"بذور" أول مسرح نسائي في قطاع غزة

يعد الفن هو الوسيلة الأقرب للجمهور والذي يتم من خلاله تمرير المفاهيم وتغيير بعض العادات للوصول إلى مجتمعات مثالية

رفيف اسليم
غزة ـ ، تلك الفكرة كانت ترافق المخرجة منال بركات دوماً فإيمانها بها هو ما جعلها تؤسس جمعية "بذور".
تقول منال بركات أنها لم تختار اسم "بذور" لمسرحها عبثاً بل كان الهدف من اختيارها له أن يبدأ المكان كالبذرة الصغيرة بجهد ثلاثة نساء ومن ثم يصبح قاعدة لانطلاق عشرات النساء من المتطوعات والفنانات اللواتي يلتحقن به كي يقدمن العديد من العروض، مشيرةً أن عرض "مسرح مدمر أحلام مدمرة" هو أكثر العروض التي حققت صدى واسع ومد الكثير من النساء بالجرأة للوقوف على خشبة المسرح ورواية قصصهن.
ويعتبر "بذور" أول مسرح مكون من طاقم نسائي كامل في قطاع غزة، فهو يضم 8 نساء استطعن تقديم العديد من العروض الناجحة التي حازت على إعجاب النقاد كما لاقت قبولاً من الجمهور.
وقد انطلقت فكرة المسرح كما أوضحت مؤسستها من مبادرة كانت قد أعلنت عنها جمعية الثقافة والفكر الحر لإنشاء تجمع نسائي يعنى في نشر الفن بين النساء بالمناطق المهمشة والبعيدة عن مركز المدينة، ليصبح المسرح بعد عدة سنوات جمعية مرخصة من وزارة الداخلية في رام الله تمارس أنشطتها بشكل طبيعي في عام (2018) تحديداً.
وأوضحت أنها استطاعت إثبات أنه من خلال الفن والأدوات الناعمة تستطيع الشعوب عرض أكثر القضايا تعقيداً وهذا بالفعل ما ركزت عليه خلال عرضها "أحلام مدمرة مسرح مدمر" والذي استعرضت من خلاله قضية القصف الإسرائيلي لمسرح "المسحال" عام 2018 بالشراكة مع مؤسسة جوتا الألمانية، مضيفةً أنه تم تقديم العرض بمساعدة مخرجتان وست ممثلات.
وأكدت منال بركات أن مسرح "المسحال" كان التجمع الأضخم للفنانين في قطاع غزة فهو بمثابة حاضنة لهم طوال سنوات وجوده، بل وتوارثه الأجيال "لا أتعجب من استهداف الاحتلال له لأنه يصر على مسح الذاكرة الفلسطينية والتراث الفلسطيني ليبقي هذا الشعب بدون ذاكرة أو فن غارقاً بالمشكلات المجتمعية والسياسية، لذلك سعيت لتفعيل دور جمعية بذور من خلال عرض أحلام مدمرة".
وقد تدربت عضوات المسرح كثيراً ليظهرن ذلك العمل للنور ويلاقي ذلك الاقبال الكبير من قبل الجمهور فقد تم تسليط الضوء من خلاله على قصص نساء استطعن إضافة بصماتهن في كل المجالات، رغم الهموم الوطنية والاجتماعية والأسرية التي تثقل كواهلهن، وتعيق تقدمهن في هذه البقعة المحاصرة، مشيرةً أنه تم تقديم ثلاثة عروض خلال عامي (2020 ـ 2021)، وهناك خطة لتقديم المسرحة في المحافل الدولية قريباً.
وأضافت منال بركات أن مسرح "بذور" يعمل ضمن عدة برامج منها صناعة الرسوم المتحركة وهي قصص يتم إخراجها من خلال الكرتون ينشئها الشباب والأطفال والنساء بعد دورة تدريبية تقدم لهم من قبل الجمعية والعروض المسرحية والأفلام القصيرة وبرنامج الحكواتي، مشيرةً إلى أن الأخير لم يركز على قصص النساء فقط بل حاولت دمج مشروع الحكواتي لتفعيل التعليم النشط في المدارس الحكومية.
