سودانيات: الثورة الإيرانية ستنجح وعلى النساء الاستمرار في معركتهن لاسترجاع حقوقهن

تجد السودانيات أوجه شبه كبيرة بين ما عانين منه من قمع وكبت للحريات وعنف خلال فترة حكم عمر البشير الذي سقط بثورة شعبية في عام 2019 شاركت فيها النساء بصورة فاعلة وكبيرة، وبين ما تعانيه النساء في إيران الآن الأمر الذي جعلهن يتضامن بصورة كبيرة معهن.

ميساء القاضي

السودان ـ تعود الكنداكات اللواتي ثرن ضد نظام قمعي وتمكن من إسقاطه قبل ثلاثة سنوات بالذاكرة للوراء، ووجهن رسائل للإيرانيات اللواتي تقفن في ذات الموقف متمنيات لهن التوفيق، مشددات على ضرورة الاستمرار في النضال لاسترجاع الحقوق بعد سقوط النظام كما تفعلن هن الآن في السودان.  

قالت الناشطة الحقوقية ومديرة مركز سيما لحماية الحقوق في السودان ناهد جبر الله لوكالتنا إن "مقتل مهسا أميني فضح واقع النساء وواقع حقوق الإنسان في إيران، ما حدث هو جريمة وواضح جداً إنها تراكم لجرائم أخرى، وذلك ما فجر ثورة في إيران، وهو ذات الأمر الذي حدث في السودان فكما قدمت مهسا نفسها وروحها وقوداً للثورة فعلت ذلك عوضية عجبنا ونادية صابون وهن ضحايا للنظام العام في السودان وذلك يفضح الرابط الكبير بين ما يسمى بشرطة الأخلاق في إيران وما يسمى بالنظام العام في السودان، وهذه هي عادة السلطات القمعية والإرهابية المعادية للحقوق وعلى رأسها حقوق النساء والحريات".

وترى ناهد جبر الله إن التغيير السياسي الذي قد ينتج عن الحراك في إيران لن يقود تلقائياً لتحسين وضع النساء، لكنه "سيعطي المساحة التي ستتمكنّ فيها من المناضلة من أجل المساواة ومن أجل احترام حقوق الإنسان ومن أجل قضايا النساء ومن أجل المشاركة السياسية وهي معركة مستمرة تخوضها النساء في إيران لهن التحية والتقدير وكامل التضامن من السودانيات اللواتي تخضن نفس النضال في السودان عبر معركة طويلة، إذ تمكن السودانيون في العام 2019 من إقصاء النظام الاستبدادي لكن برغم ذلك وخلال ثلاث سنوات بعد الثورة لم تنتصر النسويات في معركتهن وتحقيق التزامهن تجاه النساء فيما يتعلق بقضايا مثل المشاركة السياسية والإصلاح القانوني وغيره، ولكن رغم ذلك يجب أن يستمر العمل من أجل مواصلة المعركة فالنساء هن قائدات الحراك قدمن الشهيدات، المعتقلات، ضحايا الاغتصاب، وغيرهن".

وأكدت إن الحراك الثوري في إيران هو درس وما خاضته النساء في السودان هو درس أيضاً، لأن الحركة النسوية تلتقي في أهدافها النهائية وتلتقي في أعداءها سواء كان أعداءها هم الأعداء الأساسيين المعادين لكل حقوق الإنسان والحريات ولحقوق النساء أو الرفاق في الدرب الثوري الذين ينفضح في كثير من الأحيان ضعف التزامهم تجاه قضايا النساء.

 

 

ومن جانبها قالت الناشطة النسوية والمدافعة عن حقوق الإنسان وئام شوقي إن "مقتل مهسا أميني أعاد إلى ذهنها صورة الاعتداءات على النساء التي كانت تحدث في السودان من قبل شرطة النظام العام بسبب لباسهن وعقوبة الجلد التي كان يتم تنفيذها عليهن من قبل السلطات بسبب ما يرتدينه إبان فترة حكم البشير".

وأضافت "الأمر لا يقتصر على السلطة الحاكمة فللمجتمع سلطة أكبر فحتى بعد الثورة وبعد سقوط نظام البشير كانت هناك حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى جلد النساء بالسياط بسبب ارتدائهن لملابس يرى العامة إنها غير محتشمة كما إن الرجال في المواصلات العامة كذلك يأمرون النساء بارتداء غطاء الرأس مستخدمين عبارة (أرفعي طرحتك)".

وذكرت وئام شوقي أحد المواقف التي مرت بها حين ساعدها أحد الرجال على عبور الشارع العام وبعد أن أوصلها إلى الجانب الآخر من الشارع طلب منها ارتداء غطاء الرأس قائلاً (ممكن ترفعي طرحتك؟) فرفضت، مؤكدة إن "الأوامر والدعوات بارتداء الحجاب في الشارع تحدث باستمرار ويمكن للمجتمع أن يحاسب الفتاة لمجرد أنها لا ترتدي غطاءً للرأس ولا يهم إن كانت مقتنعة بارتدائه أم ترتديه بلا اقتناع المهم هو أن يراها ترتديه".

وترى وئام شوقي إن مهسا أميني فقدت حياتها بسبب غطاء الرأس وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة لأن المشكلة ليست شرطة الأخلاق في إيران ولا النظام العام في السودان المشكلة في عقول الناس الذين يرغبون في رؤية النساء يرتدين الحجاب أياً كان ما سيكلفه ذلك، مشيرة إلى أن النساء تفقدن حياتهن باستمرار بسبب أشياء بسيطة كعلاقة عاطفية أو التأخر في العودة إلى المنزل وأن الكثير من الفتيات تعرضن لعنف منزلي إبان فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا لأنهن تأخرن عن العودة في الزمن المحدد إبان الإغلاق الجزئي فتحولت المنازل إلى مقار شرطة مختلفة.

