"مهرجان الرقص المعاصر" يشق طريقه في جنوب لبنان ويتحدى الأزمات

في قلب الحارة القديمة لمدينة صور جنوب لبنان، اجتمعت 20 دولة وأعلنت عن ثقافاتها من خلال عروض راقصة متنوعة مزجت بين الفولكلور والكلاسيك والباليه على المسرح الوطني اللبناني، وذلك ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان لبنان المسرحي الدولي للرقص المعاصر

كارولين بزي
بيروت ـ ، الذي نظمته جمعية تيرو للفنون ومسرح إسطنبولي، والذي أنطلق في 24 تموز/يوليو ويستمر حتى اليوم الاثنين 26 تموز/يوليو.
وانطلق اليوم الأول من المهرجان على خشبة المسرح الوطني المجاني في صور مع عروض مباشرة قدمتها مدرسة مايا للفنون وفرقة الكوفية للتراث الفلسطيني وإنجي إسطنبولي، ويكرم المهرجان الراقص الراحل حسام عبد الحميد توفيق من مصر ونورا بكرا من فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية.
وشهد المهرجان عروضاً افتراضية "أونلاين" من 20 دولة، هي تايوان واسبانيا وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والصين واليونان وبولندا والسنغال والهند وهولندا وفلسطين وأرمينيا والأردن وكندا والمغرب وبلجيكا. 
على الرغم من الأجواء الموسيقية الراقصة، لم يعزل المهرجان الجمهور عن الواقع المعيشي الصعب، إذ عاش الجمهور ومعه الراقصون الشعور بدرجات الحرارة المرتفعة بسبب المشكلة بنظام التكييف، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي المتكرر ولكن كل هذه العوامل لم تحرم الجمهور المتعطش للفرح من الرقص والتفاعل مع كل عرض راقص. 
 
"المهرجان استمرار لمساحات الحرية وتمكين المرأة" 
 
 
تقول عضو جمعية تيرو للفنون الدكتورة جنى الحسن لوكالتنا "بالرغم من كل المعاناة التي نعيشها في لبنان قررنا أن ننظم المهرجان ونقسمه إلى قسمين، قسم العروض المباشرة المحلية وقسم الأونلاين الذي شاركت فيه فرقاً عالمية من "مصر، اسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، كندا والولايات المتحدة، الأردن والهند واليونان، السنغال.."، على الرغم من أن اللغات مختلفة ولكن لغة الجسد لا تحتاج إلى فهم للكلام وحتى في حال وجود نصوص في بعض العروض إلا أننا نفهم حركة الجسم".
تعتبر جنى الحسن بأن مسرح إسطنبولي هو مسرح مثابر ومقاوم وهو الذي يحيا بالتبرعات والعمل التطوعي، في غياب دعم الدولة. 
وعن العروض المباشرة تقول "فرقة الكوفية الفلسطينية التي جاءت من مخيم عين الحلوة هي وجه آخر للمخيم هي الوجه الفني والثقافي، مدرسة مايا للفنون قدمت أنواع رقص مختلفة، إذ شاهدنا نمطين مختلفين تماماً، نمط منفتح على الغرب من باليه كلاسيك ومعاصر إذ تركز فيه كثيراً على كمال الأجسام وهذا أسلوب رقص، وقسم يركز على الفولكلور".     
وتتابع "عمل قاسم اسطنبولي على فكرة تمكين المرأة، إذ تضم مدرسة مايا نعمة فتيات حصراً كما أن فرق الشباب تتميز بوقوف الفتيات إلى جانب الشباب بفرق الدبكة والفولكلور والتراث". وتطرقت جنى الحسن إلى فرقة الفنون الشعبية الفلسطينية التي تم تكريمها من قبل المهرجان، ولفتت إلى إبداعات هذه الفرقة على الرغم من كل التحديات التي تواجهها والمعاناة التي تتعرض لها، وتسأل "هل يمكن للألم أن يبني هذه الشجاعة البدنية التي تتمتع بها الفرقة؟". وتضيف "لا يوجد في البلاد العربية مستوى فني يتطور مثل المستوى المتطور لدى الفرق الفلسطينية، وهي مفارقة مهمة جداً".
وعادت لتتحدث عن مسرح اسطنبولي "ما يجعلني أتمسك بالتعاون مع قاسم اسطنبولي هو إلحاحه على موضوع تمكين المرأة وواقع المرأة، وبالإضافة إلى الاستمرار في تقديم الأعمال الفنية عامةً".
وتشدد على أهمية الفولكلور والرقص الشرقي وبأن أنواع الرقص هذه تخاطب مجتمعاتنا، وتؤكد بأنها لا ترفض تعلم لغات الرقص الأخرى مثل أنواع الرقص الغربي ولكنها تشير إلى أنه علينا بدايةً تطوير ما لدينا والاحتفاظ به والاستمرار بمحاذاة الغرب بتقنياته ولكن بما يتكامل مع هيكل أجسامنا. 
وعن صورة تمكين المرأة في المهرجان، تقول "تأتي صورة تمكين المرأة من خلال حرية الجسد، من خلال إقامة مهرجان راقص على خشبة مسرح في وسط مدينة صور مع فتيات منهن من يضعن الحجاب، إذ من غير الضروري أن نتعرى لإظهار فن الجسد"، وتعتبر أن "هذه المهرجانات هي لاستمرار مساحات الحرية التي لا تكمن حصراً في الجسد بل العقل أيضاً".
عن تفاعل الجمهور مع الفنون التي تم تقديمها على المسرح خلال المهرجان، تحدثت جنى الحسن وانتقدت العقلية التي باتت تفضّل ألوان الرقص الغربية على الثقافة العربية، معتبرةً أن الموضوع سياسي وبأن تناول القضية الفلسطينية أصبح بالنسبة للبعض عبئاً بينما يتعلقون بالغرب لأنهم ينظرون إليه على أنه الخلاص، وبالتالي "من الجيد أن نتعلم من الغرب ولكنه بالتأكيد ليس الخلاص".
وتسأل عن غياب الدعم المادي لمسرح إسطنبولي الذي يقدم عروضاً مجانية ويساعد فئة الشباب، بينما يتم تقديم التمويل لمسارح تطلب مبالغ باهظة مقابل الليلة. 
 
