فتحية صرصور ما بين صالون "نون" وعالم الأدب

يزخر تاريخ الأدب الفلسطيني بعدد من الكاتبات والأديبات اللواتي دفعهن حبهن للأدب إلى إنشاء الأندية والصالونات الثقافية

رفيف اسليم

غزة ـ يزخر تاريخ الأدب الفلسطيني بعدد من الكاتبات والأديبات اللواتي دفعهن حبهن للأدب إلى إنشاء الأندية والصالونات الثقافية، مثل الأديبة مي زيادة التي جاء على خطاها فكرة إنشاء أول صالون ثقافي في قطاع غزة وفلسطين عامة تحت اسم "نون".

أعادت الأديبتين مي نايف وفتحية صرصور إحياء الصالونات الثقافية في قطاع غزة، فتروي فتحية صرصور أن الفكرة خطرت لهما في عام 2002 خلال دراستهما مرحلة الماجستير، عندما لاحظت هي وزميلتها مي نايف أن قطاع غزة يفتقر لوجود صالون أدبي ثقافي، وذلك بعد رحلة من البحث والتحري ليتأكدن أن فكرة صالون "نون" هي الأولى في فلسطين عامة.

ولفتت إلى أن الجميع كان يراهن على فشل الصالون، وذلك ما زادهما عزيمة وإصرار كي تكملا عملهما، متخذات من يوم الثلاثاء أول كل شهر موعد لانعقاد جلسة الصالون على غرار صالون مي زيادة.

ومي زيادة هي أديبة فلسطينية ولدت عام 1886 بمدينة الناصرة وتعلمت بمدرسة عين طورة بلبنان ثم أقامت بمصر مع والديها، "مجلس مي زيادة كان يعقد يوم الثلاثاء بحضور عمالقة الأدب، ورواد السياسة، ومشاهير العلماء، وأعيان البلد".

ومن المفارقات بين صالون "نون" ومي زيادة أن الأول تحدث بالموضوعات الثقافة والفن فقط بينما صالون مي طال كافة القضايا التي تهم المجتمع، سياسة، واقتصاد، وعلم، وثقافة، وفن وغيرها من الموضوعات، لافتةً أن صالون "نون" يتميز بجمهور كبير ومتنوع من كلا الجنسين، فقد بلغ عدد أعضاءه قبل جائحة كورونا 100 عضو/ة.

وأشارت إلى أن الصالون يخصص جلسة كل منتصف شهر كي يسلط الضوء على إبداعات المرأة الفلسطينية في مجال الأدب، سواء كان قصة أو شعر أو رواية، لافتةً أن "الصالون خلال جلساته ناقش عدة موضوعات كالسينما الفلسطينية وكيفية ضياعها عند احتلال لبنان في عام 1982 من قبل إسرائيل"، كما تم فتح ملف الفن التشكيلي للحديث عنه، وعن التراث الفلسطيني الذي كان بداية الطريق كي تبدأ كتاباتها في مجال التأريخ.

فكتبت فتحية صرصور قصص البلاد والهجرة نقلاً عن كبار السن كما وثقت الألعاب والمهن الشعبية القديمة التي اندثر الكثير منها اليوم ووثقت العرس الفلسطيني، والأعياد الشعبية والدينية، والأزياء، إضافة للأمثال الشعبية، مضيفةً أنها اهتمت بالأقليات التي تسكن فلسطين أمثال الدروز، الذين يتبعون مذهب التوحيد وهي ديانة إبراهيمية، وتوحيدية، وعرقية؛ تعود أصولها إلى مذهب الإسماعيلية في الدولة الفاطمية بالقرن العاشر للميلاد.

وكان كتابي "فلسطين قصص وحكايا" و"سلسلة حكايا الأجداد للأطفال" من بين الكتب التي ألفتها فتحية صرصور، وتحدثت عن تاريخ وتراث فلسطين، إضافة لكتابها "ألف ويلا وويلا" الذي وثق الانتهاكات بحق الفلسطينيين ونزوحهم من أرضهم "تستر الجنود الإسرائيليين بلباس الجيش العربي مطالبين السكان بإخلاء القرى لحين طرد اليهود منها وللحفاظ على حياتهم"، لافتةً إلى أن عدد الكتب التي ألفتها 32 كتاب، منوعة ما بين التراث والأطفال والحيوانات والطبيعة.

إضافة للكتب السابقة فقد ألفت فتحية صرصور العديد من الأغاني منها الوطنية، كما جمعت قصة حياتها في كتاب خاص منذ أن تزوج إبراهيم الزينة أي والدها ووالدتها، وحتى نيلها درجة الماجستير في الأدب، بعد انقطاع عن الدراسة دام 19 عام، بالتزامن مع عملها كمديرة مدرسة في أحد المدارس الحكومية بقطاع غزة، لافتةً أن عملها التربوي أخر تخرجها عن باقي زميلاتها لكن عزيمتها لم ثبط.   

وقد تأثرت فتحية صرصور بالأديبة الفلسطينية فدوى طوقان التي كان لأعمالها الأدبية صدى واسع، وترى أن لهما حالة متشابهة "منعت فدوى طوقان من الذهاب للمدرسة في الصف الخامس الابتدائي، لأن عائلتها تعتبر مشاركة المرأة في الحياة العامة أمراً غير مقبول، لكنها استمرت في تثقيف نفسها بنفسها، ثم درست على يد أخيها شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان، الذي نمى مواهبها ووجهها نحو كتابة الشعر، كما شجعها على النشر في العديد من الصحف العربية".

وبالعودة لصالون "نون" يعتبر ضعف التمويل بحسب ما أفادت فتحية صرصور من أبرز الصعوبات التي تواجهها، إضافة إلى عدم وجود مقر ثابت، فقد تنقل الصالون في 10 مقرات على مدار الأعوام السابقة، ضمن محاولات عديدة أن يكون المقر قريب من المدينة، فلا ترهق كاهل أعضائه اقتصادياً بدفع المواصلات، لافتةً أن رغبتها في أن يبقى الصالون مستقل لا يتبع لأجندات سياسية، هو ما يعيق وصول التمويل إليه بالتالي حرمانه من فرص عديدة لتطوير.