هاجر اسكندراني تعيد إحياء ثقافة العمل بالإبرة في مدينة بنغازي

قديماً كانت الأمهات يحرصنَّ على تعليم بناتهنَّ العمل اليدوي "شغل الإبرة"، لكن فيما بعد بدأ الاهتمام بهذا العمل يتلاشى بين الأمهات، وتركته الفتيات نظراً لدقته، فانشغلنَّ بالدراسة، ولاحقاً بالهواتف الذكية، ووسط هذه الزحمة الإلكترونية ستسعد بالتأكيد حين تجد فتاة تهتم بعمل الإبرة

ابتسام اغفير
بنغازي ـ .
هاجر اسكندراني معلمة لغة انجليزية بإحدى مدارس بنغازي بليبيا توجهت للاهتمام بشغل الإبرة فقامت بعمل مشروع صغير أطلقت عليه اسم "swan for needl ework" ويعني بالعربية "بجعة للتطريز" للشغل بالإبرة حيث تعمل في التطريز، والكروشيه، والخياطة. 
بدأت عملها في هذا المجال منذ عامين وعندما انتشر فيروس كورونا وتم فرض الحجر على بنغازي توقف عملها، فلم تعد تقبل الحجوزات، أو تستطيع تسليم الطلبيات، وعلى الرغم من أن هذا التوقف قد يحدث حالة من الإحباط لدى العاملين الجدد على المشاريع الصغرى إلا أن هاجر اسكندراني لم تحبط، ولم تتوقف وإنما استغلت فترة الحجر في التدرب على هواياتها التي ستكون فيما بعد مصدراً لرزقها، فعكفت على الإنترنت تتعلم عبره وتتدرب على طرق جديدة في هذا المجال، وتقول بأن هذه التجربة وسعت آفاق العمل أمامها وجعلتها تبدع أكثر في تصميماتها. 
 
"رأيت أن هذا العمل يناسبني فبدأت بإتقانه"
وتعلق هاجر اسكندراني على سؤالنا عن عدم اهتمام الفتيات بمثل هذه الأشغال، بينما هي تجتهد وتُجِدُ من أجل أن تطلق مشروعاً صغيراً خاصاً بها بالقول "كانت أمي تعلمني العمل بالإبرة مذ كنت صغيرة خاصة في فترة العطلة المدرسية صيفاً، لقد أحببت هذا العمل فيما بعد، وعندما بدأ يكبر الشغف لدي تجاه هذه الأشغال التي تحمل كثيراً من الاتقان واللمسات الجمالية، شعرت أنها تناسبني لذلك بدأت بتطويرها كمشروع ولكن بلمسات عصرية ومختلفة، كما أنها على حسب طلب الزبون، وتظهر فيها لمسته وبصمته". 
وتضيف "ذات يوم أهديت صديقتي في عيد ميلادها، عمل يدوي يجمع بين عمل يدي وشيء تحبه، وعندما قدمت لها الهدية رأيت كم بدت سعيدة، بهذه السعادة رأيت سعادة كل الناس، وكان هذا أحد الدوافع التي شجعتني لإطلاق مشروعي الصغير". 
 
"الناس تقدر الأشياء التي تحمل قيمة جمالية"
تؤكد هاجر اسكندراني بأن الناس تقدر الأشياء التي تحمل قيمة جمالية، مرفقة بلمستهم، إلى جانب اتقان العمل فيها، "من هذا المنطلق بدأنا بتكوين فريق عمل، ونحن الآن خمس فتيات اثنان منا مختصات في التطريز، واثنان مختصات في الكروشيه، وواحدة مختصة بالخياطة". 
وعن نوعية الأشغال التي يقمنَّ بها تقول "فيما يخص التطريز نحن نقوم به على الملابس أو الحقائب على حسب طلب الزبون، عندما يحضر لنا قميص أو حقيبة ويطلب منا تطريزها بشكل معين، زهرة مثلاً أو شخصية يحبها، أو اسم أو حرف، أما فيما يخص عمل الكروشيه فنحن لا نقوم بعمل الأوشحة، أو القمصان، أو القفازات، فليس عليها طلب كثير، ولكن نقوم بصنع الدمى بالكروشيه، هذه الأشغال عليها طلبات كثيرة حيث يطلب منا عمل شخصية كرتونية معينة، أو مثلاً صحافية أو محامية أو طبيبة تطلب منا عمل دمية تعكس مهنتها، لقد أحبت الزبونات هذا العمل كثيراً، أما فيما يخص الخياطة نحن الآن نخيط الحقائب والوسائد فقط، ونفكر مستقبلاً بتوسيع هذا المجال، وحالياً نقوم بتدريب فتاتين في مجال الخياطة حتى يخرج المنتج بكامله من مشغلنا في المستقبل من تفصيل وخياطة وتطريز"، وتضيف "سيكون عمل ليبي بامتياز وبجودة عالية ومعايير ممتازة".
 