"الفن يعكس معاناة الناس وهو مرآة المجتمع"
ويشير مؤسس المسرح الوطني المجاني قاسم اسطنبولي إلى أن الدورة الأولى للمهرجان انطلقت في العام 2019، ويعتبر أن من "إيجابيات جائحة كورونا هي الوصول إلى عروض عالمية من خلال المنصات الافتراضية، إذ يشارك إلى جانب لبنان 19 دولة في عروض أونلاين".
ويتابع "اتخذنا قرار تنظيم المهرجان وكان لدينا أكثر من خيار منها تنظيم المهرجان على شاطئ البحر في حال تعذر علينا إقامته على المسرح، إذ أن الناس يحتاجون في هذه المرحلة إلى بصيص الأمل".
مزج المهرجان بين عروض عالمية محترفة وعروض هواة، بالإضافة إلى أنه قدم جرعة من الفولكلور الفلسطيني والباليه والكلاسيك وغيرها من أنواع الرقص المعاصر.
ويقول قاسم إسطنبولي "يهدف المهرجان إلى جمع الناس، بالإضافة إلى أنه يشكّل تحدياً لنا لإثبات وجودنا. شعار المهرجان هذا العام هو "الفن من أجل التغيير" ونحن بحاجة إلى التغيير على كافة الأصعدة. الفن يواكب الحراك الشعبي اليوم، والثورة الفكرية ناتجة عن مقاومة ثقافية وهذا أمر يشكّل وعياً عند الناس". 
ويلفت إلى أهمية وجود المرأة في مختلف الميادين، "نحن بحاجة إلى المرأة إن كان على المسرح أو من خلال الرقص والغناء، لأننا بهذه الطريقة نكسر المحرمات، وأعتقد أن الصورة النمطية بدأت تتغير".
ورداً على سؤال حول توقيت المهرجان في ظل الوضع المعيشي الصعب في لبنان، يقول "الفن يعكس معاناة الناس وهو مرآة المجتمع. مثلاً الشعب الفلسطيني لا يزال منذ خمسين أو ستين عاماً يقدم فنوناً لمحاربة الاحتلال من خلال الثقافة والسينما، فالحروب ليس حروباً عسكرية حصراً بل هناك إعلام وثقافة وهوية". 
عن مشاركة فرقة الكوفية من مخيم عين الحلوة في المهرجان يقول "مشاركة هذه الفرقة تؤكد بأن في عين الحلوة وفي كل المخيمات أشخاص مثقفين ويحبون الحياة، من أكثر الفرق التي تقدم فنون ودبكة وتراث هي الفرق في المخيمات الفلسطينية".
ويسأل "هل علينا أن نستسلم في ظل الظروف الصعبة؟ ليس لدينا ما نخسره وشعارنا "محكومون بالأمل ومتمسكون بالحب من أجل الفرح للناس".
وعن أهمية مجانية المسرح يقول "لن يقوم أحد في المرحلة الحالية بدفع ثمن تذكرة لحضور المهرجان"، ويلفت إلى أن "أهمية المسرح هو باستقلاليته وبالتالي نستطيع أن نقدم الفنون بحرية لأن الفن بلا حرية لا معنى له، كما أن قوة هذا المكان هو أنه يساعد فئة الشباب التي تتطلع لتقديم أعمال مسرحية ولا تملك المال لاستئجار مكان لأعمالها".
وحول العروض الافتراضية يعلق قائلاً "العروض أونلاين لا تحل مكان العلاقة المباشرة مع الجمهور ولكنها تغني المهرجان بالتجارب المتنوعة".
 