وأوضحت أن توظيف الدراما في التعليم كانت تجربة نوعية للجمعية فبالتعاون مع الجامعة الهولندية استطاعوا تدريب عدد من المعلمين في المدارس ليوظفوا الفن بالمنهاج الدراسي، مضيفةً أنه من خلال القصة يتم تجسيد المادة التعليمية كما يستطيع المدرس أن يفعل أدوات التعليم النشط التي تجعل من ذاكرة الطفل أقوى وتنمي مهارات التفكير الناقد لديه والعمل الجماعي والعصف الذهني وتقلل من الملل الذي يشعر به الأطفال في منتصف الدرس.
وأشارت إلى أن برنامج الحكواتي ضم أيضاً النساء اللواتي يواجهن العنف وضغوطات الحياة فتم عقد ورشات متتالية لهن وسماع قصصهن لتحديد أبرز القضايا التي تهدد الأمن اليومي للنساء وتوجيههن في كيفية التغلب عليها مع التركيز على أبرز انجازات رحلتهن العمرية لدمجها في حكاية واحدة وروايتها من خلال صاحبة القصة على خشبة المسرح.
وترى منال بركات أن للبرنامج أهمية كبيرة بالنسبة للنساء فمن جهة يساعدهن على التفريغ النفسي وقول ما لديهن من مشكلات تؤرقهن سواء من العائلة أو العادات والتقاليد المفروضة عليهن التي لا يستطعن تغيرها، ومن جهة أخرى تمد كل واحدة منهن الأخريات الأمل على الاستمرار، مشيرةً أنه كان هناك مشاركة من قبل النساء ما فوق (50) عام والشابات الصغيرات، واستطعن نسج حلول للتغلب على المعيقات التي يواجهنها.
وتنتقل منال بركات من النساء لطلاب المدارس في المرحلة الثانوية والإعدادية التي نفذت لديهم حملة بعنوان "هاشتاغ" لتجسيد أبرز القضايا التي يتم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال عمل مسرحي، لافتةً إلى أنهم في البداية يقومون بكتابة الاسكتش ومن ثم يتدربون على العرض بإشراف مدربين من الجمعية يتابعون التدريب كاملاً منذ البداية وحتى نهاية العروض.
وأكدت أن فكرة جمعية "بذور" تقوم على إنشاء مسرح متكامل بمساعدة الأفراد أنفسهن فيتم اختيار المكان وتنفذ التصميمات من قبل المهندسة التي تعمل في الجمعية ثم تحدد الملابس لتخيطها نساء يعملن من خلالهن، وكذلك الأمر بالإخراج والتدريب واختيار الموسيقى التصويرية ودمج الألوان أو إنتاج بعض الرسومات في أي عمل فني يقومون به سواء مع الأطفال أو النساء.
ويركز المسرح على مناقشة قضايا المعنفات، فتروي منال بركات أنها استطاعت تجسيد تلك القضايا من خلال عرض مسرحي أسمته "العنكبوت"، وقد شاركت به فتيات من فئات عمرية مختلفة وقد جسد العمل القضايا التي تهدد مستقبل الفتيات مشبه إياها بالخيوط التي ينسجها العنكبوت، كما أتبعنه عرض آخر أطلقن عليه "ما تشتكي" ليعلم المرأة كيفية التغلب على مشاكلها وحدها ومواجهة الأب أو الأخ أو الزوج المعنف لها.
وأوضحت منال بركات في ختام حديثها أن الجمعية تنفذ نشاطاتها بالتعاون مع الجمعيات والمؤسسات النسوية التي تعنى بتقديم الدعم لهن، لافتةً أن أكثر الصعوبات التي تواجه مسرحها هو نظرة المجتمع له وكأنها تقترف جرم في تعليم الفتيات وتمكينهن من خلال الفن وأيضاً مشكلة التمويل التي تضطرها على إثرها لتقليص بعض الأفكار، مختتمةً أنها سعيدة بنجاح النساء وقوتهن التي أصبحن يبدينها على خشبة المسرح.