'الكتابة النسائية لها تميزها واختلافها لكنها ما زالت مقموعة'

حققت الكاتبات المغربيات تراكماً مميزاً في مجال الكتابة الأدبية بشكل عام، وأيضاً في إغناء الأدب بموضوعات نسائية

حنان حارت
المغرب ـ ، ومكمن الأهمية لا يمكن حصره في إطار موضوع المرأة، بل أيضاً في الإسهام الجمالي، لأنها كتابات صادرة عن ذوات نسائية لها رؤية خاصة.
تقول القاصة والروائية زهرة عز، التي تتناول الصراع بين الرجل والمرأة في إصداراتها، في حوار لها مع وكالتنا أنه "لا يمكنني  التبرؤ من جنسي وأنا أدري بمعاناته، لذلك من ضمن الأساسيات في كتاباتي انخراطي في سؤال المرأة في الواقع الاجتماعي، ربما لأن درجة العنف الذي تتعرض له أقوى، ولأنها الحلقة الأضعف، لكن يتم ذلك دون تحيز، طالما أن المعاناة في النهاية هي معاناة الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة".
 
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
 
ما الذي دفعكِ للولوج إلى عالم الكتابة؟
نشأت في بيئة بسيطة تقدس العلم والكتب، لذلك كنت محظوظة، وأسعى دائماً أثناء تحصيلي الدراسي أن أكون من الأوائل حتى أفوز بمجموعة من الكتب آخر السنة أضيفها للمكتبة ولأقضي حينها العطلة الصيفية أتنقل بين عوالم مختلفة وأجوب العالم عبر الكتب.
كنت أقرأ وما زلت كل ما يقع بين يدي من كتب فلسفية وعلمية وأدبية، من هنا جاء عشقي للحرف؛ أتذكر  خربشاتي الأولى في الشعر، وتشجيع أستاذ اللغة بمواصلة الكتابة وأنا في السنة الأولى، أتذكر أيضاً يوم أخذني من يدي لأقرأ نصاً إنشائيا أمام تلميذات الأقسام الأخرى، وكان مفتخراً وهو يقدمني، لقد كانت ذكريات دافئة وشمت ذاكرتي.
الحروف بالنسبة لي أحصنة جامحة ولكل مبدع طريقته في كبحها وطريقة ترويضها بمشاعر مسننة أو ناعمة حسب رؤيته الخاصة، فالكاتب خزان لما يعايشه ويعيشه وكتلة من المشاعر الجياشة؛  بركان خامد في مخاض لا منتهي وعندما تأتي اللحظة الحاسمة، الخارقة يتدفق حمماً، غاضبة حيناً ومسالمة أخرى. 
كما أن غايتي من كتابة القصة أو الرواية هي إنتاج معرفة بالواقع الاجتماعي، والتأريخ لذاكرة المجتمع المعاشة، بهدف الإسهام في بناء متخيل جمعي جديد أكثر إنصافاً وحداثة وحضارة.
 
هناك حضور قوي للمرأة في كتاباتكِ، فهل تكتبين بدوافع أنثوية؟
أنا مبدعة أكتب خارج التصنيفات الجنسية، بكل ما تضمره من حدود إيديولوجية مختلقة ضداً على التكامل الإنساني والصفاء الوجودي، لذلك فهي كتابات تتضمن السياسي والأيديولوجي، ولكن في الوقت نفسه تتجاوزهما إلى ما يمكن أن أسميه ما بعد السياسة وما بعد الأيديولوجيا، فحين أكتب أكون أنا بغض النظر عني كأنثى.
بعض نصوصي تعطيك انطباعاً بأنها كتبت بمذاق أنثوي، والحقيقة أنني لا يمكنني أن أتبرأ من جنسي وأنا أدرى بمعاناته، لذلك من ضمن الأساسيات في كتاباتي انخراطي في سؤال المرأة في الواقع الاجتماعي، ربما لأن درجة العنف التي تتعرض لها المرأة أقوى، ولأنها الحلقة الأضعف، لكن دون تحيز، طالما أن المعاناة في النهاية هي معاناة الإنسان سواء كان امرأة أو رجل. أما التمييز بين الجنسين فهو بناء ثقافي وليس معطى طبيعياً وبيولوجياً؛ ربما كان التركيز على معاناة المرأة نظراً لطبيعة المتن الحكائي، ولرد الاعتبار للمرأة التي تعاني أكثر من الرجل في المجتمعات العربية، لذلك اهتمامي بها هو نوع من الالتزام تجاه قضايا المرأة عموماً.
 
