هند سالم: "هنّ" أصبحت دار النشر الوحيدة من نوعها في المنطقة

أن نجد دار نشر نسوية معنية فقط بقضايا المرأة هو أمر يستحق الوقوف عليه خاصة إن كانت واحدة من المصابيح التي تنير درب النساء ثقافياً، ولم تقف عند ذلك الحد بل راحت لتأسس حالة من الوعي من خلال بعض الأنشطة التي لاقت تفاعل نسوي كبير

أسماء فتحي 
القاهرة ـ .
دار "هن" في مصر تعد الوحيدة الباقية من نوعها في البلدان العربية، ولها أهمية في خلق بيئة ثقافية تحمل أفكار داعمة للنساء وكان لنا حوار مع مديرتها التنفيذية، هند سالم، التي أطلعتنا على مجموعة من أنشطة الدار، وأدوات عملها، وتطلعاتها المستقبلية، فضلاً عن إنجازاتها خلال العام الماضي المتأثر بتحديات كبيرة ومنها انتشار فيروس كورونا.  
 
هلا حدثتنا عن دار "هن" وأهمية ما تقدمه للنساء؟
"هن" هي أول دار نشر نسوية في مصر، وفي البلدان العربية خلال الوقت الراهن حيث كانت هناك دار "الرحبة" للنشر وهي نسوية سورية ولكنها أغلقت فباتت "هن" الوحيدة من نوعها في المنطقة. 
ولكني آمل أن تكون هناك أكثر من "هن" في النطاق الإقليمي لحاجة الجميع لنماذج شبيهة تساهم في إثراء المناخ الثقافي النسوي على الصعيد النظري وكذلك النشاط والتفاعل.
 
كيف نشأت فكرة الدار وما الخطوات التي تم إنجازها حتى الآن على أرض الواقع؟
تم البدء فعلياً في تنفيذ تلك الفكرة في أغسطس 2017، وهي ناتجة عن عدم توفر دور نشر نسوية فهناك منظمات نسوية كبيرة وعريقة ولكن لا توجد دار نشر معنية بإبداعات النسويات ومن هنا بدأنا العمل. 
ومنذ البداية كان خط العمل في الدار واضح فهي معنية بالكتابات النسوية وعموم الكتابات التي تعبر عن النسوية لنتمكن من تقديم إضافة للمجتمع والقارئ المصري.
وبدأنا بعد ذلك في النشر لمجموعة من النساء على مستوى مصر والبلدان العربية، والآن لدينا كاتبات من تونس والمغرب والجزائر والكرد في سوريا فضلاً عن مصر، ولدينا إصدارات كثيرة يتم اختيارها بواسطة لجنة. 
 
كيف تحول المشروع من دار نشر فقط لمركز ثقافي نسوي على هذا النطاق الواسع؟
نسعى بالأساس لاختيار الأعمال الغير تمييزية والتي لا يوجد بها انحياز للنساء أو الرجال ولا تدين أيهم، وفكرة التطوير كانت مرحلية ففي البداية سعينا لتقديم أنشطة مختلفة منها إنشاء نادي للقراءة وتمكنا بالفعل من تثبيت يوم أسبوعي حمل عنوان "نادي الكتاب" قبل الجائحة، ويتم خلاله اختيار أعمال نسوية نقوم بمناقشتها بعد الدعوة لقراءتها مسبقاً ولاقى الأمر نجاحاً كبيراً.
وأنشئنا نادي السينما واخترنا أيضاً أفلام نسوية ومناقشتها من منظور نسوي بعد مشاهدتها، وحتى الأفلام العادية كنا نناقشها من منظور نسوي ومع الوقت بدأت الأنشطة الثقافية النسوية تتوالى. 
ومن هنا بدأنا بالتوجه نحو جعل دار النشر مركز ثقافي نسوي أيضاً، وكللنا عملنا خلال الـ 16 يوم بالدعوة لتجمع كبير احتوى على نادي الكتاب والسينما ومعرض بالمجان تحت عنوان "من نساء لنساء"، قامت خلاله النساء بالتطوع بكتبهن وأتت أخريات لأخذها والتبرع بها أيضاً. 
كما قمنا بإعداد ورشة خاصة بكتابة السيناريو وأخرى للغة وثالثة للكتابة، وتم بالفعل إحداث حالة من التنوع في الأنشطة، إلا أن جائحة كورونا حالت دون مواصلة عدد كبير منها بينما استمرت ورشة الكتابة أونلاين وكان هناك إقبال عليها.
وأظن أن تجربة "هن" تستحق التأمل ودائماً ما نقوم بالمراجعة والعمل على إيجاد البدائل في حال تراجع الإقبال على بعض الأنشطة، والآن نستهدف عمل الصالون النسوي وهو بالأساس يتناول القضايا النسوية ولكن بمنهج مختلف عن طريق مناقشات تنقل الواقع للنظرية وليس العكس فعلى سبيل المثال فكرنا في استضافة بعض الفتيات اللواتي تركبن الدراجات الهوائية ومناقشة الأمر فضلاً عن البحث في أنثروبولوجيا الطعام من منظور نسوي وسيتم البدء في العمل عليه خلال العام المقبل. 
 
ماذا انجزتم خلال فترة الجائحة التي أعاقت عمل أغلب المؤسسات؟
كورونا كانت تحدي كبير خاصةً أننا "بوك ستور" أي مكتبة لبيع الكتب، ففكرنا في طريقة لنكون مع النساء في ظل أزمة كبيرة كتلك الجائحة التي أثرت سلباً على الجميع.
وقررنا تحويل أغلب أنشطة الدار للأونلاين فأصبح نادي الكتاب والسينما يتم من خلال شبكة الانترنت، وهو أمر حمل في داخله مكاسب كبيرة لأنه فتح المجال أمام مشاركة أوسع سواء على مستوى الدول العربية أو خارجها من نساء ورجال. 
ويمكن القول إن كورونا كانت فرصة لنا تمكنا خلالها من جذب جمهور أكبر، وتعرفنا على نساء مهاجرات لدول أوروبية فضلاً عن البلدان العربية لأن لدينا بها علاقات وتواصل ومشاركة بالفعل منذ تأسيس "هن" حتى اليوم.
 
