منذ القرن السابع لا زال "صوم نينوى" مستمراً

الشعب الآشوري من أقدم الشعوب في العالم. والآشوريون الذين يعيشون على هذه الأرض لديهم حضارة قديمة جداً وغنية وتُعرف أيضاً بأنها مهد الحضارات والإنسانية

أوضحت سورما شموني الآشورية بأنهم يبدؤون صيام نينوى في السادس من شهر كانون الثاني/يناير من كل عام، وبعد ثلاثة أيام ينهون صيامهم ويفطرون على نوع طعام شعبي يسمى (بوخين).
 
سوركل شيخو
الحسكة ـ . يواصل الآشوريون ويحافظون على تاريخهم وحضارتهم بتقاليدهم الثقافية والشعبية. يعتبر الأجداد الآشوريون من أكثر الأشخاص نشاطاً في الحفاظ على هذا التاريخ. وصوم نينوى هو أحد أنواع الصيام المستمرة حتى يومنا هذا. صوم نينوى هو صوم الطائفة المسيحية وينتشر في الكنائس السريانية والأرثوذكسية الشرقية. اقترن صوم نينوى بالفيروس الذي انتشر في أجزاء كثيرة من العراق في القرن السابع. لذلك قرر أساقفة الكنائس في ذلك الوقت أداء هذه العبادة والصلاة والصوم على نية وقف المصائب التي حلت بالناس. وكانت النتيجة القضاء على بطل الموت وروح البلاء أو فيروس الطاعون. لهذا وافق قادة الكنائس على صوم نينوى كل عام منذ ذلك الحين، من أجل تذكر تلك الأيام الصعبة.
قد يكون صوم نينوى يرمز إلى النبي يونس عندما أرسله الله إلى أهل نينوى فهرب خوفاً منهم. بعدها قاموا برميه في البحر فابتلعه الحوت لمدة ثلاثة أيام. ثم سمع الله دعائه وأخرجه من بطن الحوت ليتوب أهل نينوى. وهذا هو سبب تعلق أهل نينوى بهذا الصيام أكثر من غيرهم، لدرجة أن الكثير منهم ينقطع تماماً عن الطعام خلال هذا الصيام. ولمعرفة المزيد عن قصته، قمنا بزيارة سورما شموني وهي من سكان قرية تل شاميرام التي تقع على بعد 4 كيلومترات جنوب غرب ناحية تل تمر التابعة لمقاطعة الحسكة في شمال وشرق سوريا.
 
قصة صوم نينوى حسب ما روته سورما
استهلت سورما شموني حديثها بسرد قصة صوم نينوى وقالت "بسبب الهجمات والحروب والأوضاع التي تمر بها منطقتنا، تأثرت ذاكرتنا كثيراً. لكن بقدر ما أتذكر، وبحسب ما سمعناه من أجدادنا يقال؛ كان هناك مرض شاع في نينوى بالعراق وأنه انتشر كثيراً، في ذلك الوقت جاء صوت من الله ولكن لم يستمع إليه أحد. كان هناك رجل بعثه الله لأهل نينوى، وهرب ذلك الرجل خوفاً من أهلها وعندما وصل إلى البحر رأى سفينة وألقى بنفسه فيها. عندما ركب السفينة أصيبت أمواج البحر بالجنون، لذا اضطر لرمي نفسه في البحر حتى لا يغرق الناس الموجودين داخل السفينة وتعود الأمواج إلى حالتها الطبيعية. عندما رمى ذلك الرجل نفسه في البحر دخل في فم حوت وبقي في جوفه لمدة 3 أيام. بعد خروجه من بطن الحوت شجع أهالي نينوى على الصيام للتخلص والقضاء على فيروس الطاعون. لذا صام الأطفال والكبار والمسنون وحتى أولئك الأطفال الذين فطموا حديثاً ثلاثة أيام. لا طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام، كانوا عطشى وجائعين. صوم نينوى الذي بدأ في العراق في القرن السابع مستمر حتى القرن الحادي والعشرين".
 
"بعد ثلاثة أيام ينهون صيامهم ويفطرون على البوخين"
أفادت سورما شموني أنهم يصنعون البوخين أثناء الصيام "لدينا أكلة شعبية شهيرة في كل مناسبة. وفي صوم نينوى نصنع أكلة (البوخين). وهي تتكون من سبع مكونات، العدس والذرة والملح والفاصوليا البيضاء والحنطة والشعير ولب دوار الشمس. نقوم أولاً بتحميص السبع مكونات التي ذكرناها على النار، ثم نقوم بطحنها ثم نقوم بتسخين السمن البلدي أو زيت الزيتون ونضيف عليها المكونات وثم نأكلها. بعد ثلاثة أيام ننهي صيامنا ونفطر بهذا الطعام".
 
'لا تؤكل المنتجات التي تعود إلى أصل حيواني في أيام الصيام'
أوضحت سورما شموني أن الصائمين حتى الظهر لا يأكلون شيئاً مصنوعاً من المنتجات الحيوانية أي من الدم، "لا يستطيع كل شخص أن يصوم دون طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام، لذلك يجوز الصيام حتى الظهر أيضاً. وخلال تلك الأيام الثلاثة، لا يجوز تناول منتجات الدم أي التي تعود إلى أصل حيواني كالأغنام والدجاج مثل الزبدة والسمن واللحوم واللبن والحليب والبيض... إلخ. يجب أن تكون الأطباق التي يتم تحضيرها مطبوخة بالزيت النباتي أو زيت الزيتون. لا يوجد سن معينة للصيام، فأي شخص لديه القدرة يمكن أن يصوم".
 
"من يسقي/تسقي الماء لشخص آخر في الحلم يصبح زوجها/زوجته"
لفتت سورما شموني الانتباه إلى شيء مثير للاهتمام في يوم إنهاء الصوم "بعد أن ينهي المرء الصيام ويأكل، يأكل البوخين بسبعة أصابع قبل أن ينام وينام حتى صباح اليوم التالي دون أن يقول كلمة واحدة. يرى ذلك الشخص في حلمه الشخص الذي سيكون شريكه/شريكته، حيث يرى في المنام أنه يسقيها/تسقيه الماء. لقد حدث هذا بالفعل. من يؤمن بهذا الشيء يتحقق ما حلم به".
 
'أنتظر تدفق الخابور وعودة الآشوريين إلى قراهم'
وعن الحفاظ على هذا الصوم وكل تقاليدهم تقول "رغم كل الهجمات والأوضاع التي تمر بها المنطقة ولكننا مازلنا نحافظ عن ثقافتنا وتقاليدنا. نأمل أن يعود خابورنا ويتدفق مثل السابق ويعود أهله وتخضر القرى. كان هناك أكثر من 75 منزلاً في القرية، لكن العائلة الوحيدة المتبقية الآن هي أنا وابني. سبب تفككنا وانفصالنا كان هجوم داعش في 23 شباط/فبراير عام 2015. آمل أن يعود الجميع إلى القرية وإعادة بناء منازلهم وكنيستهم وقريتهم. آمل وأتمنى في هذا الصوم أن يعود الناس إلى الخابور ويجعلونه أفضل من ذي قبل. لقد اشتاق الخابور لأهله".
 
https://www.youtube.com/watch?v=0BYnUxVgBIY