'الرسم بالنسبة لي أسلوب حياة وأنا من أصحاب الإرادة لا الإعاقة'

نجاة بامري فنانة تشكيلية عاشقة للرسم منذ صغرها، تحدت إعاقتها الجسدية والنظرة الدونية من قبل المجتمع الذي يرى في الإعاقة نقصاً وعجزاً، وعانقت الإبداع بفضل موهبتها، ركزت اهتمامها على رسم المعالم الأثرية التونسية حتى تساهم في تخليدها

زهور المشرقي
تونس ـ .
تقول نجاة بامري وهي أم لفتاة تبلغ من العمر 10 سنوات، خلال حوار معها، للنساء مثيلاتها وغيرهن "اعملن على إثبات أنفسكن لمحاربة العقليات الإقصائية التي تسعى إلى تقزيم النساء والوقوف في طريقهن".
 
نجاة بامري المرأة العصامية، لو تعرفيننا بنفسك ومنذ متى بدأتِ بتحريكِ ريشتكِ؟
نجاة بامري فنانة تشيكيلية تونسية بالفطرة، ولدت أعاني من حالة إعاقة في القدمين حيث لا تنثني ركبتي، كما أنني لا أستطيع تحريك ذراعي لإصابتي أثناء الولادة بضمور في عضلات الذراعين... إلا أنني امتلكت الإرادة وعزيمة التحدي.
أمسكت بريشتي لأول مرة وأنا بنت الأربع سنوات، بدأ حلمي يكبر انطلاقاً من ذلك اليوم الذي رسمت فيه بعض الخربشات على حائط منزلنا وأنا ممسكة القلم بفمي، عندما رأتني أمي غمرتني حباً بكل الألوان... الرسم بالنسبة لي حلم وحياة أراه في نفسي وأرى نفسي فيه.
 
برغم الإعاقة تحدّيتِ كل العراقيل وصرت الفنانة التشكيلية الأولى التي ترسم بالفم في تونس والبلدان العربية... كيف استطعتِ تحقيق ذلك؟
ما من نجاح دون تعب وعراقيل، منذ الصغر كنت أُعامل في منزلنا بنفس طريقة معاملة عائلتي لإخوتي، لم أشعر يوماً بأي فرق بيني وبينهم، إلا أن العراقيل خارج البيت شبيهة بكل تلك التي تتعرض لها أي امرأة حاملة لإعاقة تعيش في مجتمع ذكوري متسلط، لكنني استطعت بفمي أن أمسك بفرشاتي وهي صديقة العمر وأمزج بين الألوان، وأرسم لوحات تفيض فناً أرى نفسي فيها ويراني العالم من خلالها... خضت التحدّي بيني وبين نفسي قبل الجميع، وخطوت طريقي منذ الأربع سنوات، ولم أعتبر الإعاقة حاجزاً أمام الإبداع... الإرادة والعزيمة هما السلاح الذي يجعلني أتحدى إعاقتي وإثبات نفسي.
وقد ساعدتني عائلتي كذلك، حيث دعمتني وآمنت بقدراتي ثم دعمت نفسي وتمسكت بحلمي، فكل ما أحتاجه عادة هو أن يكون دائماً بجانبي شخص يساعدني في تقريب أداوت الرسم والزيت والفرشاة، فأحياناً عندما أرسم وأنا بمفردي في المنزل تسقط اللوحة مني فأضطر إلى إصلاحها مجدداً أو إعادة رسمها من جديد، وهذا ما يزعجني أحياناً، لكنني أحاول جاهدة تجاوز هذه العراقيل الصغيرة حتى لا أربك عملي وفنيّ... هناك أيضاً عراقيل من نوع آخر تعترضني معظم الأحيان وهي أنه برغم النجاحات والأوسمة التي حصلت عليها إلا أنني أجد تجاهلاً من السلطات والمسؤولين الذين طالما وعدوا بدعمي وتحسين وضعي، وتخامرني أحياناً فكرة الهجرة لشعوري بالخذلان وبعدم وجود أي تشجيع من أي جهة، علماً أن ما أبيعه من لوحاتي وأنا مضطرة لذلك، لا يوفر لي سوى بعض الدخل البسيط، خاصة أنني أعاني كغيري من النساء التونسيات مع أزمة كورونا من صعوبات مادية.
إلا أنني مهما واجهت من صعوبات فلا أتحدث عنها كثيراً وأحاول دائماً تجاوزها ورسم مستقبل وردي بلوحاتي وفنيّ... إنني أكره نظرة الشفقة ولا أريد كلمة "مسكينة وضعيفة"، وهذا سرّ قوتي وشجاعتي، وأصبحت ألقّب بالمرأة العصامية القوية... نجاة هي القوة والتحدي والمثابرة، هي العزيمة والإرادة الفولاذية، نجحت وحصلت على تكريمات عديدة من أعلى هرم في السلطة.
 