في روايتكِ "سرير الألم" عن أي ألم تتحدثين؟
بروايتي حمولة مثقلة بآلام فكرية حول مجتمع يتضور في صمت وألم  فوق سرير وطن، في الرواية انتكاسات وانتظار وآلام وبعضاً من الأمل؛ الألم هو الرافد والسرير جاء ملطفاً له، مؤلم فعلاً وأليم عندما يضحي الواقع  بأحلام النساء على عتبة الفقر والجهل، وعلى عتبات الفحولة المتخيلة والهيمنة الذكورية.
 
أي من رواياتكِ عبرتِ فيها أكثر عن الصراع بين المرأة والرجل وسيادة الثقافة الذكورية، وانحياز المجتمع للرجل؟
أظن "سرير الألم" التي تبقى رواية إنسانية بالدرجة الأولى، والصراع بين الرجل والمرأة فيها هو صراع خفي سيكولوجي، لم يرق إلى درجة الصراع من أجل التغيير، أو لنقل صراحةً إنه صراع مزيف، لم يصل لمرحلة النضح بخلفيات ومرجعيات الصراع الطبقي الذي يكون ضحيته المرأة والرجل معاً في حالة الضعف والفقر والتهميش.
"سرير الألم" لا تختزل قضية المرأة في الصراع الذكوري الأنثوي، فكلاهما ضحايا وضع اجتماعي تشوبه قيم تهدر حقهما وكرامتهما معاً، فهما ضحايا فساد وإيديولوجيات استبدادية، والقمع الذي يأخذ مستويات عديدة في تجلياته المادية والرمزية، هو قمع يهضم كل الحدود ويتخذ منها آليات لتكريس الاستبعاد والهيمنة.
 
مَن مِن الشخصيات النسوية التي كتبت عنها في رواياتكِ أو قصصكِ وترين أنها تشبه زهرة الإنسانة؟
بالنسبة إلى المبدع يصعب تمييز الهم العام عن الهم الخاص، ذلك أنه كائن شديد الاندماج والحساسية، فكل ما يؤثر في العام يؤثر فيه كذات، وهو ما يجعل ذات الكاتب والمبدع والفنان عموماً ذاتاً اجتماعية مخترقة بكل ما يؤثر في المجتمع.
زهرة عز ككاتبة تجد صعوبة في تمييز ذاتها الخاصة ومشاعرها الخاصة عن ذات المجتمع ومشاعره، ولذلك فالكتابة بالنسبة لي هي كتابة الذات الجماعية، التي من دون شك تحضر فيها ذاتي بشكل أو بآخر، أو لنقل إنني أكتب ذاتي في ذات المجتمع.
شخصياتي من ورق، لكنها متجذرة في الذاكرة التي تملؤها لحماً وعظماً، وتمنحها عواطفها وأفكارها، وكل شخصية هي جزء من التكوين والهوية الاجتماعية، كما أن الشخصية بالنسبة للكاتب هي الأنا الثانية التي من خلالها يتواصل مع القارئ، ونساء نصوصي هن بقايا أثر لنساء نراهن كل يوم، في السوق، في البادية، في المدينة، قد أستدعيهن من عالم الطفولة أو من الذاكرة أو من الخيال، لكنهن يصرن حيات، فاعلات، وينتقلن من شخصيات ورقية إلى حالات إنسانية، وأحاول قدر ما أستطيع سردياً أن أجعلهن أكثر واقعية، وأكثر خيالاً أيضاً، حتى لا نغرق القارئ في بؤس الواقع المعاش.
 
