة العربيّة وماجستير باختصاص دراسات نقدية وبلاغية

كريستيان واكد
بيروت – ، بدأت رحلة الكتابة منذ الصغر فأصبحت جزء أساسي من هويتها وبداية للتحولات.
بعد زواجها تركت مدينة حمص السورية التي ترعرعت في أحضان شوارعها، عاشت عدة سنوات في الأمارات وانتقلت مؤخراً إلى أقاصي كندا. 
وفي حوار مع الشاعرة والروائية السورية نادين باخص تحدثت لنا عن وجدانياتها والحالة السوداوية التي تملكتها بعدما فتكت الحرب كمرض خبيث بشعبها، وجعلته يمتطي قطار العبثية إلى ما لا نهاية. 
 
نادين باخص الروائية والشاعرة والمرأة والزوجة والأم. كيف تحبين أن تعرفي عن نفسكِ؟
لم أنجح حتى اللحظة سوى أن أكون نادين باخص الطفلة. ما زلت تلك الطفلة بحبها للعب وشغفها بمقتنياتها الصغيرة التي تملأ حياتها بتفاصيل ملونة، وقد وجدت غرفة ابنتي جنى سبيلاً رائعاً لإشباع هذا الشغف، من خلال خلق عالم مميز نعيش خيالاتنا فيه هي وأنا. نادين الطفلة بعد مرور سنوات عديدة كل واحدة منها مضروب بثلاث على الأقل نظراً إلى التجارب المكثفة التي مررت بها، طفلة مع فارق الشعيرات البيض التي تأخذ في اكتساح شعري منذ بضع سنوات تبعاً لجينات الشيب المبكر التي أحملها مدّعمة بالكثير من لحظات الألم لطالما كانت صديقي الصدوق. عدا ذلك كلّ ما أؤدّيه من أدوار حياتية لا تخرج عن دائرة اللعب بما في ذلك الأمومة وإدارة البيت والكتابة.
 
كتبتِ "حمص… ويستمرّ" وبدا لنا وكأنه يوميات لعاشق لم يعد بإمكانه سوى البكاء على الأطلال، هل هذا ما بقي لكِ من حمص؟   
للأسف حتى الأطلال لم تبقَ لي لأني تركتها ورحلت. مكانياً أنا بعيدة عن خراب حمص، لكني أحمله وأعيشه مع كل نفس أتنفسه. منذ الرصاصة الأولى رأيت سوريا تخرج من دائرة الأمل. ما زلت أذكر تلك اللحظة تماماً، أذكر أين كنت وبماذا شعرت وكيف ارتعبت لأني تحسّست بداية النهاية حينها، تحسست الخراب، و"حمص... ويستمر" هو أرشفة بعض هذا الخراب.
 
من آخر ما صدر لكِ ديوان بعنوان "بالإذن من أمّي" وهو عبارة عن خواطر نشرت على صفحتكِ الفيسبوكية، ولماذا نادين باخص البالغة تستأذن من أمها؟
مع أنّ نشر الشعر في العالم العربي بات ضرباً من الجنون، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الطباعة والشحن، وبالمقابل الشعر يُهدى لا يباع، إلا إنني أتحمّل هذا العبء في سبيل أرشفة حالاتي، فكل كتاب شعر هو حالة أو بكلمة أدقّ مرحلة أمرّ بها وأصرّ على أرشفتها، وكذلك إنّ دافعي لنشر مخطوط شعري كلّ فترة هو نوع من الطبطبة على نفسي عقب مرحلة ألم أكون قد عشتها.  
أستأذن أمّي من حجم المرارة التي أعيشها في هذا الكتاب، والألم الذي تنبض به نصوصي، واللا جدوى. أستأذن روحها وخوفها وحزنها، وبالطبع آسف من غيابي وبعدي عنها.
أن الغربة تجعلني أشعر بالخجل والذنب تجاه من بقي في الوطن، أعترف أنّ كلّ ألم جسدي أعيشه يشعرني براحة الضمير تجاه غيابي عن سوريا، قد يكون هذا ضرباً من المازوشية ولكن لا خيار آخر لديّ لأستطيع أن أعيش حياتي بتوازن وسط مفارقة تمزّقي بين أمان أعيشه وعائلتي خارج سوريا، وخطر رهيب يعيشه الناس داخلها.
 
من خلال نشركِ لعدد من الكتب كيف ترين علاقة الكاتب العربي والمشرقي بدور النشر؟
في الحقيقة تختلف الحال من كاتب إلى آخر، ومن دار نشر إلى أُخرى. للأسف يحدث أحياناً ألا يتمّ التعامل مع الكاتب بالاحترام المفترض على أساس كونه مبدعاً. بالنسبة إلى تجربتي في التعامل مع دور النشر لقد صدر لي حتى الآن سبعة كتب وبالتالي تعاملت مع العديد منها، ونادراً ما وقعت على مهنية في التعامل باستثناء دور نشر قليلة.
 
هل من تجربة جديدة في الكتابة؟
بعد انتقالي إلى كندا ازداد انشغالي العائلي مع ولادة ابني حيث بتُّ مسؤولة عن طفلين يحرصان على استنفاذ وقتي وطاقتي إلى آخر حدّ، إلى جانب تحديات كبيرة على مستوى تلمّس طريقي في مكان جديد ومحاولة تعلّم لغته، لكني ما زلت مستمرة في حقل الكتابة للطفل وهو حقل دخلته منذ ست سنوات، وأسفرت تجربتي فيه عن نشر قصتين حتى الآن، وهنالك قصص قيد الطباعة وستأخذ طريقها للنشر حالما تنتهي مرحلة الرسومات. أما الكتابة الإبداعية في الشعر والرواية فهي الحاضرة الغائبة، وإن كان من توصيف لحضورها في حياتي قد أستطيع القول إنها بمثابة الدماء، تسيل أو تتفجّر في الأحداث العظمى.
 
كيف سيكون للمرأة السورية دور في المصالحة الوطنية؟
ليس هنالك فرق بين رجل وامرأة في دور مثل هذا، لكن حتى أكون واقعية هذه ليست مسؤولية أفراد في الأساس هم غير قادرين على التحكم بمصائرهم الشخصية بقدر ما هي مسؤولية دول ومؤسسات لها خطط جادّة للوصول إلى هذا الهدف الإنساني. بإمكاننا أن نقول كلاماً إنشائياً وأن نسطر أجمل القصائد في المرأة وقدرتها على التأثير والتغيير كونها الأم والمربية، ولكن الواقع مختلف والمرأة السورية لا تختلف عن الرجل السوري، كلاهما غارقان في رمال متحركة من الهموم التي لا تنتهي. لكن هذا لا ينفي أنّه من الإنساني أن تحرص كل أم على زرع بذور السلام في نفوس أولادها حتى إذا ما تغيرت الحال تكون بذلك قد نجحت في التمهيد لمستقبل أقل حقداً وضغينة.