أن ترسم نجاة بامري، ماذا يعني ذلك بالنسبة لها؟
الرسم بالنسبة لي هو الحياة، أنه وجودي وفكري وهو مصدر سعادتي... حين كنت صغيرة كان رسمي عبارة عن أشياء لا أفهمها ولا أعرفها، وحين كبرت صار مصدراً للتعبير عن طموحاتي وما يشغلني، أوصلت من خلاله حقيقة أن الإعاقة ليست حاجزاً ولا عيباً... الإعاقة قد تكون طريق الإبداع وإثبات المرأة لنفسها محلياً وعالمياً، وأشعر بأن لوحاتي المليئة بالحركة والحياة هي أملي في الغد، تلك الحركة التي حرمت منها في حياتي أراها في تلك الإبداعات التي أصنعها بريشتي وبفمي.
 
هناك بالتأكيد رسائل ترسلينها عبر لوحاتك... ماهي؟
هدفي أن أكون قدوة لمثيلاتي من النساء، وأن أحذف كلمة "معاق عاجز" من أفواه الآخرين، وأن أكون فخراً لابنتي... رسالتي من خلال لوحاتي هي أن "الإعاقة لن تكون حاجزاً" أمام أحلامي وطموحاتي، حقّقت ولا زلت أطمح إلى الكثير... كل خطّ ولون فيه رسالة مليئة بالحركة والحياة، أريد أن أترك بصمة جميلة في حياتي.
 
كيف استطعت تغيير نظرة الشفقة إلى نظرة ابتهاج ونجاح؟ 
لا أريد أن أشاهد ملامح الشفقة تجاهي في نظرات الآخرين، تحديت إعاقتي وأعتقد أني نجحت في أن أمنح حياتي لوناً زاهياً مثل معظم اللوحات التي أرسمها، وغيّرت تلك النظرة إلى نظرة إعجاب وانبهار... كثيرات هن من يتصلن بي عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويسألنني عن سر التفاؤل وحب الحياة التي أملكها، وهذا بالنسبة لي كسر تلك النظرة السلبية.
أكره كلمة "مسكينة" على خلفية إعاقتي... لقد نجحت في قتل تلك النظرة الدونية لكل معوق، فكلّ فرد حرم من شيءٍ ما يستطيع تعويضه بالصبر والإيمان والعزم.
 
ما هي قصة الحب التي تجمع نجاة بامري بلوحاتها؟
لوحاتي هي أبنائي.. فيها حكاياتي، وكل لوحة تحكي قصة.. اضطررت إلى بيعها لتوفير أدوات الرسم وبعض ضرورات الحياة، لو كان الأمر بيدي لأصبح بيتي معرضاً فنياً ولَمَا فكرت يوماً في بيع أي لوحة.. لوحاتي هي ثروتي الحقيقية.
 
تصدّرت قصة نجاحكِ الصحافة العالمية، حدثينا عن أبرز النجاحات والجوائز؟ 
عرضت لوحاتي في الجزائر لمدة شهر في العديد من الولايات، وشهد المعرض التشكيلي الذي شاركت به نجاحاً كبيراً، وفي آذار/مارس عام 2019 شاركت في معرض المبدعات العصاميات وفزت بعدد من الجوائز، أما التكريم الأبرز فكان حصولي على الدكتوراه الفخرية في الفن التشكيلي من مؤسسة المبدعين العرب بمصر في شباط/فبراير 2018، عندما قدمت عصارة أعمالي التشكيلية انبهر بها النقاد ورواد العمل الفني والثقافي في العالم العربي، وكرمت من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد بمناسبة العيد الوطني للمرأة عام 2019، وشاركت في عدّة معارض في تونس والجزائر ومصر وتركيا والعاصمة الفرنسية باريس.
 
ما هي رسالتك لنساء تونس؟
رسالتي لكل النساء اعملن لإثبات أنفسكن، فأنا صنعت من نفسي امرأة ناجحة ومثابرة... وأقول للمرأة أينما كانت أحبّي نفسك أولاً، أحبي ما تقومين به، اجتهدي، لا شيء يقف حاجزاً أمامك أو يحول دون إرادتك... اصنعي من نفسك نجاحاً مبهراً، آمني بنفسك وبأهدافك.