كيف ترين التجربة النسائية المغربية في الكتابة؟ 
ما يمنح الإبداع النسائي مكانته هو النبش في الهامش الاجتماعي، وفي الممنوع، وهذا لا يتم إلا في مناخ ثقافي تسود فيه حرية التعبير، كما هو الحال في الغرب، لكن الأمر مختلف عندنا، الكتابة النسائية لها تميزها واختلافها، وهذا صحيح، لكنها ما زالت مقموعة.
وعموماً الكاتبة المغربية حاضرة بقوة في المشهد الثقافي من خلال أشكال تعبيرية متعددة سواء عبر الشعر، أو القصة، أو الرواية، أو المسرح، لذلك تحظى بمتابعة تقدير، خاصة أنها استطاعت أن تكسر جدار الصمت بشأن مجموعة من القضايا التي كانت توضع في خانة المسكوت عنه.
 
هل توافقين على تعبير الأدب النسوي؟
أظن أن مصطلح الأدب النسوي يشير إلى الابداعات النسائية وتناولها لقضايا متعددة بما فيها قضايا المرأة من وجهة نظر مختلفة، إذ تبقى المرأة الأديبة أكثر إصغاءً إلى صوت المرأة، فهي تشخص على وجه كامل قضية المرأة والمكانة التي تستحق، بينما الكتابة من زاوية الرجل غالباً ما تكون مقيدة إلى نظرة ذكورية سائدة في المجتمع، فيما الإبداع النسائي هو محاولة لإسماع صوت المرأة من داخل تجربتها الخالصة. 
أما الكتابة فتبقى تجربة إنسانية وأنا مع الكتابة خارج التصنيفات الجنسية، لأن الأدب النسائي لا يمكن حصره في إطار موضوع المرأة فالأدب النسائي اهتم بالديستوبيا التي تنطلق من التأمل في مستقبل الأقليات والمهمشين، الذي يتسم بالفساد أو السوء بشكل عام. 
 
بالنسبة لقصتكِ القصيرة "محاكمة" أي نوع من المحاكمات تتحدثين عنه؟
بطل قصة "محاكمة" عاش التشرد والإقصاء في أبشع صوره وجاء عنفه كمتنفس وردة فعل ضد الآخر والمجتمع وهو في العمق عنف ضد اللاعدل واللاحق.
وعلينا الاعتراف بتنامي مظاهر الإقصاء وحالات اليأس في المجتمع مع تردي دور المؤسسات الاجتماعية وغياب إرادة حقيقية لإيجاد حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية؛ وما يميز العنف اليوم هو انتشاره كثقافة انتكاسية؛ فمن نحاكم؟ السياسي الذي فشل في تحقيق التنمية المنشودة، وصيانة كرامة المواطن، ومده بالمناعة المكتسبة عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية؟ أم المنحرف الذي يعيش التهميش والإقصاء؟ أم الأسرة والمدرسة التي تخلت عن أبنائها؟ من نحاكم ومن المسؤول عن التسيب الخطير والانفلات الأخلاقي؟ عموما قصة "محاكمة" تدق ناقوس الخطر وتساءلنا جميعاً.
 
"وليمة لأعشاب الحلم" مجموعة قصصية تحتفي فيها زهرة عز بالحلم، فهل ذلك هو نفاذ إلى واقع آخر، بهروب المرأة من الجراح والآلام للارتقاء نحو عوالم أخرى أكثر حرية وقدرة على تحقيق الأحلام؟
الحلم بالنسبة لي هو اللغة الثانية للواقع، لذلك فهو الرافد الأساسي وسماد كتاباتي للرواية والقصة على حد سواء. كتاباتي يمكن تلخيصها في التداخل والتجاور والتمازج بين مستويين يعتمد على تقنية المرآة، فالسرد هو انعكاس مباشر للواقع الاجتماعي، ومستوى من السرد الحلمي يعتمد على لغة مجازية واستعارات ورموز شعرية تخترق السرد الواقعي المباشر، وتعيد كتابته بلغة الرمز وشفافية التعبير الشعري، فتعتمد نصوصي القصصية على لغة تخيلية تمد الجسور بين السرد والشعر، خاصةً على مستوى لغة الوصف. 
بمجموعة "وليمة لأعشاب الحلم"  يظل الحلم هو المشترك الدلالي الذي تتقاسمه كل المتون إذ إن كل شخصيات النصوص القصصية تتأبط حلماً، مصرة على الصمود رغم كل الإحباطات والعواصف. لقد تناولت المجموعة القصصية  تفشي عدة ظواهر مثل الجهل، والأمية، والتخلف، والشعوذة، التحرش، التمييز، القمع، الرشوة، الفساد الإداري... قضايا مستعصية تحتاج عزيمة وقرارات سياسية جريئة، حتى نعانق أحلامنا الوردية ونحقق أمل ارتقاء السلم الحضاري.
 
