خابية ماء على جانب الطريق وثقافة تشهد على عراقة شعب

40 عاماً بقيت الخابية على جانب الطريق الذي يمر من قرية جب الكجلي في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا، يملئوها أهل المنزل المجاور للطريق ليروى العابرين العطشى

سيلفا الإبراهيم
منبج - .   
في مدينة منبج وعلى الطريق المؤدي منها إلى خط تل حوذان في قرية جب الكجلي يلفت العابرين من ذلك الطريق خابية مياه كما يسميها أهالي المنطقة وهي جرة كبيرة من الفخار توضع فيها المياه للشرب، هذه الخابية تعود للمنزل الذي يقع جنوب الطريق والذي يتكفل سكانه بشكل يومي بملئها كعمل خيري.  
قرية جب الكجلي تقع جنوب غرب مدينة منبج بـ 19 كم، وسميت بهذا الاسم نسبة للجبل الكائن في القرية والذي لا تنبت الأشجار في قمته لذا سميت جب الكجلي أي بمعنى" الجبل الأصلع".   
تقول صاحبة المنزل أمينة الخلف (72) عاماً "قبل 40 عاماً، اشترينا الخابية من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، وجلبناها لنضعها على جانب الطريق ليروى منها العابرين، وأيضاً السائقين فحين ترتفع درجة حرارة سيارتهم يلجؤون إلى الخابية". مضيفةً "كل من يحصل على مثل هذه الخابية يضعها على الطريق وهذه ثقافة موروثة". 
 
40 عاماً وما تزال محافظة على أصالتها
تعود هذه الثقافة لقرون مضت "جلبنا هذه الخابية كعمل خيري فمنذ 40 عاماً وهي موجودة على الطريق ويروى منها جميع المارة، فثقافة الخوابي موجودة في القرى لكن بشكل قليل جداً، فمعظم الناس باتوا يضعون برادات حديثة على الطرقات". وأضافت "هذه البرادات تحتاج للكهرباء حتى يصبح الماء قابلاً للشرب، بينما مياه الخابية تبرد لوحدها كونها مصنوعة من الفخار".
وتستمر أمينة الخلف بالاهتمام بالخابية رغم مرور كل هذه السنين "أضع فيها الماء بشكل يومي، وكل يومين أو ثلاثة انظفها لتبقى المياه صحية وصالحة للشرب". وأضافت "عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة بشكل كبير يضع بعض المارة ألواح الثلج فيها كمبادرة منهم".  
أما عن الجدران المحيطة بها فبينت أن سببها هو الحماية "منذ إحضارنا للخابية بنينا جدران حولها لحمايتها، مصنوعة من الطوب، وفي كل مرة تهدم نتيجة تقلبات الطقس والأمطار ولكننا نعيد بنائها".
تقول أمينة الخلف "هذه الخابية تعبر عن تراث أجدادنا وجداتنا وتاريخنا لهذا حافظنا عليها، فأنا مرتبطة بهذا التراث على الرغم من توفر البرادات الحديثة، فماء الخابية بارد ومنعش ولا يحتاج للكهرباء التي تنقطع مشكل متكرر".
 
صنع الخابية
وعن طريقة صنع الخابية بينت أمينة الخلف أنها لا تعرف كيف يقومون بذلك "هناك أشخاص يمتهنون صناعة الخوابي، أما أنا فلا علم لي ولم أجرب".  
يقول كبار السن في القرية أن الخابية تصنع من (البحص والتراب الأحمر والتبن الناعم) حيث يتم خلطها مع بعضها البعض ويصنع هيكل الخابية خلال 7 أيام كل يوم يتم صنع جزء منهاً، ويغطى الخليط الذي يصنع منه بأكياس بلاستيكية "النايلون" ليحافظ على رطوبته لحين الانتهاء من العمل وبعدها يترك لمدة تتراوح ما بين (7 -10) أيام ليجف وبعد هذه المرحلة، يوضع في نار مشتغلة لمدة 24 ساعة ليكون جاهزاً. 
يعرف صناع الخوابي أن عملهم نجح عندما يكون لون الخابية أحمراً داكناً، فلا تتعرض للكسر أو التحطيم بسهولة، وتستغرق صناعة الخابية بشكل كامل مدة تتراوح بين (17-20) يوماً.  
 
منزل مليء بالأدوات التراثية
تحافظ أمينة الخلف وأسرتها على الكثير من الأدوات التراثية والتي كانت تستخدم في أعمال المنزل وفي فلاحة الأرض قبل ظهور الآليات الحديثة، كالعربة التي تربط على الحصان أو الحمار، "كنا نبيع العنب عليها أما اليوم فنستخدمها للنوم. نملك هذه العربة منذ 70 عاماً". 
كما يوجد محراث وجرار زراعي يربط على الحصان لحراثة الأراضي وجرش العدس والقمح والشعير "يعود هذا الجرار لأكثر من 75 عاماً، ولدينا أيضاً الرحى ويتجاوز عمرها 80 عاماً، والجرن 50 عاماً، والفأس المصنوعة من الخشب والتي تستخدم لجرش القمح وتحويله لبرغل في الجرن عمرها أكثر من 100 عام".
ولديها أيضاً أداة الغزل التي تصنع بها خيوط الصوف، والتي يتجاوز عمرها أكثر من 40 عاماً، وأيضاً خضاضة اللبن القديمة المصنوعة من جلد الماعز، "كنا نقوم بكل هذه الأعمال بشكل جماعي وتعاوني مع ترديد الأغاني الشعبية". 
وفي ختام حديثها أكدت أمينة الخلف أنه "من الجميل الحفاظ على الأثار التي تعبر عن عراقة بلادنا. فكم أتألم حينما أسمع أن الآثار السورية سرقت أو أن الأماكن الأثرية دمرت".
وخلال سنوات الحرب السورية العشرة دمرت العديد من الأماكن الأثرية وسرقت الجماعات المسلحة وتركيا التي احتلت عفرين في عام 2018، وسري كانيه/رأس العين، وتل أبيض/كري سبي عام 2019 مجموعة كبيرة من الآثار.