مليكة الهنتاتي: نخشى من برلمان ذكوري وهناك رغبة سياسية لإقصاء النساء

تخشى السياسيات والحقوقيات في تونس من برلمان ذكوري بعد القضاء على مبدأ التناصف في القانون الانتخابي وتسعين للتظاهر دفاعاً عن تواجدهن في مجلس النواب.

زهور المشرقي

تونس ـ يطال الفصل 55 من القانون الانتخابي نقد لاذع من قبل التونسيات، إذا أنهن تعتبرنهن كبوة بالنسبة للمنجزات التي حققنها خلال العقود الماضية، وفيه كما تؤكدن تشجيعاً على القبلية والعروشية.

تعتبر السياسية والناشطة الحقوقية التونسية مليكة الهنتاتي في حوار مع وكالتنا، أنّ هناك رغبة سياسية قوية لإقصاء النساء من الانتخابات البرلمانية المقبلة، وتدعو النسويات إلى تكثيف العمل من أجل التصدي لكل السياسات الداعية إلى عدم إشراك المرأة في الحياة العامة.

 

هناك جدل واسع بعد صدور القانون الانتخابي رقم 55 الذي أثار غضب الحقوقيات بعد إقصاء النساء من الوجود في البرلمان المقبل، كيف ترين هذا الوضع؟  

الفصل 55 يكرّس لإقصاء مقنّن للنساء والشبان وذوي الإعاقة، وينسف مختلف النضالات النسوية والمقاومة التي نتجت عنها العديد من القوانين المنتصرة لنا كنساء وآخرها قانون مكافحة العنف ضد النساء الذي صدر عام 2017، ومشروع قانون المساواة في الإرث، كلها نجاحات تم تجاوزها بقانون لم يعطي النساء الفرصة للتواجد في البرلمان بقوة للتعبير عن قضاياهن المنسية وللمشاركة في الحياة العامة والسياسية وهو حق يضمنه الدستور، اليوم بعد إصدار هذا القانون نتخوّف من إمكانية المسّ بمجلّة الأحوال الشخصية التي تعتبر نتاج نضالات ودم نسوي عبر عقود، نخشى أن نعود إلى فترات حالكة غابت فيها النساء تماماً.

القانون الانتخابي الجديد تضمن إخلالات واضحة تمثّلت في إلغاء التمويل العمومي وما تمثّله الخطوة من خطورة على النساء، باعتبار أن هذ الحقّ يعطي النساء الفرص للترشّح بضمانة دعم الدولة، فضلاً عن عدم وضع الحد الأدنى للمستوى التعليمي للمترشحين للبرلمان، ونحن نخاف أن يزجّ البرلمان المقبل بالمهربين والفاسدين، ولم يتحدث القانون عن حلول رقمية تسهّل التزكيات التي باتت تمثّل مشكلة حقيقية اليوم لنا، وضعنا أمامها ونحن نتساءل كنساء، ما معنى أن تعطي للانتخابات التشريعية حلّة وزي الانتخابات الرئاسية وبرنامج انتخابي اجتماعي واقتصادي وسياسي من أجل برلمان شبيه بتمثيلية مسرحية ستتحكم فيها السلطة القائمة المسيطرة على السلطات الثلاثة، التنفيذية والتشريعية والقضائية.

وأرى أن أهم مأزق نحن أمامه اليوم، هو الانتخابات على الأفراد الذي أرى أن فيه تشجيعاً على القبلية والعروشية وما تخلّفه من تقاتل وفرز لعقلية أبوية ستكون النساء أوّل ضحاياها، لكننا لا نقبل أن يتم التلاعب بنا بهذه الطريقة وتزييف الحقائق من أجل برلمان سيكون للمهربين ولأصحاب الشركات الأهلية وللأطراف الداعمة لأفغنة تونس.