علاقتي بالزبون واضحة جداً
وعن مدى توفر المواد الخام لعملها تقول هاجر اسكندراني "كانت لدي مشكلة في توفير المادة الخام، وشح في المواد الجيدة، فحتى وإن توفرت سيكون سعرها مرتفع، ولكن أحاول أن أوفر المواد متوسطة الجودة، والمهم في كل ذلك هو أنني أخبر الزبون لماذا قد يكون طلبه بسعر مرتفع، بينما يكون طلب زبون آخر بسعر أقل، فهذا يكون على حسب جودة المواد التي يطلبها كلاهما"، وتضيف "تهمني جداً علاقتي بالزبون وتوضيح كل شيء له".
وحول كيفية استقبال وتجهيز الطلبيات تقول "أنا إلى الآن لا أملك مشغلاً خاصاً بي، وإنما أعمل على الطلبيات من منزلي، على الرغم من أن عملي ملموس إذ لابد أن يطلع الزبون عليه حتى يعرف مدى جودته، ولكن أنا الآن اتلقى دورات تدريبية في مجال التسويق الالكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن أن أطور منتجي، وأوضح جودته على الانترنت، فالزبون هنا يتعامل معي عبر الشاشة فهو لا يعرف جودة المواد التي اتعامل بها، إلا بعد لمسها، ولكن حين أقوم بتصوير المنتج بطريقة معينة وأركز على التطريز وعمله الممتاز، وخيوط الكروشيه وهي معقودة بشكل جيد، والخياطة وجودة القماش، فالتسويق الإلكتروني يساعدني كثيراً في عرض منتجي بطريقة يثق فيها الزبون".
 
تسعى لتوصيل منتجها لخارج ليبيا 
توضح هاجر اسكندراني بأنها حالياً تعمل على الطلبيات داخل نطاق مدينة بنغازي، وتسعى مستقبلاً لتوصيل الطلبيات إلى مختلف المدن الليبية، "هناك طلبيات تأتينا من مصر وتونس وكنا لا نعرف طريقة توصيلها، ولكن قمنا بعد معرفة الطريقة بالتوصيل إلى مصر وتونس وبريطانيا وايرلندا أيضاً".   
وعن وجود لمسة من التراث الليبي في عملها تقول "لم يكن ببالي أن أقوم بعمل يحمل طابع التراث الليبي، ولكن عندما تأتي الفرصة بالتأكيد سأظهر التصميمات الليبية، خاصة لو انتعشت السياحة في البلاد مستقبلاً".
وتؤكد بأن الربح ليس بالكبير جداً، على الرغم من ندرة المواد الخام وارتفاع أسعارها، "ثقافة الناس حول العمل اليدوي ليست منتشرة وبالتالي يظنون أن إنجاز العمل سيكون بسرعة بينما العمل اليدوي يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه بشكل متقن، وأنا مستمرة في عملي حتى تنتشر هذه الثقافة بين الليبيين ويتعرفون على قيمة هذا الفن واتقانه وجودته وبالتالي أعطي السعر الحقيقي له".
 
"تعرفي على ثغرات فكرتك"
تقول هاجر اسكندراني موجهةً كلامها للفتيات اللاتي يرغبنَّ بافتتاح مشاريع صغرى، ولكنهنَّ مترددات "لم أكن أتخيل نفسي، أن أقوم بفتح مشروع خاص بي، وكانت بدايته بمبلغ بسيط جداً، الآن نسبة أرباحي وصلت لـ 50%، حتى وإن كنتِ تشعرين بأن فكرتك بسيطة أبدئي بها من أجل أن تتعرفي على الثغرات الموجودة لديك لتقومي بتغطيتها".