حدثينا أكثر عن تجربة "هاشتاج أبيوز"؟
البداية كانت اقتراح ترجمة كتاب "هاشتاج أبيوز دليلك لفهم الإساءة في العلاقات العاطفية"، للكاتب الأمريكي ليندي بانكروفت، قامت به الدكتورة عائشة خليل عبد الكريم، ومنذ نشره والطلب يتزايد عليه بشكل كبير فهو لكاتب أمضى 15 عاماً يعمل على موضوع الرجال المسيئين لنسائهم، ويطرح من خلاله أسباب ذلك وطرق المواجهة فضلاً عن أساليب التعافي.  
وبعد نجاح الكتاب المترجم داخل مصر وخارجها، فكرنا بعمل ورشة حملت نفس الاسم اعتمدت على جزء من الكتابة وناقشت ماهية الإساءة وطرق التعامل معها وأساليب التعافي في ورشة مدتها 8 أيام منها 4 أيام مشاركة عن التجارب تعرف بنهر الحياة الخاص بكل تجربة ونحن والمدربات نشارك أيضاً تجاربنا بشكل تفاعلي، والجزء الأخير من الورشة قائم على الكتابة باعتبارها واحدة من أهم أدوات التعافي. 
وفي البداية كان الأمر مجرد فكرة حتى تم بلورتها في ورشة ذات ملامح بدأنا بها خلال نوفمبر الماضي وكررناها مرة أخرى ولدينا حجز لعمل أكثر من واحدة خلال الفترة المقبلة. 
 
الشكل العام وأنشطة دار النشر النسوية باتت أقرب لمنظمات المجتمع المدني النسوية فما تقديرك للأمر، وهل هناك تعاون مع المنظمات النسوية القائمة بالفعل؟
نحن دار نشر تمكنت من تقديم محتوى ثقافي ودعم للنساء ولكنها خارج إطار المجتمع المدني لأن هناك الكثير منها بالفعل في مصر وهناك العديد من المنظمات النسوية العريقة ولكن نحن نعمل بجهد ذاتي.
ونحن منفتحين على التعاون مع أي منظمة نسوية لأننا دار نشر نسوية ومن باب أولى أن نقوم بطباعة منشوراتهم، ونعلم أن عدد من المنظمات تمر بأزمة منذ فترة طويلة، إلا أن الوضع الحالي بات أفضل بالنسبة لها.
ولا يتوقف الأمر عند انفتاحنا للعمل مع المنظمات النسوية بل أيضاً دور النشر الأخرى فقد كان لنا وجود في بداية التأسيس بمعرض الكتاب من خلال دور نشر أخرى وفقط منذ عامين قررنا التواجد بمفردنا. 
 
ما هي إنجازات "هن" في العام الماضي وخطتها للعام الجديد؟
قمنا بنشر حوالي 80 كتاب ولا يخلو أسبوع من نشاط كما قدمنا ورش شهرية لذلك فالأعداد بالفعل كبيرة، فرغم الجائحة وتأثيرها إلا أن العام الماضي كان حافلاً بأنشطة الدار الناجحة ذات الإقبال الكبير. 
وأتمنى أن تصبح "هن" موجودة على المستوى الإقليمي، ويتم تفعيل فكرة "هاشتاج أبيوز" على مستوى البلدان العربية والنطاق الإقليمي أيضاً لما له من أهمية فهذا النشاط بالفعل داعم للكثير من النساء الواقعات في براثن العلاقات المسيئة. 
ولدينا خطة نشر منذ بداية عملنا لكن هذا العام قررنا تكثيف نشر الترجمات النسوية والكتابات النظرية النسوية لأن القارئ المصري يحتاج لمزيد من المعرفة عن النسوية. 
 
ختاماً، الوضع في مصر يتحسن في الملف النسوي أم ما يزال يراوح مكانه؟ 
هناك انتهاكات ضد النساء على المستوى القانوني والثقافي والاقتصادي، ولكن ما يمكن الحديث عنه هو ما تفعله النساء أنفسهن فهناك موجة بدأت على مدار العامين الماضيين توجهت خلالها الفتيات نحو الحديث عن التحرش والانتهاكات التي يتعرضن لها لدرجة أننا أسميناها "مي تو المصرية". ويمكن أن نصف هؤلاء بالبطلات لأنهن رغم الواقع الصعب الذي تعانين منه فضلن المقاومة بأدوات وأساليب مختلفة. 
فالنساء في مصر طول الوقت يتم التحرش بهن ويتم التعامل معهن باعتبارهن ملكية عامة للشارع، وبحسب إحصائية صنفت القاهرة على أنها مدينة غير آمنة للنساء، وهناك وضع مزعج ولكن الفتيات يقاومن وبدأن بالفعل في إثبات قدرتهم على مواجهة أي انتهاك يتعرضن له. 
والمنظمات النسوية تبذل كل ما في وسعها ولولاها لما تم إنجاز أي شيء وتحديداً ما يتعلق بالقوانين، ويمكن القول أن المنظمات النسوية المصرية قوية حتى الناشئة منها تحمل على عاتقها تاريخ طويل تحتاج للحفاظ عليه، وعادة ما ينتج الواقع الصعب أشكال قوية من المقاومة لذلك فمنظماتنا بالفعل ملهمة وقوية.