 

منذ صدور القانون الانتخابي والجدل الذي رافقه، هل هناك مخاوف من إثارة ظاهرة العروشية التي حاربتها تونس منذ الاستقلال؟

هناك رغبة سياسية تسعى لتعميم الفوضى في تونس، لكننا لا نعلم لصالح أي طرف، والفصل 55 سيغذّي تلك الرؤية الخطيرة، إضافة إلى أن هذا المرسوم الانتخابي جاء لترسيخ فكرة أن المجتمع الذكوري لم يمت ولا زال يقاوم، وفكرة أن المال قوام الأعمال وفكرة ربّ العائلة والعرش، عادت في بعض المناطق في تونس بقوة، وهذا القانون الرئاسي غذّى روح ذلك المنطق والروح القبلية، هذا القانون يرسّخ بأن ينجح في الانتخابات البرلمانية المقبلة الذي يملك المنطق الذكوري في إطار مساعي إبعاد النساء عن المشهد السياسي.

نخشى اليوم من نتائج هذا القانون وهذه الانتخابات، نخشى من عودة الدم والعنف ونخشى من العنف ضد شعب أعزل ومفقّر يحارب من أجل قوته وضدّ الجهل.

 

تعيش تونس أزمة سياسية خانقة ما هو السبيل لإخراجها من ذلك؟

أزمة سياسية أدت إلى أزمة اجتماعية واقتصادية خانقة بلغت حدّ انقطاع المواد الأولية وكان للنساء باعتبارهن المسؤولات عن أسرهن النصيب الأكبر من المعاناة، وللخروج من هذا الوضع فالأمر يتطلب أولاً إرادة سياسية قوية واتحاد بين كل القوى التقدمية من أجل تغيير الواقع وتجاوز الأزمة، نحن بحاجة للحوار البنّاء الفعال الذي نتجاوز عبره مشاكلنا، فلنتحد كأحزاب وشخصيات وطنية ونساء لخدمة بلادنا وتجاوز محنته في هذه الظروف الصعبة، لدينا خيرة الكفاءات التونسية القادرة على تجاوز كل الإشكاليات والانتصار لتونس وشعبها، تونس الآن بحاجة لكل أبنائها بكل اختلافاتهم وانتماءاتهم.

 

تعاني المرأة في تونس من عنف سياسي واجتماعي، برغم وجود القانون عدد 58 لمكافحة العنف ضد النساء، برأيك أين الخلل؟

بغض النظر عن الفضاءات التي تتعرض فيها المرأة للتعنيف، نرى أن هناك تطبيع مع العنف وذلك منذ جائحة كوفيد ـ 19، ونحن مدركات أن وقت الحروب والجوائح تكون النساء أول الضحايا والأكثر تضرراً وتتأثرن بالخلل الاقتصادي والاجتماعي ما يؤهل الأرضية لتوسع رقعة تعنيف النساء.

ليس كافياً وجود قانون نوعي وصارم وفرق مختصة في مراكز الأمن مهمتها استقبال ضحايا العنف من النساء والفتيات لأنّ في مركز الشرطة من يستقبل الضحية هو رجل، وسيسعى لإقناعها للعودة لمنزلها ضمن سياسة التحالف الذكوري، وهو واقع نعيشه بشكل يومي في تونس، 70 بالمئة من العنف ضد النساء يكون داخل المنزل، ونحن أمام تطبيع مع العنف يبدأ من المنزل وصولاً للفضاءات العامة والأمن.

وبالنسبة لي كنت ولا زلت ضحية عنف سياسي منذ أن كنت في البلدية وحتى اليوم، سمعت كثيراً عبارات "أنا الآن في مكتب صاحبة الإعاقة"؛ لقد كنت ضد فكرة الدخول للمعترك السياسي لأنني كنت على يقين أنني سأتعرض للعنف والتمييز، لكنني واجهت الأمر بكل تحدي، لأن لدي أهداف نضالية أودّ تحقيقها.  

