أمية جحا أول رسامة كاريكاتير فلسطينية... فماهي قصتها

امرأة في العقد الخامس من العمر تهتم برسم الخطوط المجمعة بعناية لتنتج لوحة فنية تجسد فن الكاريكاتير

رفيف اسليم

غزة ـ امرأة في العقد الخامس من العمر تهتم برسم الخطوط المجمعة بعناية لتنتج لوحة فنية تجسد فن الكاريكاتير، استمرت في الرسم لسنوات دون أن تنشر أي أعمال بهدف صقل موهبتها ومواجهة الظروف المحيطة للوصول إلى حلمها، حتى استطاعت أمية جحا أول رسامة كاريكاتير فلسطينية التغلب على جميع الصعوبات كي تصبح اليوم صاحبة أشهر لوحات تتصدر وسائل الإعلام المحلية والدولية.

ربما كان تأثرها برسام الكاريكاتير ناجي العلي هو طوق نجاتها ومعيقها الأكبر في آن واحد كما تحدثت أمية جحا لوكالتنا، فهو طوق نجاه لأنها دوماً ما كانت تطلع على رسوماته وتحاول تقليدها للتعلم منها خلال مرحلة الطفولة والمراهقة إلى أن أطلق الجميع عليها وريثة ناجي العلي، لافتة إلى أن مصير ناجي باغتياله من قبل "الاحتلال الإسرائيلي" بسبب رسوماته هو معوقها الأكبر بسبب قلق عائلتها وعدم رغبتهم في أن تلاقي ابنتهم حتفها لذات السبب.

وأضافت أن تفوقها في المراحل الدراسية كان عائق آخر فلم تقتنع عائلتها أن الفن من الممكن أن يكون مصدر رزق أو مهنة لابنتهم في ذات يوم، فرفضوا أن تقدم في كلية الفنون واختاروا لها الرياضيات لتعمل كمعلة فيما بعد، مشيرة إلى أنها استجابت لرغبتهم لكنها بقيت تحاول تطوير موهبتها بالرسم وقد أنهت التخصص الجامعي بترتيب الأولى على الدفعة ووظفت كمعلمة لمدة عام واحد في أحد المدارس الفلسطينية الإعدادية لتترك الوظيفة فيما بعد.

هنا كان محور التحول في حياة أمية جحا بحسب ما تحدثت لنا لأن بعد انهائها عامها الأول تلقت فرصة لا تعوض كي تظهر رسوماتها للنور في أحد الجرائد المحلية الفلسطينية، وكان من المستحيل التوفيق بين الفن والتدريس فتركت التدريس ولم تهتم لردة فعل أحد على الإطلاق، مضيفة أن بداياتها كانت من خلال رسوم الكارتون والقصص المصورة لتتجه فيما بعد إلى الكاريكاتير بموضوعاته المختلفة.

وترى أمية جحا أن هناك علاقة وثيقة بين كلاً من فن الكاريكاتير والرياضيات لأن كل منهما بحاجة لحساب دقيق وتركيز كي تظهر النتائج صحيحة وبدقة عالية، لافتة إلى أنها نظراً للحالة الفلسطينية فقد ارتبطت السياسية بكافة الموضوعات التي رسمتها سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وحتى موضوعات المرأة التي احتلت جزء كبير من أعمالها في ظل تحيزها للنساء بشكل كبير لتجسد القدس على هيئة امرأة.

وقد لاحظت حاجتها في التعمق بعلم التاريخ لأن الفنان يجب أن يكون على دراية بجميع الأحداث السياسية والاجتماعية لمحاولة ربطها بالرسومات المنتجة فقامت بإكمال الدراسات العليا في مجال التاريخ, مضيفة أنها استمعت في ذلك المجال ووجدت شغفها به إضافة لإيجاد الكثير من الإجابات عن تساؤلات خاصة بحقب زمنية وأحداث مختلفة مرت بها فلسطين وقطاع غزة على حد سواء.

وأضافت أن "الفنان بحاجة أيضاً للسفر والتنقل كحاجته للمعرفة كي يتذوق كافة الفنون والثقافات بالتالي يظهر التنوع في لوحاته لكن ذلك الأمر بالنسبة للفلسطيني أمر غير ممكن بسبب المعوقات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على السفر"، مشيرة إلى أن الأحداث التي تمر بها البلاد تؤثر على الفنان وتعطيه دائماً أفكار جديدة لأنه يتأثر بما يعاني منه أبناء شعبه فتولد اللوحة من رحم المعاناة.

فتذكر أمية جحا أن خلال عملها على قضايا النساء كالقتل والميراث كانت تنهي اللوحة بدموع عينها لتأثرها بما تلاقيه امرأة مثلت أسمى مراحل الصمود ثم تتلقى التعنيف أو القتل لأسباب واهية، موضحة أن الجمهور المشاهد لتلك اللوحات يتفاعل معها ويلاحظ كمية الألم والمعاناة من تلك الخطوط المرسومة فتشارك تلك الرسومات بشكل واسع وتلقى المزيد من التشجيع كي تمثل المرأة الفلسطينية عبر فنها الذي أصبح اليوم ينشر بالعديد من وسائل الإعلام الدولية.

وترجع أمية جحا التطور في رسوماتها إلى العمل الدؤوب في تطوير نفسها من خلال مشاهدتها للعديد من الأعمال الفنية الدولية وصقل مهاراتها عبر التجربة والخطأ أو الدورات التدريبية المختلفة، لافتة إلى أن المجال اليوم مفتوح أمام جميع النساء للتعلم والعمل كما أن مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت للفنانات معرض مفتوح لنشر لوحاتهم كي يراها فئات مختلفة من المشاهدين مما قد يتيح لها فرصة عمل.

وعن سبب عزوف الفتيات عن العمل في فن الكاريكاتير قالت أمية جحا أن "المرأة هي التي تقمع نفسها فتضع حجج واهية كعدم قدرتها على مواجهة المجتمع أو صعوبة سوق العمل ومثل تلك الأسباب لا تليق بالمرأة الفلسطينية الأسيرة والمناضلة وأم الشهيد التي واجهت الاحتلال بشراسة وتكفلت بعائلتها في غياب زوجها لتربي جيل قوي واعي مثقف".

واختتمت أمية جحا حديثها بالتأكيد على أهمية فن الكاريكاتير الذي يعادل ألف مقال مكتوبة فلتلك الخطوط سلطة على العين وقدرة هائلة على تحريك مجرى الأحداث، وقد ساهم تطوره من الأبيض والأسود إلى الألوان مع تقنيات الحاسب الحديثة في إيصال الرسالة بشكل أوسع وأفضل في أداء دور تثقيفي تنويري وتحريضي لمقاومة الاحتلال وجميع العادات البالية في المجتمع.