سياسية تونسية: نسعى الآن لاستعادة مكاسبنا التي تم نسفها

بعد مرور أكثر من عقد على الثورة، تبددت مخاوف التونسيات، وبتن تبحثن عن سبل لاستعادة مكتسباتهن التي مستها الحكومات المتعاقبة على السلطة.

زهور المشرقي

تونس ـ بعد 12 عاماً على الثورة التونسية، لا تزال التونسيات تواصلن طريقهن بثبات وقوة من أجل إرساء تشريعات جديدة تخرج بعض حقوقهن الصورية من حالة الجمود.

رغم جميع العراقيل التي وضعت أمام التونسيات، إلا أنهن مستمرين بجهودهن الفردية في النضال والمقاومة من أجل غد أفضل تمارسن فيه حقوقهن وحرياتهن دون خوف ورقابة اجتماعية ذكورية وسياسية.

النساء والفتيات اللواتي كن في مقدمة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية منذ2011حاملات لحلم أبى أن يتحقق لازلن اليوم في الصفوف الأمامية تقاومن لاستعادة مكاسب حُقَّقَت بدمائهن برغم آلة العنف المجنونة التي بتنا أول ضحاياها، وتتعهدن بالسير نحو مسار العدالة والمساواة التامة والفعلية في مجتمع ذكوري تحكمه "الميسوجنية".

وقالت رئيسة دائرة سيدي البشير البلدية والناشطة السياسية التونسية هندة عباس "إن العمل السياسي للنساء قبل عام2011، كان مختصراً على حزب سياسي واحد (التجمع الدستوري الحر المنحل)، في ظل غياب التعددية الحزبية، حيث كانت مشاركة النساء صورية كرتونية، ضمن إطار لا تشعرن فيه بأنهن من العناصر الفاعلة في المجال السياسي، حتى جاءت الثورة التي هيأت المناخ الديمقراطي ودعمت مشاركة النساء في العمل السياسي والحزبي والمجتمعي في إطار يُؤمن بضرورة التعددية الحزبية وأهمية إرساء الديمقراطية لتعزيز دور النساء في الحياة السياسية".

وأوضحت أن "تمركز النساء في المجالس البلدية الحالية بعد انتخابات 2018 التي تعتبر أول انتخابات بلدية حقيقية في تونس كان نتاجاً لنضالات النساء على مستوى الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني اللواتي نادين بضرورة تمركز النساء ورفع تمثيلهن في المجالس النيابية أو البلدية".

وأشارت إلى أن "مسار النضال تجسد في مختلف القوانين التي أتاحت للمرأة أن تكون موجودة بقوة في المجلس النيابي بخلق قانون انتخابي يفرض التناصف العمودي الذي عزز وجودها في المجلس النيابي عام2014 خلافاً لعام2011 في أول مجلس نيابي منتخب في تونس حيث لم تتجاوز نسبة النساء فيه 19%".

وأكدت على أن "إقرار التناصف العمودي في تلك الفترة رفع نسبة النساء في المجلس النيابي التي فاقت الـ30% عام 2014 وتعزز ذلك الحضور عام2019 بنفس القانون الانتخابي وكان حضورهن مشرفاً ومقبولاً مع استمرار المطالبة بمزيد من المشاركة للنساء عبر تنقيح القانون الانتخابي عام 2018 بإقرار التناصف الأفقي إلى جانب التناصف العمودي ما مكّنهن من ترأس القوائم الانتخابية بالتناصف مع الرجل، حيث أُجبرت كل الأحزاب على ترشيح النساء بالتساوي مع عدد الرجال، وكانت سابقة عززت حضور المرأة في المجالس البلدية بنسبة تجاوزت الـ40% لأول مرة في تاريخ تونس".