 

برأيك هل نحن أمام معركة للمحافظة على الحقوق والمكتسبات التي حققتها الحركة النسوية في تونس؟

نعيش ضمن مجتمع تقدمي برغم بعض العقليات الرجعية فلا يمكن أن يقبل التونسي والتونسية أن تمسّ حقوق النساء، لا يمكن الحديث عن تعدد الزوجات ومختلف الأفكار الرجعية المتخلفة فقد تجاوزها الزمن وتجاوزناها منذ كان الاستعمار الفرنسي قائماً، نحن نؤمن بالمساواة التامة ونناضل من أجلها منذ عقود، بالتالي سنواصل المقاومة من أجل محاربة الرؤى السوداوية الرجعية من بلادنا ولن نفرّط في أي مكسب دفعنا مقابله دماً، ومجلة الأحوال الشخصية التي برغم بعض النقائص ومساعينا لتنقيحها بما يتماشى وواقع النساء اليوم في تونس هي دليلنا في مجتمع تحرري مؤمن بالنساء وبدورهن الفعال وداعم لهن برغم كل العراقيل، ونحن كنساء متيقنات أننا سنبلغ مرحلة المساواة في الإرث يوماً ما وسنحقق مكاسب أكبر وأشمل بنضالاتنا وسواعدنا، نحن نقبل كل اختلاف باستثناء الفكر السوداوي الذي يسعى لإعادة بلادنا إلى عصر الظلمات، لا أحد قادر على محاربة حقنا في حب الحياة وحقنا كنساء في العيش في إطار نحن من يرسمه ويلونه بألوان الحياة، ما دمنا نساء تونس متحدات لن يمرّ مشروعهم الرجعي وسوف ننتصر.

 

للنساء النصيب الأكبر من نسب البطالة في تونس، حيث تجاوزت النسب 50 بالمئة، إلى ماذا ترجعين نقص الفرص في تشغيل النساء؟

مليون شخص دون عمل أي بنسبة 20 بالمئة لكلا الجنسين بتونس لكن النساء هن الأكثر من حيث النسب و80 بالمئة للنساء والفتيات من ذوات الإعاقة، هذه النسب تضاعفت منذ جائحة كوفيد ـ19 وخاصة في المجتمعات الأبوية التي تفضّل تشغيل الذكور على الإناث، مثلاً عندما كنت رئيس بلدية كانت معظم طلبات العمل للذكور، فالنساء لا يسمعن بالعروض، هذه نتائج الفساد الإداري المستفحل الذي يفضّل الرجال على النساء، كنت ضحية لذلك حين طُلب مني الانسحاب من الانتخابات البلدية لصالح رجل، لا يريدون تشغيل النساء ولا يخدمهم ذلك، لازالت بعض الأطراف تدعم الرجال على حساب النساء، منظومة قائمة على إقصاء النساء وقد تضاعف ذلك في الفترات الأخيرة، أرى أن إقصاء النساء وراءه موقف سياسي مدروس ودقيق لضرب مكانة المرأة في المجتمع التونسي وهو يتطلب تحالفاً واتحاداً نسوياً ضخماً لمحاربة تلك الأفكار وتحقيق ذواتنا.

 

أثار مقتل الشابة الكردية جينا أميني الجدل النسوي العالمي وكُثف التضامن اللامحدود الرافض لأي وصاية على أجساد النساء، أين تكمن أهمية ذلك التضامن؟

نحن ندد بمقتل أي امرأة بسبب لونها أو عرقها أو عقديتها أو معتقداتها ونرفض أي وصاية على أجساد النساء، نحن أحرار فيما نقوم ومسؤولات عن تصرفاتنا، يسعدني كتونسية ذلك التضامن مع الإيرانيات الذي خرج من تونس والمغرب وسوريا وغيرها من البلدان، تضامن عفوي عبّر عن رفضه لقتل النساء والتنكيل بهن، نرفض الانتهاكات ضد حرمة جسدنا.

إنه انتهاك صارخ يمسّ إنسانياتنا، نحن جاهزات في جميع أنحاء العالم للدفاع عن أي امرأة مهما كانت والجميع شاهد ماذا حدث بعد مقتل جينا أميني، تحية إجلال للإيرانيات اللواتي ذكرن النساء بأهمية توحيد أصواتهن، هن ذكرننا أننا متضامنات من أجل حقوقنا، ما حصل في إيران انطلاقة لثورة نسوية عالمية ضد الحكم الرجعي الظالم والسلطة المتحكمة، سنتحد ضد كل الانتهاكات والتجاوزات التي قد تمسنا كنساء، فالتضامن النسوي أمر مبهج وفيه رسالة واحدة قوية نحن يد واحدة مهما فرقتنا الحدود واللغات.