الفن في عصر الذكاء الاصطناعي إبداع إنساني أم إنتاج بلا روح؟
مع انتشار الذكاء الاصطناعي وتغلغله في مجال الفن، ظهرت تساؤلات جدية حول مستقبل الإبداع البشري، هل ستأخذ الخوارزميات مكان الفنانين؟ وما هي التهديدات والفرص التي تواجه الفن والثقافة؟

سنیا مرادي
سنە ـ يشهد الذكاء الاصطناعي تطوراً سريعاً في إنتاج المحتوى وتلبية احتياجات السوق والتسويق، إذ تعد السرعة والتوفر الدائم وانخفاض التكلفة من أبرز أسباب الإقبال عليه، لكن، هل يعني هذا التوجه استبدال الفن الحقيقي بالخوارزميات؟
هل ينبغي القبول بأن تخصيص ساعات وأيام لابتكار عمل فني هو أمر عبثي لا جدوى منه؟ هل على الفنان أن يتخلى عن معاناته الإبداعية ويعتبر الذكاء الاصطناعي خصماً شرساً؟ أم أن هذا التصوّر هو مقارنة خاطئة، وأن "قيمة الذهب لا يعرفها إلا الصائغ"؛ أي أن الفن اليدوي، المفعم بالروح والوجدان الإنساني، سيظل يحتفظ بمكانته ولا يمكن مقارنته بإنتاجات تجارية خالية من الروح؟
حيث قالت إلهام جهانارا، خبيرة في مجال الغرافيك وفنانة نشطة في مجالات فنية متنوعة "أمارس العمل الفني منذ أكثر من ست سنوات في مجالات متعددة مثل الرسم على الزجاج، الأكريليك، الطباعة اليدوية، المينا، التوضيح الفني، وتصميم الصفحات للكتب، ومؤخراً دخلت عالم الفن الرقمي، واكتسبت خبرة في تصميم الشعارات المتحركة وصناعة الرسوم المتحركة، حتى الآن، شاركت في معرض جماعي، وتوليت مهمة التوضيح الفني لكتاب أطفال".
الفن انعكاس للثقافة وهموم الإنسان
وعن رؤيتها لطبيعة الفن، أوضحت إلهام جهانارا "بالنسبة ليّ، الفن ليس مجرد خلق للجمال؛ بل هو وسيلة للتعبير عن مفاهيم ثقافية واجتماعية عميقة، لطالما سعيت إلى تصوير هموم النساء، ومشكلات المجتمع، والهوية، والتاريخ، والثقافة الكردية بصدق، وبنظرة ناقدة في الوقت ذاته"، لافتةً إلى أن "القيمة الحقيقية للفن لا تكمن في سرعة إنتاجه أو مظهره البصري، بل في عمق رؤية الفنان والتأثير الذي يتركه في المتلقي".
الذكاء الاصطناعي أداة حديثة أم تهديد للإبداع؟
السؤال الجوهري المطروح اليوم هو دور الذكاء الاصطناعي في هذه المعادلة، لذلك حذّرت إلهام جهانارا "من خلال نظرة منطقية ومنصفة، يجب الإقرار بأن الذكاء الاصطناعي قادر على إلحاق أضرار لا يمكن تعويضها بالفن، خصوصاً عندما يحلّ محلّ الإبداع البشري".
وشددت على أن "العديد من الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي هي محاكاة لأساليب موجودة، وتُضعف من فرادة الفنان ونظرته الخاصة، هذا التوجّه يمكن أن يهدد أصالة الفن على المدى البعيد".
وعبّرت إلهام جهانارا عن قلقها من الناحية الثقافية والاجتماعية أيضاً "الاستخدام غير السليم لهذه التقنية يؤدي إلى تراجع جودة الأعمال الفنية، ويفقدها عمقها الثقافي، ويعرض الجمهور لمنتجات تبدو جذابة ومبهرة من الخارج، لكنها تفتقر إلى الروح، والإحساس الإنساني، والرسالة الاجتماعية".
وأوضحت أن "بعض الرسوم المتحركة التي أصبحت شائعة مؤخراً على وسائل التواصل الافتراضي تبدو مسلية، لكنها تثير مخاوف جدية في مضمونها، والعديد من هذه الإنتاجات تُحوّل المرأة إلى كائن استهلاكي وأداة، وتُطبع العلاقات السطحية واللاأخلاقية، وفي النهاية تُشوّه القيم الإنسانية وتُضعف الثقة الاجتماعية، والخطر يكمن في أن المجتمع قد يفقد تدريجياً حساسيته تجاه هذه القيم".
وأكدت على أنه "من الناحية التقنية، أتاح الذكاء الاصطناعي إمكانيات رفعت من سرعة إنتاج الأعمال الفنية بشكل ملحوظ، ووفّرت أدوات جديدة ليس فقط للفنانين، بل حتى للأشخاص خارج المجال الفني، فعلى سبيل المثال، يمكن من خلال خوارزميات إنتاج الصور أو الفيديوهات اختبار الأفكار في وقت قصير أو اكتشاف أساليب بصرية جديدة، إلا أنه هناك تهديد خفي يكمن في رتابة الأعمال؛ إذ إن العديد من مخرجات الذكاء الاصطناعي تعتمد على بيانات متكررة، وإذا غاب الإبداع البشري عنها، فإن جودة العمل وأصالته ستتراجع بشكل كبير".
وعن الناحية الاقتصادية قالت "توفر هذه التقنية فرصاً كما تحمل تهديدات، فمن جهة، أتاحت الأدوات السريعة والرخيصة دخول عدد أكبر من الأشخاص إلى مجال الإبداع، وقلّلت من تكاليف الإنتاج بشكل ملحوظ، ومن جهة أخرى، قد تُعرّض هذه الميزة سوق عمل الفنانين المحترفين للضغط، إذ يلجأ العديد من العملاء إلى أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من التعاون مع الفنانين، للحصول على إنتاجات سريعة ومنخفضة التكلفة".
وختمت إلهام جهانارا حديثها بالإشارة إلى مصدر قلق إضافي "تتفاقم المشكلة عندما يكون جمهور هذه الأعمال من الأطفال والمراهقين؛ الجيل الذي لا تزال هويته الأخلاقية والاجتماعية في طور التشكّل، فهذه الإنتاجات لا تهدد القيم الثقافية والأخلاقية فحسب، بل إنها من حيث الجودة الفنية والمعايير المهنية، بعيدة كل البعد عن الأعمال الإنسانية الأصيلة".