"مرآة خبز وقمر" هي عبارة عن صراع وأزمة رجل، وأرق امرأة، حدثينا عن نوعية هذا الصراع الذي اعتمدته في نسج خيوط الحكاية؟
مجموعتي "مرآة خبز وقمر" تلامس الواقع من خلال قضايا اجتماعية وتاريخية يتم "ترهينها"، أي خلق سياق واقعي يتقاطع مع القضايا الإنسانية الراهنة، فهي تحتفى بالهامش وتنتصر للحرية والعدل والإنصاف، من خلال العمل التخيلى على بناء العالم الممكن المنفتح دوماً على اليوتوبيا والحلم، وفق نقد مزدوج للبنيتين المادية والرمزية لهذا الواقع الموغل في القهر والفقر والجهل؛ فيها تبرز معاناة الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة. وأختزل قضية المرأة في الصراع الذكوري الأنثوي، لأن الصراع بين الرجل والمرأة هو صراع خفي سيكولوجي، لم يرق إلى درجة الصراع من أجل التغيير، أو لنقل صراحة إنه صراع مزيف، لم يصل لمرحلة النضح بخلفيات ومرجعيات الصراع الطبقي الذي يكون ضحيته المرأة والرجل معاً في حالة الضعف والفقر والتهميش.
لهذا لم يكن هدفي تتبع خيوط الصراع الوهمي بكل كتاباتي سواء الروائية أو القصصية، بل تعرية واقع الظلم الذي تحمل فيه المرأة نفسها المسؤولية، برفضها التغيير والركون لواقع مزيف يؤمن لها أماناً مؤقتاً تحت سلطة الرجل.
 
وماذا عن "حمالة الوطن" التي بطلتها مي فاطنة التي تجسد فيها دور المرأة (الأم والزوجة) المقصي والمنسي في المجتمع، فهل هذا التجسيد هو إثارة للانتباه للحقوق الضائعة للمرأة المغربية؟
شخصية (مي فاطنة)، كما ننطق بها في الدارجة المغربية، تبتلع الآلام وتتجرع المرارات وتقاوم الموت بالموت، فجاء موتها المدوي كشكل من التمرّد والمعارضة على سلطة لم تعترف بوجودها، ربما لتوقظ  ضميرها الإنساني النائم.
حزن مي فاطنة عميق، عالمها مليء بالمعاناة والآلام؛ والضوء الوحيد بحياتها هو أمل معانقة ابنها المهاجر من جديد، فكان الانتظار هو طوق الأمل لتحقيق حلمها، مّي فاطنة تمثل الأم المكافحة التي أدار لها الوطن ظهره وأغلق في وجهها كل الأبواب.
بالتأكيد هذه القصة تدق عميقاً وبقوة على الضمير الإنساني والسياسي، مي فاطنة تمثل شريحة من النساء المنكسِرة والموجودة أمامنا للأسف ولا نراها. فعندما يصبح الوطن أعمى بالتأكيد كل عيونه مغمضة.
 
ختاما حدثينا عن مشاريعكِ المستقبلية؟ 
‎هناك مجموعة قصصية قيد الطبع، نصوصها تتخلى عن عمود القصة الأساسي للحكاية... مجموعة أستحدث فيها أزمنة مخصوصة وشخصيات في ظاهرها مختلفة لكنها ترتبط بالتيمة الأساسية، وهناك أيضاً رواية جديدة قيد الإنجاز إضافة إلى مجموعة للقصص القصيرة جداً.
كما أنني أخوض تجربة جديدة حالياً وهي كتابة السيناريو بعدما وجدت تشجيعاً من العديد من الأصدقاء من مخرجين ونقاد.