وحول الأصوات النسوية المقرة بضياع بعض المكتسبات السنوات الأخيرة من بينها نسف مبدأ التناصف في القانون الانتخابي الأخير، أوضحت بأن الأساس هو المحافظة على مختلف الإنجازات التي جاءت نتيجة النضالات بعد تنقيحات في القوانين حاربت العقلية الذكورية الطاغية، لضمان تمثيلية النساء في مختلف المجالات ودعم حقوقها في المجال السياسي، مشددة على أنه بعد 25تموز، عندما تم إقرار دستور جديد والتنقيحات التي أدخلت على القانون الانتخابي لعام 2014 لنسف مبدأ التناصف، أثرت سلباً على تمركز النساء في الانتخابات البرلمانية الحالية (الدور الأول وحتى الدور الثاني) التي بانت ملامحها التي تتسم بالضعف مقارنة بوجودها بالانتخابات السابقة، لافتة إلى أن النسبة التي لم تتجاوز الـ 5%، وهذا ينبئ بمؤشرات خطيرة على المشاركة الفعالة والحضور القوي للنساء.

وأشارت إلى أن دور الجمعيات النسوية والمنظمات الداعمة لحقوق المرأة يظهر الآن من خلال النضال المشترك حول مشروع مشترك وهدف واضح يتمثل في استعادة المكتسبات التي حققتها الحركة النسائية وتم نسفها علناً.

وأضافت "من المفترض كنساء أن نطالب بتعزيز حقوقنا وتوسيعها لكننا اليوم نناضل من أجل استرجاع  الحقوق لا تطويرها وكأننا سننطلق مجدداً من النقطة الصفر، نحن الناشطات في المجال السياسي والنسوي والحقوقي والفاعلات في مسار جديد لنعيد ما ضاع منا، ليس من الممكن أن نحرم كنساء من حقوقنا في التواجد في المجال السياسي من بلديات وبرلمان".

ودعت هندة عباس الجمعيات النسوية الفاعلة في تونس إلى الاتحاد حول هدف واحد يتمثل في المحافظة أولاً على المكتسبات المتبقية واسترجاع ما تم نسفه، مؤكدةً أنه برغم النضالات، لازال قطار المساواة لم يبلغ الدرجة التي تقاوم من أجلها النساء ولازالت هناك أشواطاً عديدة لتحقيق المساواة التامة بين الجنسين.

وانتقدت تفضيل الرجال على النساء في فرص العمل إضافة الى غياب مكافأة النساء على مجهوداتهن بالرواتب اللواتي تستحققن "كلاهما يعملان نفس العمل، لكن المرأة تتقاضى أجراً أقل، لأن العقلية الذكورية والفكر السائد يقول إن النساء لسن مجبرات على إعالة أسرهن لكن الرجل مجبر؛ بالتالي من هذا المنطلق توزع الرواتب؛ لا انطلاقاً من تقييم الكفاءات والمجهودات المقدمة من الجنسين".

وعن كيفية تحقيق المساواة قالت "يتطلب الأمر وعياً للنساء اللواتي يكن أحياناً جزءً من الإشكاليات التي تعترضهن بسبب عدم إيمانهن الداخلي بالمساواة مع شريكها الرجل وضعف اقتناعهن أن المساواة حق يمكنه الدستور ومختلف الدساتير التي كتبتها نضالات التونسيين"، مؤكدة أن النساء من حقهن المطالبة بتحسين وضعهن  وتطوير حقوقهن والتنديد بنسف مكتسباتهن التي ناضلن بمفردهن من أجلها لأن ذلك أول طرق الوعي والتغيير.

ودعت رئيسة دائرة سيدي البشير البلدية والناشطة السياسية التونسية هندة عباس في ختام حديثها كل النساء إلى التوحد من أجل صوت نسوي واحد، يكون هدفه تغيير الواقع واستعادة ما تم نسفه من مكتسبات كانت نتاج نضالات عقود من الزمن، "لابد من دعم بعضنا لكسب كل المعارك التي نخوضها لمستقبل أفضل لنا كتونسيات".