"الرقص علاج وأردنا أن نرسم البهجة على وجوه الأطفال"
 
 
عبّرت مؤسسة "مدرسة مايا للفنون" مايا نعمة عن سعادتها بمشاركة مدرستها في هذا المهرجان، وتقول "الرقص هو علاج ولا يقتصر على تعلم المهارات لاسيما في ظل الأوضاع الحالية، كما أنه يساعد الأطفال على الخروج من الواقع عبر الفنون والايجابية بدلاً من الأخبار والسلبية".
وتضيف "أردنا أن نشارك في المهرجان لنرسم البهجة على وجوه الأطفال في ظل ظروف كورونا، وانقطاع التيار الكهربائي والشح في مادة البنزين، وبالفعل استطعنا أن ننشر الفرح لدى الأطفال وعائلاتهم وهذه رسالتنا في مدرسة مايا للفنون. نحن لسنا مدرسة رقص فقط بل نحن نمط حياة نعمل على تطوير مواهب الأطفال والتأقلم مع الحياة".
وتتابع "مشاركتنا في المهرجان كانت تحدياً كبيراً لنا، الأطفال اعتادوا على نمط مختلف، ولكننا قمنا بتدريبهم على كل شيء وقدموا العروض بفرح وسعادة، وأبرزوا مواهبهم". وتضيف "على الرغم من الإقفال العام المتكرر في البلاد إلا أنهم واظبوا على التدريبات، وكل الصعوبات لم تقف عائقاً أمام الفتيات في التعلم والتدرب، وصولاً إلى تقديم العروض".
وتعتبر مايا نعمة أن "الصعوبات دائماً موجودة وهذا ما يساهم في إنجاح الحفلات، ولكن واجهنا هذا العام مشكلة لم نتوقعها، وهو أن إحدى الفتيات التي كان لديها عرضاً منفرداً تعرضت لإصابة على المسرح ولم تكمل فقرتها".
 
"بالتراث والفرح... متمسكون بهويتنا الفلسطينية" 
 
 
من فرقة الكوفية الفلسطينية، تقول إسراء العيسى "شاركنا في مهرجان الرقص المعاصر لأننا أردنا من خلال هذه المشاركة أن نوصل رسالة للعالم بأننا لن نتخلى عن هويتنا الفلسطينية، بالتراث والفرح والرقص وبالرغم من كل شيء من انقطاع التيار الكهربائي إلى توقف نظام التكييف، إلا أننا سنبقى نرقص ونغني ولن نتخلى عن هويتنا الفلسطينية".