وعن أوجه الشبه في ما يحدث الآن في إيران وما حدث في السودان قالت إن "الثورة السودانية في العام 2019 كانت انتفاضة سياسية وليست ثورة، وهو ما يحدث الآن في إيران فحالات الخوف تجمع الناس والجميع يشعر إن المطالب واحدة لكن بمجرد إحساس الناس بالأمان تتمايز الصفوف إلى مفاهيم أخرى مثل هذا عيب وهذا لا يشبه العادات والتقاليد وهذا حرام بحسب الخلفية الثقافية في المجتمع، ونساء إيران الآن يقمن بثورتهن الخاصة، ضمن انتفاضة مجتمعية ضد نظام خامنئي لكنها ثورة النساء كما أن ثورة السودانيين ضد نظام البشير كانت انتفاضة سياسية بثورة النساء أيضاً".

وأوضحت إن "العنف الذي يقع على النساء ليس مهم للبقية ففي فترة الثورة كان من ضمن هتاف الناس في التظاهرات (يا بنات أبقوا الثبات الثورة دي ثورة بنات) ولكن بمجرد سقوط النظام وتحقق المطالب أصبحت مطالب النساء ليست مهمة وهذا ليس الوقت المناسب للحديث عنها في حين إنها مطالب حق في الحياة فما يحدث للنساء يمكن أن يفقدن حياتهن فعدم ارتداء غطاء الرأس يقتل كما حدث مع مهسا أميني، ونساء إيران لم تنتفضن اليوم هن قاومن هذا النظام منذ البداية وحين تم إيقافهن من المدارس، الشعب الإيراني لم ينتفض ووقفت النساء في الوقفات الاحتجاجية لوحدهن وحتى بعد مقتل مهسا أميني لم يتحرك الناس إلا بعد أن قصت النساء شعرهن واحرقنها".

تتذكر وئام شوقي صورة شاهدتها لفتاة تحمل لافتة إبان الثورة في السودان عن حق النساء في المشاركة السياسية، كانت وئام قد شاهدت صورة شبيهة بذات المطالب في فترة الأربعينات من القرن المنصرم مما يعني إن المطالب لم تتغير وذلك لأن الانتفاضات السياسية لا تغير الحياة المجتمعية، وعلى النساء في إيران أن تدركن أنه حتى بعد سقوط النظام سيكون عليهن الاستمرار في معركتهن الخاصة.

 

 

وبدورها قالت النسوية والناشطة في المجال العام ملاذ عماد "كان الأمر مؤسفاً حينما سمعت أن هناك امرأة قتلت في إيران لكن هذا ليس غريباً بالنسبة لدولة بها نظام سلطة قمعي أبوي يكرس لدونية النساء ويقمعهن ويفرض الهيمنة والسلطة على النساء باعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية".

وأوضحت إن "هناك مجموعة من القوانين في إيران لا تستطيع النساء بسببها نيل حقوقهن لذلك دائماً نجد أن هنالك نقاش عن الحق في الحياة في دول مختلفة، فالنساء وإن كن من دول مختلفة فهن تتعرضن لنفس أشكال القمع والقهر والتمييز والأساس في هذا الأمر هو وجود السلطة التي تكرس لهذه الدونية"

وعن أهمية التضامن النسوي قالت "معظم الحراك النسوي الذي ينشأ نتيجة لرد فعل لأحداث اضطهاد أو قمع أو قهر ينتج تضامن بحيث يكون الحدث في إيران لكنه يخلق تضامن في أماكن أخرى بعيدة جداً، هذا الأمر يربط النساء ببعضهن فرغم اختلاف جنسياتهن تتعرضن لنفس القمع ينتج عن ذلك الخطاب التقاطعي الذي يؤسس لكون الشخصي سياسي فأي امرأة تتعرض لقمع شخصي هي بالضرورة قضية سياسية تتطلب التضامن النسوي العابر للحدود".

 

 

وقالت الناشطة النسوية عهد محمد "متى ما بدأت الثورة فهي ستستمر، التغيير قادم"، وترى إن التضامن الذي يحدث الآن في إيران وتوسع رقعة الحراك جعل الناس هناك يتحدثون عن الحقوق والحرية هذا الأمر لن ينتهي سيستمر وسيتحدث الناس عن مطالب أساسية أخرى ستشمل مصالح كل الشعب هناك.

وأضافت "من واقع تجربتنا هنا في السودان أنا متأكدة من انتصار الثورة الإيرانية، فهذه الشرارة الصغيرة التي بدأت لكونها بدأت من النساء وهي أكثر فئة يقع عليها الظلم هناك ومع كل ما يعانونه من اغتيالات واغتصابات تحدث لهن، هذا يعني أن هذه الثورة بدأت من حيث نهايتها".

وأكدت إن "الظلم الواقع على النساء يصنع تضامن، هذا التضامن يصنع ثورة، والثورة تصنع خطاب جديد، هذا يجعلنا كلنا كنساء نسير في طريق التغيير بصورة جيدة وهو قادر على جعل تجاربنا ناجحة في مواجهة الظلم والقهر وما يفرضه النظام الأبوي على النساء، فحيثما وجدت الانتهاكات والظلم الواقع على النساء وجد النضال والنضال يقود للانتصار".